أفاق ثورة البنفسج

د. الوليد آدم مادبو
تختلف ثورة ديسمبر المجيدة عن سالف الثورات في أنها تعتبر إفاقة روحية أكثر من كونها إنتفاضة شعبية. الاولي لا تعيقها المكايد ولا تستوقفها المطبات، امّا الثانية فيسهل على المتواطئين الالتفاف حولها والعمل على إفراغها تدريجيا من محتواها الروحي والفكري.
هناك احاسيس مزدوجة ومشاعر مختلطة تزدحم في دواخلي في هذه اللحظة وفي هذه الصبيحة العبقة وانا استنشق سماء الخرطوم -تلك المدينة الباسلة – لتذكرنا بالتضحيات التي قدمها جيل البطولات والذي دفع روحه ثمنا غاليا في ساحة الاعتصام خاصة لتخليصنا من الطاغوت (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين، من فرعون انه كان عاليا من المسرفين)، ومن عجب اننا ما زلنا نبحث عن الجناة.
الجناة هي ذات المجموعة التي سعت لتفخيخ مسيرة البناء الوطني بتحويلها مؤتمر المائدة المستديرة من مؤتمر للحديث عن الحقوق والواجبات وتعريف العقد الاجتماعي الي مؤتمر لمناقشة الدستور الاسلامي.
يومها بدأت مسيرة الاتجار بالدين وتكونت في ذاك المحفل الوطني العصابة التي ستتكفل بتحويل تلك المنصة الى محفل طائفي يتم فيه استدراج الوطن الى ساحة الإفك والاتجار بالدين.
لم تقو القيادات الشابة حينها مقاومة هذا الابتزاز لأنها لم تمتلك مشروعا أصلا والأخطر انها خشيت فقدان “جمهورها الديني” !
تلكم كانت لحظة انفصال الجنوب والتي طرد من قبلها بعضا من نواب الشعب السوداني من البرلمان تمهيدا لقيام ديمقراطية دينية التي هي صنو الاستبداد السياسي والعسكري.
اجريت حوارا مع احد ملوك الوسط (بمعنى الوسطية الأيديولوجية) قبل عقد ونيف من الزمان، مولانا ابي للير، فقال لي أن الترابي كان ينظر اليه في ذاك المؤتمر وكأن ذبابة ركّت على كتفه عندما كان يتكلم عن الخصوصية الثقافية والتاريخية لشعب الجنوب. وها نحن ننظر ذات النظرة للحركة الشعبية وحركات تحرير السودان. فهل سيؤدي ذلك إلى انفصال غرب السودان؟لا اعتقد فالريف يسهم ب ٨٠ في المئة من الناتج القومي الإجمالي وهم -اَي نخب المركز- يجئرون لمجرد حصوله على اقل من ٥ في المئة. ولذا فهم لن يجرئوا على ابعاده طمعا في ثرواته وليس اعتزازا بعمقه الهوياتي.
إن الوعي المتدني عند الليغ السياسي القديم وتوابعه يقابله وعي متنامي عند النخب المنعتقة من الوصاية. وقد استشعرت ذلك وتيقنت منه عندما استمعت لإحدى الناشطات تعقب على قانون النظام العام وتشرح حيثية إلغائه.
قالت الناشطة والتي هي محامية من حيث التكوين والتأهيل العلمي ان مهنة بيع الخمور هي “مهنة شريفة” تمتهنها نساء الهامش. بهكذا أسلوب وبمنتهى البساطة اختزلت السيدة الناشطة قضية ذات ابعاد ثقافية وسوسيولوجية معقدة، أو لعلها ارادت الهروب الي الامام كي لا تضطر للتكلم عن قضية الرق وتداعيه الاقتصادية والاجتماعية المعقدة.
عندما الغي الإنجليز الرق، كان ٦٠ في المئة من مواطني العاصمة من العبيد والذين اضطروا في غياب الكفيل لممارسة البغاء وبيع الخمور. المأساة ليس في ظلم هؤلاء انما في إسقاط الانطباعات عنهم على المجموعات الزنجية كافة في السودان. ولذا عندما توصف إحداهن بانها “خادم” فالانطباع عرقي وسلوكي انحرافية.
هنالك إشكالات حقيقة في الشخصيةالثقافية السودانية يلزم الإقرار بها بيد أنها لا تحل بالشعارات او بالتعاطف غير الأصيل وغير الناضج، انما بالترتيبات المؤسسية مثل الديمقراطية الفدرالية التي تعطي اهل الأقاليم كافة حق الاحتفاء بموروثاتهم والاستفادة من ثرواتهم. لا داعي اذن للوقوف عند مصطلحات مثل العلمانية والحكم الذاتي لأنها تؤجج العواطف في غير جدوى ولا تحقق المقصود. الأخطر، أنها قد تكون اكثر ديمغاغوية من مشروع الأسلمة الذي لم يستطع أصحابه تعريف معالمه حتى هذه اللحظة.
اثار موضوع المناهج مؤخراً جدلا لأن المشرفين عنوا بالمخرجات ولَم يحتفوا بالإجراء الذي يتطلب تكوين لجان من اهل الاختصاص لتصميم السياسات وفق منهجية علمية وديمقراطية فهذه تعتبر اهم افاق ثورة البنفسج (نسبة لاختلاط البياض بالحُمرة وما سال من دماء).
من حق الشعب السوداني ان يحتفل بثورته ومن حقنا كمثقفين عضويين وفرنا الغطاء الإعلامي والفكري الذي تحرك تحته الثوار دونما مِنّة او إطاعة لهو النفس ان نقول لمن كانوا محل ثقته فسولت لهم أنفسهم الالتفاف حول مبادئ الثوار انهم سيدفعون رقابهم ثمن الخيانة وثمن الاستهانة بمقدسات هذا الشعب العظيم.
إن اصحاب المخيلة الضعيفة ينزعجون أشد الانزعاج لعرض المثقفين الأحرار رواية تختلف عن الرواية الرسمية التي ألفوا سماعها لان ذلك يؤثر على تماسكهم الوجداني.
يسع هؤلاء ان يتكئوا على ارجل الثورة الثلاثة (الحرية والسلام والعدالة) كي يستعيدوا توازنهم فالثورة ماضية والنصر الحقيقي قادم باْذن الله.
الوليد آدم مادبو
[email protected]
١٩ ديسمبر ٢٠١٩
((عندما الغي الإنجليز الرق، كان ٦٠ في المئة من مواطني العاصمة من العبيد والذين اضطروا في غياب الكفيل لممارسة البغاء وبيع الخمور. المأساة ليس في ظلم هؤلاء انما في إسقاط الانطباعات عنهم على المجموعات الزنجية كافة في السودان. ولذا عندما توصف إحداهن بانها “خادم” فالانطباع عرقي وسلوكي انحرافية.))
هذه الفقرة من مقالك يادكتور من المسؤول عنها
هل هي ذنب القبائل النيلية ام ذنب الثقافة العربيه
هل جدك مادبو كان له خدم ام عبيد؟ كما تسميهم
لو نظرت الي العالم خلال ال ١٠٠ عام الماضية في
تاريخ البشرية من الرق والظلم لكان تحليلك عادلًا
لكن تحصره في العاصمة فقط هذا ظلم باين
وآخر مقالك يدعوا للتفاؤل
فكن متفائل للمستقبل الواعد بعد ثوره ديسمبر
لان من صنعها هم أهل الهامش
لا فض الله فوك يا دكتور , سردك وتحليلك يستحق القراءة مرة ومرتين وثلاثة لانه ثر وثمين
يا دكتور كنت اعجبت في باديء الأمر بما تكتبه غير اني تبدل عندي الأمر والصورة….
في خاطري سؤال لماذا الكتابة بهذه الصورة …والتركيز على المستمر على بسط صورة ذهنية تدعو للبؤس والانحطاط….ما نعرفه عن بلادنا هي بلاد ضاربة في التاريخ وعمق الثقافة وكان السودان وكانت مملكة كوش وكانت الممالك وكان تاريخنا القديم قبل وبعد الاسلام …السودان بلد عظيم حسب قراءاتي المتواضعة وله تاريخ قديم وما هذا الإرث الثقافي الا نتاج لحقبة زاهية من شعب وشعوب لها تاريخ ولها بطولات لماذا هذه النظرة الدونية وهذا الانحطاط الفكري في الطرح….انت اختزلت ايضا تاريخ شعب في سرد صورة نمطية ظللت تكررها على الدوام ….
فقط اذكرك لا تتمادى كثيرا في طرق وزرع بذور الفتنة والشتات…السودان بلد عظيم بأبنائه كن منهم ..والا سوف تندم لتاريخك ايضا حين تجد نفسك وحيدا وحين ينبري لك من يوفقك في نظرتك المتشائمة …في هذا المقال أردت إيصال فكرة …واضحة كن شجاعا وقل انا لا يعنيني الوطن لاني عانيت فيه واريد الانفصال …..ما هكذا تبنى الاوطان…
اسحب انبهاري بما كتبت عنك سابقا…
لاحظو بتمعن ان كل مقالات هذا الرجل تقريبا مفخخة ….
هل هو ثورة مضاده ام كوز معتوه .
عندما نتكلم عن الهويه و نحن ندعي المثقفاتيه لا يجب علينا ان نميل الي مكون ونترك مكون لاننا كما يفترض ان نكون نعي ما نكتبه من منطلق اننا من خلال تراكم العلم و المعرفه و الخبرات ان الذي يحب ان يسود هو الذي يجمع الناس لا ان ننبش بخيالات مريضه علي الفرقه و الشتات اي كانت الاهداف
السودان متعدد الاعراق و الهويه قامت الثوره من اجل اعاده صياغه الافكار و الممارسات السابقه التي يجب ان تحكم التعايش بين مكونات المجتمع و يرضاها كل ذي فكر سوي يؤمن بالوطن للجميع ولكن ان تكون الرؤي و الافكار الي يذكرها الكاتب تقدح في خلق تصاريف لا تنطلق من البناء و التنميه الوطنيه لخلق تعايش سلمي بين كل مكونات المجتمع فمن الاولي ان يصمت لان العقليه التي ينطلق منها تعداها الزمن و ليترك اصحاب البصريه و الافكار النيره لكي يدلو بدلوهم فهم اصحاب الحل و الراي السديد بدون ادني مزايدات عفي عليها الزمن
وان كان لاي يعي مكونات و شعارات الثوره الابيه و منطلقاتها ووحدتها و سودانيتها الخالصه بدون اي تفرقه او تهميش لاي جهه فعليه مشاهده فيديوهات الثوره منذ بدايه الحراك و حتي الان لكي يضع نفسه في الصوره الحقيقيه هذا جيل لا يضع في مخيلته ما ينادي به مثقفاتيه ينطلقون من شعارات عفي عليها الزمن ولا يعرفون الا الخراب