وثائق امريكية عن عبود (12): الزواج من الاجنبيات – هل منع عبود كبار الموظفين من زواج البريطانيات؟ او المصريات؟

وثائق امريكية عن عبود (12): الزواج من الاجنبيات
هل منع عبود كبار الموظفين من زواج البريطانيات؟ او المصريات؟
عبد الله الطيب، زوج بريطانية: عبود يقصد زواج المصريات
عبد الفتاح المغربي، زوج بريطانية، “اساء” الى ملكة بريطانيا
هل كان على عبد الرحمن، وزير الداخلية، عميلا لمصر؟
هل اشتركت السفارة الامريكية في الخرطوم في انقلاب عبود؟
واشنطن: محمد علي صالح
هذه هي الحلقة رقم 12 في هذا الجزء من الوثائق الامريكية عن السودان. وهي كألآتي:
وثائق الديمقراطية الاولى، رئيس الوزراء اسماعيل الازهري (1954-1956). وكانت 25 حلقة.
وثائق الديمقراطية الاولى، رئيس الوزراء عبد الله خليل (1956-1958). وكانت 22 حلقة.
وثائق النظام العسكري الثاني بقيادة المشير جعفر نميري (1969-1975، اخر سنة كشفت وثائقها). وكانت 38 حلقة.
هذه وثائق النظام العسكري الاول بقيادة الفريق ابراهيم عبود (1958-1964). وستكون 25 حلقة تقريبا.
وبعدها، واخيرا، وثائق الديمقراطية الثانية، بداية بثورة اكتوبر (1964-1969). وستكون 25 حلقة تقريبا. ان شاء الله.12
————————————–
عناوين حلقة الاسبوع الماضي:
— سجن الشفيع احمد الشيخ، قاسم امين، شاكر مرسال، محمد احمد عمر، واخرين، وتبرئة محمد ابراهيم نقد وأخرين
— “منع الخمور لن يوقف شراب الويسكي الاسكتلندي”
— مبارك زروق: احمد خير كان آخر الدفعة في كلية القانون
— في نادي “روتاري”، احمد خير لا يرد على محمد احمد محجوب
———————————–
تصويب: في حلقة “حاجة كاشف الشيوعية”، جاء الأتي: “حاجة كاشف بدري. بنت اخ المعلم الرائد بابكر بدري. وبنت عم الفنان الرائد خليل فرح. ومن رائدات حركة تحرير المراة السودانية.” لكن، صحح هذا قراء (من بينهم الاخوان شوقي بدري، ومحجوب عبد المنعم حسن معنى) بانها ليست قريبة بابكر بدري. الشكر، والاعتذار.
————————–
في هذه الحلقة رقم 12، نقاش عن زواج السودانيين باجنبيات. لا تقتصر وثائق الخارجية الامريكية عن السودان، وعن غيره من الدول، فقط على السياسة والاقتصاد. ولكن، تشمل مواضيع اجتماعية، واحيانا شخصية.
بدا النقاش عن هذا الموضوع قرار الفريق عبود، بعد شهور قليلة في الحكم، بمنع زواج السودانيين، وخاصة الدبلوماسيين، من اجنبيات. وهذه اعادة للوثيقة التي جاء فيها هذا القرار. ثم النقاش حول الموضوع.
————————–
الخمور والاجنبيات:
6-2-1959
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
” … يوم 26-1، اصدر المجلس الاعلي للقوات المسلحة امرا بمنع الخمور “بكل انواعها” في المناسبات الرسمية. بما في ذلك السفارات السودانية في الخارج …
وكان الفريق عبود اعلن، في خطابه في ذكرى استقلال السودان يوم 1-1، ان كل الخطابات الحكومية يجب ان تكون باللغة العربية. “ليس فقط لتشريف اللغة العربية، ولكن، ايضا، ليقدر عامة الناس على الاطلاع على المراسلات الحكومية. وهذا حق من حقوقهم.”
وعلمنا، من مصادرنا الخاصة، ان هناك قرارا اخرا اتخذته حكومة عبود، لكنها لم تعلنه، وهو منع المسئولين السودانيين “الذين في مناصب حساسة” من الزواج من “اجنبيات” …
رأينا:
اولا: واضح ان قراري منع الخمور والتركيز على اللغة العربية للاستهلاك المحلي فقط، في دولة اسلامية عربية.
ثانيا: لم يضع القراران اي اعتبار لجزء كبير من السودانيين في جنوب البلاد، ليسوا مسلمين، ولا يعرفون اللغة العربية، ولا يريدون ان يعرفونها.
ثالثا: استعمال اللغة العربية في الخطابات الحكومية لن يجعل السودانيين يقدرون على الاطلاع على نشاطات حكومتهم لان 90 في المائة منهم اميون.
رابعا: يقول كثير من الموظفين الفنيين والمتخصصين ان اللغة العربية ليست مناسبة لخطاباتهم ومراسلاتهم وتقاريرهم. وان السكرتيرات يقضين وقتا اطول في كتابة خطاب باللغة العربية.
خامسا: لن تقدر البعثات المسيحية التبشيرية في الجنوب على مخاطبة المسئولين لانها لا تعرف اللغة العربية.
سادسا: بالنسبة لمنع الخمور، يوجد عدد كبير من السودانيين، الذين تعلموا على الطريقة البريطانية، يفضلون شراب الويسكي الاسكتلندي. وبكميات كبيرة. ونحن نشك في ان هذه العادة ستنتهي بسبب قرار من الحكومة.
سابعا: بالنسبة لمنع زواج الذين في “وظائف حساسة” من “اجنبيات”، يبدو معقولا. وكان هناك قرار صدر بالاستغناء عن خدمات “غير السودانيين.” لهذا، لابد ان يقلل القراران الكفاءات في المكاتب الحكومية. اضف الى هذا ان لابد من تعريفات لما هي “وظيفة حساسة”؟ ومن هي “الاجنبية”؟ ومن هو “غير السوداني”؟
يبدو لنا ان القصد من هذه القرارات هو احتكار الوظائف الحكومية من قبل السودانيين العرب والمسلمين. وربما، سيصدر قرار حكومي يقول ذلك … ”
————————–
الزواج من الاجنبيات:
17-3-1959
من: مكتب الاعلام الاميركي، الخرطوم
الى: وكالة الاعلام، واشنطن
” … امتلأت الصحف والمحافل الاجتماعية السودانية بنقاش حول محاسن ومساوئ قرار الفريق عبود بمنع موظفي الخدمة المدنية من الزواج باجنبيات. وقال بعض الناس ان القرار صفعة على خدود السودانيين المتزوجين من بريطانيات (بسبب تركيز البعثات الخارجية في ذلك الوقت على بريطانيا).
لكن، قال مدير قسم اللغة العربية في جامعة الخرطوم (الدكتور عبد الله الطيب)، وزوجته بريطانية (قريزلدا)، ان المقصودين هم السودانيين المتزوجين مصريات (بسبب حساسية العلاقات مع مصر، خاصة بالنسبة للدبلوماسيين السودانيين) …
وانتقد القرار عبد الفتاح المغربي، عضو سابق لمجلس السيادة. وزوجته ممرضة بريطانية …
رأينا:
اولا: ساهمت اغلبية الاجنبيات زوجات سودانيين في دعم وظائف ازواجهن. وفي رفع مستويات معيشة عائلات هؤلاء الازواج، ومعارفهم.
ثانيا: تزوج قادة في المجتمع السوداني اجنبيات غربيات. بالاضافة الى الطيب والمغربي، هناك دكتور سعد الدين فوزي، استاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم، الذي تزوج هولندية. وهناك نائب مدير جامعة الخرطوم (بدون اشارة الى اسمه، او بلد زوجته) …
ثالثا: اثارت نقطة في راي المغربي قلق السفير البريطاني في الخرطوم. هذه هي قول المغربي ان الملكة اليزابيث، ملكة بريطانيا، حفيدة المعتمد بن عباد الاشبلي (من امراء الاندلس. وبسبب مصاهرات لاحقة بين عائلات مالكة اسبانية، وبريطانية، واروبية).
رابعا: نرفق مع هذا اراء سودانيين عن الموضوع …
——————————
اراء سودانيين:
“لم ينفتح السودانيون على العالم الخارجي قبل الاستقلال. وجاء اول انفتاح، مع الاستقلال، بسبب ارسال طلاب سودانيين الى الخارج. وخاصة الى بريطانيا. هذه هي البداية. وواضح ان السودانيين الذين تزوجوا اجنبيات عادوا الى وطنهم. وصاروا كبارا ومسئولين فيه. لهذا، الاحتمال المرجح هو ان زوجاتهم الاجنبيات يساهمن معهم في خدمة وطنهم …”
————————–
“ليس زواج المبتعثين السودانيين، خاصة في بريطانيا، من بريطانيات الا بسبب “عقدة الخواجة”، وايضا “عقدة الخواجيات.” انهم يريدون الانتقام لسنوات استعمار بريطانيا للسودان. طبعا، لا يقدرون على الانتقام من الرجل البريطاني. كيف يقدرون وهو الذي حكمهم كل هذه السنوات. لهذا، جاء الانتقام على حساب البريطانيات المسكينات … ”
—————————
“لماذا لا يتزوج هؤلاء باجنبيات، والعادات والتقاليد السودانية جعلت زواج السودانيات مشكلة؟ ووضعت امامه عراقيل والتزامات؟ لماذا لا يفعلون ذلك وهم يواجهون التزامات اهلهم، واهل زوجاتهم السودانيات، والتي، كما نعرف جميعا، ليست لها نهاية، وليست لها حدود؟ … ”
————————
“ربما سيشهد المستقبل مزيدا من زواج السودانيين باجنبيات، وربما ستفشل اغلبية هذه الزيجات. وانا سمعت انه، حتى وسط العدد القليل من اساتذة الجامعات السودانيين الذين تزوجوا بريطانيات، فشلت بعض هذه الزيجات. وبعضها انتهى نهايات مؤسفة، لا اريد ان اتحدث عن تفاصيلها هنا … ”
————————-
“كيف يوفق السوداني بين العائلة المترابطة في السودان، وبين الارتباطات العائلية غير القوية في اروبا؟ هل ستكون زوجته الاروبية مثل زوجة سودانية، تلبس التوب، وتتحنن، وتتدلك، وتتبخر، وتزور عمته في المستشفى، وتزور قبر جده؟ او هل ستكون الزوجة الاروبية انفرادية، ومتعالية، ومتعجرفة؟ … ”
————————-
“اعرف سودانيا زوجته بريطانية. واعرف كيف صار اكثر هدوءا، واكثر منطقية، واكثر ايمانا بالحرية والديمقراطية. هذا عنه هو. ولابد ان زوجته افضل منه. وهي مصدر ذلك … ”
—————–
“هل ستقبل الاروبية ان اتزوج عليها زوجة ثانية، وربما ثالثة؟ ديننا الحنيف احل اربعة زوجات … ”
——————————
على عبد الرحمن:
10-3-1959
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
” … نقلت صحف الخرطوم خير ان شرطة الخرطوم عثرت على وثائق حول اموال كثيرة ارسلتها حكومة دولة اجنبية الى حزب سياسي في السودان، قبل انقلاب الفريق عبود. وان اسماء شخصيات سياسية هامة وجدت مع الوثائق.
لكن، لم تنشر اي اسماء. لا اسماء السياسيين، ولا اسم الدولة.
لهذا، قمنا، هنا في السفارة، بتحقيقاتنا الخاصة. وحصلنا على المعلومات الأتية:
مع بداية هذه السنة، انتهت فترة مدير فرع البنك الاهلي المصري في الخرطوم، بعد ثلاث سنوات. وبدات فترة مدير جديد. وامر المدير الجديد بمراجعة كل الحسابات. وعثر على مبلغ تسعين الف جنية باسم وزارة العدل. وارسل معلومات عن ذلك الى زيادة ارباب، وزير التربية والعدل (في حكومة الفريق عبود). لكن، قال ارباب ان الوزراة ليست لها صلة بالمبلغ.
وبعد تحقيقات، اكتشف مدير البنك ان المبلغ تابع لوزارة العدل، لكن وضعه على عبد الرحمن، وزير العدل في حكومة اسماعيل الازهري، ثم وزير الداخلية في حكومة عبد الله خليل (التي اسقطها الانقلاب العسكري). وحسب وثائق البنك، لا يقدر شخص على التصرف في المبلغ غير على عبد الرحمن.
وهذه المرة، امر ارباب، بصفته وزير العدل، الشرطة بالتحقيق في الموضوع.
وحسب تقرير رفعته الشرطة الى ارباب، منذ سنة 1948، وعن طريق فرع البنك الاهلي المصري في الخرطوم، كانت الحكومة المصرية تحول مبالغ الى جهات سودانية للمساعدة في تعليم القرأن الكريم. وكان اسماعيل الازهري هو الذي يتصرف في هذه التحويلات. وفي سنة 1954، عندما صار الازهري رئيسا للوزراء، امر بان يحول المبلغ الى وزارة العدل. وان يتصرف فيه وزير العدل على عبد الرحمن. الأن، صار واضحا ان على عبد الرحمن جعل المبلغ وكانه خاص به …
هذه هي المعلومات التي تحصلنا عليها. ونضيف اليها بانه، حسب معلوماتنا السابقة، على عبد الرحمن كان عميلا لمصر عندما كان وزيرا في حكومة عبد الله خليل …
ونعرف، ايضا، الأتي عن على عبد الرحمن، بالاضافة الى عمالته، وبالاضافة الى فساده:
اولا: زعيم قوي، ومناور ماكر.
ثانيا: شخصيته غير محبوبة.
ثالثا: انتهازي. استغل ولاءه للسيد على الميرغني، زعيم طائفة الختمية، ليصير زعيما لحزب الشعب الديمقراطي (الذي انفصل عن الحزب الوطني الاتحادي في سنة 1956) …
رأينا:
اولا: عندما نشرت حكومة الفريق عبود خبر اموال على عبد الرحمن في البنك الاهلي المصري، تعمدت الا تنشر اي اسم. نحن نعتقد ان عبود لا يريد خلق مشكلة مع مصر، في هذا الوقت بالذات.
ثانيا: لان ارباب، وزير التربية والعدل، من قادة حزب الامة، ومن المقربين للسيد عبد الرحمن المهدي، زعيم طائفة الانصار، ربما يريد ان يستغل الموضوع لاحراج السيد على الميرغني، والختمية.
ثالثا: اذا استطاع عبود ان يثبت ان على عبد الرحمن استعمل جزءا كبيرا من التحويلات المصرية لمنفعته الشخصية، وليس لاحياء نار القرأن، يقدر عبود على ان يعلن للشعب السوداني انه حريص على احياء نار القرأن اكثر من حكومات السياسيين السابقة. وانه قاد الانقلاب العسكري بسبب فساد هؤلاء السياسيين.
رابعا: يوجد “جناح انصاري” في حكومة عبود (مثلا: اللواء احمد عبد الوهاب، وزير الداخلية، وزيادة ارباب، وزير التربية والعدل). وربما يريد هذا الجناح استغلال عمالة على عبد الرحمن للمصريين لاحراج السيد على الميرغني والختمية.
خامسا: يبدو ان الازهري سيكون مثل الذي ضحك اخيرا، ضحك كثيرا. وذلك لانه حول حساب البنك الاهلي المصري الى على عبد الرحمن، منذ قبل استقلال السودان … ”
———————–
منشورات شيوعية:
7-3-1959
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
” … يوم 5-3، انتشرت في شوارع الخرطوم منشورات وزعها الحزب الشيوعي السوداني تؤيد محاولة الانقلاب التي قادها الاميرالاي عبد الرحيم شنان …
(التفاصيل الاسبوع القادم).
ووصفت المنشورات انقلاب عبود بانه “بتخطيط الخائن عبد الله خليل، ومساعدة السفارة الامريكية في الخرطوم، وتنفيذ اللواء احمد عبد الوهاب (نائب عبود، ووزير الداخلية)، وتشجيع العصابة (انصار حزب الامة).”
وجاء الأتي في المنشورات:
“باعت هذه العصابة (انصار حزب الامة) السودان للمستعمرين، منذ اول يوم تولت فيه الحكم (حكومة عبد الله خليل، سنة 1956). وقبلت المعونة الامريكية. وصار 200 خبيرا امريكيا هم الحكام الحقيقيين للسودان … ”
“خططت السفارة الامريكية في الخرطوم، عن طريق العصابة، لافساد العلاقات بين السودان ومصر، بما يخدم مصالح الامبراطور هيلاسلاسي (أمبراطور اثيوبيا) … ”
“ايضا، قبلت هذه العصابة اسلحة من بريطانيا، تماما مثلما قبلتها اسرائيل. وذلك لان بريطانيا تخطط لان تستعمل العصابة، واسرائيل، اسلحتها ضد العرب. وقبلت العصابة قرضا من بريطانيا قيمته خمسة ملايين دولار، بسعر فائدة ستة في المائة. وهكذا، صرنا تحت رحمة البريطانيين … ”
“بعد انقلاب عبود العسكري، استمر نفوذ العصابة. مثلا: في المحاكمات الظالمة لقادة نقابات العمال الشرفاء (تفاصيل هذه المحاكمات في حلقة الاسبوع الماضي) …”
“نحن نطالب بمحاكمة اعضاء هذه العصابة. ونحن نؤيد محاولة الانقلاب العسكري التي قام بها ضباط احرار في القوات المسلحة. ونحن نريد من الشعب السوداني مساعدة هؤلاء الضباط الاحرار. وذلك لان هدفهم هو مصلحة الشعب السوداني …”
“اهدف الضباط الاحرار هي كالأتي: اولا: القضاء على العصابة. ثانيا: حل مشاكل السودان الاقتصادية. ثالثا: رفض المعونة الامريكية. رابعا: رفض الاسلحة والقروض البريطانية. اقامة علاقة صداقة قوية مع مصر … ”
—————————–
الاسبوع القادم: انقلاب شنان
—————————-
[email][email protected][/email]
الف شكر استاذنا الجليل وانت تتكبد هذا العناء في ترجمة هذه الوثائق لتنير وتكشف خبايا تلك السنين حتى تجد هذه المعلومات من يضعها في سيقاها الصحيح ليعاد كتابة تاريخ هذا البلد بتجرد ومصداقية كاملة لنعرف من هو عدونا الحقيقي وسلمت وسلم يراعك.
مع كامل مؤدتي