
أشرت فى مقالات سابقة باننى منذ رجوعى للسودان منذحوالى شهرين ،وأنا احاول ان افهم مايحدث دون جدوي . بالأمس أيضا جلست مع نفر من من ظنت انهم من العارفين بالأمور، فكانت النتيجة : نحنا ذاتنا ! وعندما راجعت ملخص آخر الأخبار ، وجدت فيه السبب : “جايطة ” بطريقة تؤدى لعدم الفهم ، الأمر ونقيضه ، والأمر ونقيضه .. وهكذا دواليك ! مثلا :
– قيادى بتجمع المهنيين : معاش الناس أسقط حكومة البشير .. وعلى الحكومة الأيفاء بمتطلبات المعيشة .
– ياسر ميرغنى : الخبز لن يسقط الحكومة .
فلو ناقشنا هذين التصريحين لوجدناهما صحيحين من حيث المبدأ .. ولكن ، ربما نتفق على أن معاش الناس كان السبب المباشر فى السقوط ، والأصح هو أن السقوط كان لأسباب تجمعت على مدى الثلاثين عاما منها الكذب ( لله لا للجاه ! أذهب للقصر .. تطبيق الشريعة .. ) والفساد ( الذى لم يحدث مثله فى أى من بلاد الدنيا وعلى مر تاريخها ) وقتل الأنفس التى حرم الله ( عشرة الاف بس .. فى دارفور ..) . وكان هذا تجمع الأسباب، هو الذى انتج الثورة المتفردة التى شارك فيها الملايين من الرجال والنساء والأطفال .. ومن لم يشارك بالفعل شارك بالقلب .
ومن ناحية اخرى كنت أظن أن تجمع المهنيين مسئول بنفس قدر الحكومة ، ان لم يكن بأكثر، عن معاش الناس ، على الأقل بطرح الحلول والبدائل والضغط لتنفيذها بشتى الوسائل وآخرها المواكب التى تعطى اشارتين أحداهما صحيحة والأخرى خاطئة ، مثلما جاء فى قول أحدى الصحف البريطانية : (تجاذبات سياسية وتداعيات فى صفوف قوى الثورة .. قد تقود الى سقوط حكومة حمدوك !) . وهناك الكثير من التجاذبات التى ظهرت على السطح ، ويبدو ان ماخفى أعظم ،بعضها متوقع وطبيعى بسبب اختلاف المواقع والمواقف ، غير ان البعض الاخر ، وهوالذى يهم مصير الثورة لأنه يحدث بين مكونات من يهمهم ايجابية ذلك المصير، لايجوز ان يحدث خصوصا فى هذه المرحلة التى اصبحت فيها مخططات الثورة المضادة من الداخل والخارج ترى بالعين المجردة .
ثم اذا نظرنا فى تصريح السيد ياسر فنجد انه صحيح من حيث المبدأ .. ولكن الأصح أنه لن يسقط الحكومة – وحده – ولكنه يمكن أن يصبح القشة ، كما حدث فى حالة البشير . وهناك من الأحداث مايدل على أن الأخطاء تتراكم .
فاذا أخذنا موضوع السلام ، الذى يتفق الجميع على أنه قلب الأحداث وعلى النجاح فيه يترتب باقى النجاحات وكذلك على الفشل – لاقدر الله ، ومع ذلك فالأخطاء تتراكم: – بدأت بقرار الأجتماعات خارج الوطن :أديس ثم الجنوب ، برغم انه لم يعد هناك مايمنع مجئ الجميع للسودان ، خصوصا والطرفان يصرحان بأنهما جزء من الثورة وانهما طرف واحد !
– لم يتم تكوين مفوضية السلام ، وبدلا من أن يتولى مجلس الوزراء أمر التفاوض ، تولاه المكون العسكرى من المجلس السيادى . آخر الأدلة :توافق على الأجندة .. اجتماع مهم لمجلس السلام برئاسة البرهان وحميدتى وموعد جديد لمفاوضات جوبا.
– ادخال جهات لاعلاقة لها بالحرب والسلام بشكل أربك التفاوض ، مع اهمال أصحاب”الوجعة “الذين تم تذكرهم أخيرا .
– قبول وفدين للحركة الشعبية بما أثر أيضا على سير المفاوضات بسبب التنافس الواضح حتى فى أظهار الحدب على انجاح العملية برمتها .
الى غير ذلك من المشاكل والعقبات التى نتمنى الا تكون قاصمة .
وعلى الرغم من وجود بعض العذر للبطئ الحكومى بمبرر انها تحاول وضح الأسس لحكم ديموققراطى مستقبلى يقوم على القانون ، الا ان هناك مطالب الثورة أيضا ، التى لاتحتمل التأخير والمساومة خصوصا مع هؤلاء الذين لايعرفون الا ولاذمة . وفى هذا المجال ، هناك أمور ” تفقع المرارة ” على قول أصحابنا المصريين لمجرد قراءتها ، ناهيك عن نتائجها الكارثيه البائنه لكل ذى بصر وليس بصيره .عندك مثلا:
– قصة زيارة نائب الرئيس الكينى واسبابها ، حسب جريدة كينية ، ثم التصريح الوحيد من مسئول حكومى عن قضية بهذا الحجم الكارثى يقول فيه انه لاعلم لهم بزيارة وفد كينى لموقع تنقيب عن الذهب فى ولاية نهر النيل ، بينما تؤكد جريدة التيار السودانية بالمستندات حدوث تلك الزيارة . والقضية بالتأكيد أكبر من ذلك كثيرا !
– وقصة اجتماع الدكتور حمدوك السرية بالدكتور غازي صلاح الدين . وفى خبر آخر : اجتماع الأخير بالسفير التركى !ولاتعليق !!
ولكى نكون منصفين نقول أن هناك ايضا بعض الأخبار التى تبدو ايجابية المظهر ، مثل :
– موقع أمريكى : 45 يوما لأزالة أسم السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب ! واذا تقاضينا عن تحديد المدة ب45يوما حسوما ، وكذلك عن أسم القائمة ، التى أظن انه لاينطبق على السودان الحالى الا اذا عدل ل ” الدول التى كانت راعيه للأرهاب ” ، فاننا سنجد انه استمرار لمسلسل التأجيل “التركى ” على أفضل الفروض ، ذلك ان لم نشطح الى القول بأنه جزء من التناغم الأقليمى \ الدولى ، الذى يهدف الى افشال حكومة حمدوك بغرض فرض الهبوط الناعم ان لم يكن الى ارجاع الأمور الى مبتدئها والتمتع بالمعلومات المجانية عن الأرهاببين الذين تمتنع أمريكا بسببهم عن ازالة اسم السودان الحالى عن القائمة التي تسببوا فى وضعه فيها بداية ! ( فهمتو حاجة ؟!) ومثل :
– البرهان يتلقى دعوة رسمية لزيارة الولايات المتحدة ، وهويبدو خبرا ايجابيا ان تدعو أمريكا من يمثل راس الدولة للزيارة ، التى لابد ان يكون لها عائدات مرتبة مسبقا .. ولكن عندما يكون الداعى هو نفس الدولة التى قال أحد مصادرها انهم لن يتعاملوا مع السودان بمايجب الا اذا أصبحت حكومته مدنية بالكامل ، فلابد أن يصيبنا بعض العجب على أقل تقدير!
أظن ان ماذكرنا ، على قلته بالنسبه لما هو حادث بالفعل ، يكفى للتدليل على “الجوطة” التى تجرى . السؤال المحورى : هل هى قدر مقدور أم ان هناك مايمكن ، بل مايجب عمله لتدارك الأمور قبل وقوع الفأس فى الرأس بعد الأنتصار التاريخى الرائع لثورة ديسمبر المتفردة فى ازالة الرؤوس وفتح الطريق أمام استكمال مهامها هذه المرة ؟! والأجابة : ممكن جدا :
– فى المقام الأول ، لابد من التعجيل بتطبيق قانون التمكين بازالة القيادات وتوابعهم خصوصا فى المجالات الأمنية والأقتصادية المؤثرة . فليس من المعقول أن تظل قيادات فى مواقع مثل وزارة المالية وبنك السودان والبنوك بشكل عام فى أيديهم ثم نظل فى اندهاش من صعود قيمة الدولار وارتفاع اسعار السلع المحلية وكل الأدواء الأقتصادية الكارثية . وليس ذلك فحسب بل عندما نزيل متمكن نأتى بتمكن اضل وبايدينا !
– وحدة قوى الثورة على ميثاق متجدد يضع المهام المتبقية لأستكمال مهامها كثورة طرحت شعارات السلام والحرية والعدالة لسودان جديد مفارق للأنماط التقليدية التى ظلت تكبل تقدمه برغم مافيه من عناصر يمكن ان تضعه فى المقدمه . ضرورة هذا الميثاق المتجدد انها تضع الفاصل الضرورى بين الذين يظنون ان المهمة قد انجزت بزوال النظام البائد شكلا وقيادة ، والذين يعتقدون جازمين بأنها ثورة مستمرة حتى تحقيق شعاراتها النهائية المذكورة .
– اعادة هيكلة تنظيم قوى الثورة الموقعه على الميثاق المتجدد ، بحيث تنطق قيادتها بلسان واحد يعبر عن ما جاء فى ذلك الميثاق ، مع وجود أسلوب محدد للعلاقة بين قيادة تنظيم قوى الثورة وقواعده فى الأحياء واماكن العمل والحكومة المتفق عليها تماما بين عناصر قوى الثورة . مع اعمال مبدأ الشفافية والوضوح فى العلاقات بين هذه المكونات .
– بدأ محاكمات جادة وقانونية لقيادات النظام بعد أن توفرت أدلة ثابته من خلال اعترافاتهم الموثقة وعل أساس أن الأعتراف سيد الأدلة . وكذلك الحزم والحسم تجاه المتلاعبين بقوت وخدمات الناس بمحاكمات فورية ورادعه.
– وقد وضحت نوايا المجتمع المسمى بالدولى والاقليمى تماما ، الايصبح أن لابد من البحث عن الحلول المحلية وهى متوفرة لو تم التركيز عليها من قبل الجميع حكومة وثوارا . فبدلا عن الأشارات التى يتفضل بها بعض قادة قحت ،من امور معروفة حتى للعامة ، من امثال الشركات التابعه للجيش والأمن أو عن تهريب الذهب بطريقة شبه رسمية ، الى غير ذلك ، الا يكون من الأفضل الأشارة لأهل التنفيذ بما يراه أولئك القادة من اساليب ووسائل للأستفادة من مايمكن اتاحته ولآزالة العوائق ، ثم اذا لم يجدوا الاستجابة ان يطرحوا الأمر لجماهير الثورة ؟
ألا هل بلغت ؟؟؟
عبدالمنعم عثمان