المسيح المحمدي في الأساطير والأديان القديمة والأديان الكتابية (5)
بسم الله الرحمن الرحيم
(هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ)
الحلقة الخامسة
الخير والشر (أ)
خالد الحاج عبدالمحمود
موضوع الخير والشر موضوع أساسي، عبر كل التاريخ البشري.. فمنذ أن ظهر الإنسان وجد حياته محشودة بالخير والشر بصورة دائمة.. موضوعنا الأهم، ونحن نتحدث عن ظهور المسيح المحمدي، هو انتصار الخير على الشر، الأمر الذي يفتح الباب لتحقيق الكمالات الإنسانية.. وقد تناول المفكرون عبر التاريخ قضية الخير والشر.. بل أبعد من ذلك تناولتهما الأديان القديمة، فقد كان هنالك تصور لآلهة الخير وآلهة الشر، وكثيرا ما كان هنالك صراع بين آلهة الخير وآلهة الشر.. والسؤال الأساسي بالنسبة للقضية هو: هل الخير أصل في الوجود أم الشر هو الأصل؟ والاحتمال الثاني: هل وجود الخير ووجود الشر وجود متساوي، وسيظلان موجودين بصورة دائمة؟ تحديد القضية أمر صعب جدا، لأنه حسب الواقع الفعلي ظل الخير موجود دائماً، كما ظل الشر موجود دائماً، ولم يتخلف أحدهما!! ولا يمكن معالجة القضية بصورة جذرية إلا بالرجوع إلى طبيعة الوجود.. فالوجود هو الذي يحدد للموجودات أصلها، ومصدرها، وطبيعتها، وكل ما يتعلق بها.. ومن أجل ذلك المعرفة الأساسية للوجود هي المفتاح الوحيد لكل معرفة حقيقية.. وصحة أي معرفة، أو خطأ هذه المعرفة، أمر يتوقف بصورة كلية على صحة معرفتنا لطبيعة الوجود أو خطأ هذه المعرفة.. من أجل ذلك لا يمكن أن يكون هنالك حوار موضوعي لأي قضية من القضايا الأساسية إلا إذا رُدَّ الأمر إلى تصور طبيعة الوجود.. جاء من كتابنا (الوجود بين الإسلام والحضارة الغربية) ما نصه: (على أنّ ما نحب أن نؤكده، هنا، هو أن صحة أي مذهبية أو خطأها، ينبنيان على نظرتها المبدئية للوجود، وطبيعته.. وهذا هو المجال الذي يظهر فيه الفرق الشاسع جداً، بين تصور الإسلام، وتصور الحضارة الغربية لكل القضايا الأساسية، خصوصاً، تصور: الوجود، والإنسان، والحياة، والفكر، والحرية، والأخلاق، فلا يمكن مناقشة أي قضية من هذه القضايا الأساسية، نقاشاً مجدياً، دون ردها إلى أصلها في الوجود، بما يحدد طبيعتها الأصلية، وموقعها من الوجود، والحقيقة التي يقوم عليها هذا الوجود.. ودون هذا المستوى، يكون تحديد المفاهيم، بالنسبة لهذه القضايا، وغيرها، أمراً مبهماً، ولا يقوم على أرض ثابتة، وإنما يخضع للمتغيرات الزمانية المكانية.. مثلاً، لا يمكن الحديث عن الطبيعة الإنسانية، دون ردها إلى أصل وجودي ثابت، وإذا تحدثنا عنها دون ذلك، نكون قد تحدثنا عن الإنسان في حقبة تاريخية معينة، وهذا لا يعطينا المعرفة بما هو ثابت وأصيل في الطبيعة الإنسانية، وما هو طاريء، ومتغير، منها..
فالجميع يسلّم بأن الكون الحادث في حركة وتغيّر دائبين، وبناء على هذه الحقيقة لا يمكن تحديد المفاهيم بصورة أساسية لا نخضع للتغيير وإنما تجعل التغيير نفسه في إطارها إلا إذا استطعنا أن نرد المتغيرات في الكون، إلى ثابت وجودي تأخذ منه دلالاتها، في إطار المفهوم الأساسي، بالصورة التي يمكن معها تحديد ما هو ثابت، وأصيل فيها، وما هو متغيّر، منها.
هنالك اختلاف جذري، بين أن يكون الوجود في جوهره، وجوداً واحداً، والحقيقة فيه واحدة، وبين أن يكون الوجود متعدداً، وليس فيه أي ثابت وجودي، وبالتالي ليس فيه حقيقة واحدة ثابتة.. وهذا الاختلاف بين التصورين، هو الاختلاف الأساسي بين الإسلام والحضارة الغربية، وجميع الاختلافات الأخرى تتبع.. فإذا قلنا: إنسان أو حياة أو حرية..الخ، ونحن نتحدث من منطلق إسلامي، فإن هذه القضايا، ليس لها نفس المفاهيم التي تعطيها لها الحضارة الغربية.. وليس الاختلاف اختلافاً محدوداً وهيناً، وإنما هو اختلاف جوهري، وواسع جداً..هذا الذي ذكرناه، يصلح أساساً متيناً لقضية الخير والشر.. فمن المستحيل طالما أن الكون الحادث متغير، أن نحدد أيهما الأصل الخير أم الشر، لأن وجودهما في الكون المتغير، وجود لا يعطي إمكانية المفاضلة بينهما، بتحديد أيهما أصل: الخير أم الشر، لا بد من الثابت الوجودي الواضح، الذي ترد إليه جميع الأشياء، ويحدد ما هو أصيل وثابت، وما هو طاريء ومتغير.
يتبع
رفاعة
طرح جميل٬ ولكن السؤال ماذا سيحرث لو تاب بليس اليوم٬ هل هذا معناه ان الشر كله سيختفي٬ ويختلف اتجاه البشريه كله او ان٬ البشريه قائمه علي جدليه الوجود بين الخير والشر والطعام والمعصيه والتوبه، المجتمعات الانسانيه تكونت من عصيان ابليس بمشيئه االه٬ وذلك جزء من التكوين( فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)، هذا يعني ان معصيه ابليس كانت بالضروره لكي ينشاء النقيض، ويتكون جدل المعصيه والتوبه، الانسانيه قائمه علي الجدليه بين التوبه والمعصيه
طرح جميل٬ ولكن السؤال ماذا سيحدث لو تاب بليس اليوم٬ هل هذا معناه ان الشر كله سيختفي٬ ويختلف اتجاه البشريه كله او ان٬ البشريه قائمه علي جدليه الوجود بين الخير والشر والطعام والمعصيه والتوبه، المجتمعات الانسانيه تكونت من عصيان ابليس بمشيئه االه٬ وذلك جزء من التكوين( فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)، هذا يعني ان معصيه ابليس كانت بالضروره لكي ينشاء النقيض، ويتكون جدل المعصيه والتوبه، الانسانيه قائمه علي الجدليه بين التوبه والمعصيه
(هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ) البقرة 210
وهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(النحل – 33)
و(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) الأنعام
هذه الآيات ومثيلاتها والآية الأولى التي استهل بها الكاتب مقاله عن الخير والشر متعلقة بعدم الإيمان والتكذيب بعد إقامة الحجة ولا علاقة لها بالخير والشر. والمقصود بأتيان أو مجئ الله (أمره) كما ورد في آية النحل بدون إضافة (الله، أي أمر الله، الأمر مضاف والله مضاف إليه، حيث حذف المضاف) وبذلك يُفَسَّر كل فعل ينسب أو يضاف إلى إسم الجلالة بالمعنى المناسب للسياق مثل ينزل إلى، أي تنزل رحمته، وجاء ربك ويأتي الله أي يأتي أمره أو تأتي آياته كما في آية سورة الأنعام أعلاه. أما أتيان آيات ربك أو بعض آيات ربك فإضافة الآيات إلى الرب صريحة ولا اشكال في أتبانها وينحصر الأمر في تأويلها فمجرد تفسير اللغوي بأنها علامات لا يكفي فأولوها بعلامات الساعة كلها أو بعضها. أما تأويل أتيان ربك وحصره بيوم القيامة أو أتيان الملائكة بحصره عند الموت، فالأول تأويل الجسمية التي تحتم عليهم القول بمجيئه في الدنيا مثل ما قالوا بنزوله وصعوده في السماء، ولكنهم في هذه قاسوا بآيات الآخِرة (وجاء ربك والملك صفا صفا) 22 الفجر وكان هذا مخرجاً لهم. أما الجمهوريون فلا إشكال عندهم لأن ثنائية المعنى القريب والبعيد جاهزة عندهم فهم يقسمون الله أو الرب إلى الله والرب الإسم والله والرب الذات، فينسبون الحركة والفعل للإسم والمشيئة والإرادة للذات – وعندنا أن الله واحد ذاتاً واسماً وهو غني عن الحركة إذا لايحيط به شئ يتحرك إليه أو داخله، وأن التجسيم ظلم وشرك أشد من الكفر لإيمانهم بإله غير الله حسب ما يتصورون ويصفون تعالى عن ذلك التصور القاصر علواً كبيراً.
فآية البقرة التي استهل بها، فيها يخاطب الله المكذبين المستمرين في التكذيب بعد الحجة – ويقول هل ينتظرون بعد بيان الحجة وإقامة الدليل على إرساله الرسل إلا أن يأتيهم العذاب الذي طلبوه مصداقاً لوعيد الله به وتصديقاً لرسله، كقولهم (فأتنا بما وعدتنا إن كنت من الصادقين) الأحقاف 22 أي هل ينتظرون الله أن يأمر بإرسال العذاب مصحوبا بغمام أو ملائكة أو ريح وخلافها من جنوده التي لا يعلم عددها إلا هو. فالآية متعلقة بتكذيب الرسل وليس بوجود الخير والشر ولا حتى في المعنى البعيد إن وجد!
تصحيح:
(هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ) البقرة 210 وهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(النحل – 33) و(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) الأنعام هذه الآيات ومثيلاتها والآية الأولى التي استهل بها الكاتب مقاله عن الخير والشر متعلقة بعدم الإيمان والتكذيب بعد إقامة الحجة ولا علاقة لها بالخير والشر. والمقصود بأتيان أو مجيء الله (أمره) كما ورد في آية النحل بدون إضافة (الله، أي أمر الله، الأمر مضاف والله مضاف إليه، حيث حذف المضاف) وبذلك يُفَسَّر كل فعل ينسب أو يضاف إلى اسم الجلالة بالمعنى المناسب للسياق مثل ينزل إلى، أي تنزل رحمته، وجاء ربك ويأتي الله أي يأتي أمره أو تأتي آياته كما في آية سورة الأنعام أعلاه. أما أتيان آيات ربك أو بعض آيات ربك فإضافة الآيات إلى الرب صريحة ولا إشكال في أتبانها وينحصر الأمر في تأويلها، فالتفسير اللغوي وحده بأن الآيات تعني العلامات لا يكفي فأولوها بعلامات الساعة كلها أو بعضها. أما تأويل أتيان ربك وحصره بيوم القيامة أو أتيان الملائكة بحصره عند الموت، فالأول تأويل الجسمية التي تحتم عليهم القول بمجيئه في الدنيا مثل ما قالوا بنزوله وصعوده في السماء وجلوسه على الكرسي، ولكنهم في هذه قاسوا على آيات الآخِرة (وجاء ربك والملك صفا صفا) 22 الفجر، وكان هذا مخرجاً لهم. أما الجمهوريون فلا إشكال عندهم لأن ثنائية المعنى القريب والبعيد جاهزة عندهم فهم يقسمون الله و الرب إلى الله والرب الاسم والله والرب الذات، فينسبون الحركة والفعل للاسم والمشيئة والإرادة للذات – وعندنا أن الله واحد ذاتاً واسماً وهو غني عن الحركة إذ لا يحيط به شئ يتحرك إليه أو داخله، وأن التجسيم ظلم وشرك أشد من الكفر لإيمانهم بإله غير الله حسب ما يتصورونه ويصفونه بهذه الحركة، تعالى عن هذا التصور القاصر علواً كبيراً. فآية البقرة التي استهل بها، فيها يخاطب الله المكذبين المستمرين في التكذيب بعد الحجة – ويقول هل ينتظرون بعد بيان الحجة وإقامة الدليل على إرساله الرسل إلا أن يأتيهم العذاب الذي طلبوه مصداقاً لوعيد الله به وتصديقاً لرسله، كقولهم (فأتنا بما وعدتنا إن كنت من الصادقين) الأحقاف 22 أي هل ينتظرون الله أن يأمر بإرسال العذاب مصحوبا بغمام أو ملائكة أو ريح وخلافها من جنوده التي لا يعلم عددها إلا هو. فالآية متعلقة بتكذيب الرسل وليس بوجود الخير والشر ولا حتى في المعنى البعيد إن وجد!
وأما آية سورة الأنعام فتفسر (ينظرون) بمعنى (ينتظرون)، بدليل آخرها (قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ). فإذا امتنع معنى مشاهدة مجيء الله في ظلل أو بدونها في هذه الآيات تنهار كل التأويلات التي تقول بإتيان الله أو الرب بذاته، ولزم معنى أتيان أمره أي عذابه أو جنده المأمورين بتنفيذه.