أم روابة… عروس النيم تركض على مضمار لقب العاصمة.. نبوءة إنجليزيه قديمة

أم روابة – محمد عبد الباقي

قبل مائة عام شرع الإنجليز وتحديداً في العام (1912) في نقل مركز المأمور الإنجليزي من منطقة التيارة في شمال كردفان إلى موقع جديد يمر به خط السكة حديد الذي كان قد أنشئ حديثا حينها، فأنشأوا مدينة أم روابة، وقتها كان الإنجليز يتوقعون مستقبلاً نضرا للمدينة التي شيدت على الطراز الحديث بتصاميم مستقبلية، إلا أن الحُلم الإنجليزي تبخر ضمن أحلام كثيره زرعها المستعمر بأمل أن تجمل قبح أفعاله الاستعمارية في عيون أحفاد من جرعهم مرارة ذل الاستعمار إذا تلاحقت الكتوف!!

انزوى حُلم الإنجليز لبعض الوقت ولكنه لم يندثر البتة، فها هي أم روابة تعود لسطح الأحداث بصيغة تجاوزت الأحلام القديمة بجعلها مدينة اقتصادية، فإذ باللجنة الفنية التابعة لمجلس الوزراء والمسؤولة عن إعداد دراسة لمقترح نقل العاصمة لمدينة خارج ولاية الخرطوم تضع أم روابة ضمن ثلاث مُدن أخرى بحسب “السياب عثمان” رئيس اللجنة اختيرت للغرض، وأكد رئيس اللجنة أن أم روابة تمتلك مقومات تجعلها تستحق أن تصبح عاصمة سياسية للسودان، وبهذا تتجه نبوءة الإنجليز للتحقق وإن كان هنالك فرق بين العاصمتين، لكنه ليس شاسعاً بين حلمهم بالعاصمة الاقتصادية وحلم السياب بالعاصمة السياسية.

المدينة الفاتنة

روايات متواترة تُبيّن أن الإنجليز عندما شرعوا في تشييد أهم مدينة في شرق كردفان الكبرى، جلبوا لهذا الغرض مهندسين من لبنان ومصر لوضع خارطتها العمرانية الأولى، فنهضت على سبعة طرق امتدت من الشرق إلى الغرب وقسمت المدينة نفسها لقسمين، فكان الجانب الشرقي منها يضم الأحياء السكنية والسوق والجزء الغربي يضم مكاتب الحكومة والمحكمة والبريد ومنازل موظفيها وبئر مياه الشرب، ولإثبات أهميتها كمركز تجاري مهم، عمد الإنجليز إلى جعلها خضراء تسُّر الناظرين، فتم زرع أشجار النيم على جوانب شوارعها التي تُعد من أميز شوارع المدن السودانية قاطبة، مما جعلها تفوز بلقب عروس النيم من كثرة تلك الأشجار التي زرعت داخل أحيائها وعددها لم يتجاوز الخمسة أحياء عند إنشائها، تفرع منها اليوم ما يربو على العشرين حياً ولا تزال تتناسل باطراد!!

احتضار الجمال

عند تشييدها في نحو عام 1912م، لم تكن مدينة أم روابة تختلف كثيراً عن مدن الريف الإنجليزي من فرط جمال تخطيطها، وتناسق بنيانها الذي تقول روايات غير مؤكدة إن المهندسين اللبنانيين جلبوا له الطوب من محارق سنار وأنقاض مملكتها البائدة، فصارت ذات جمال لا يقاوم، مما جعلها تنال شرف رئاسة الجزء الشرقي لولاية كردفان الكبرى حتى مدينة تندلتي على حدود النيل الأبيض، ومن ثم تحولت لمركز تجاري مهم بعد بمرور خط سكك حديد السودان، وإنشاء مركز سوق المحاصيل والثروة الحيوانية بها، ومنذ ذلك الحين بدأت في التوسع أفقياً ورأسياً، وفقا للخارطة العمرانية التي وضعها الإنجليز بانضباط كامل عرفوا به، فلم تظهر عليها أي بوادر للحياد عن رسمها الكروكي القديم، واستمرت لسنوات بهذا الانضباط إلى أن امتدت إليها يد التشويه مؤخراً، وأدخلت عليها من الإضافات ما جعلتها مسخاً يُوجب إعادة بنائها من الصفر لو تراجعت السنوات للعام 1912م الذي شهد ميلادها الإنجليزي.

نتف من أشياء متعددة

اختيار موقع المدينة الحالي لم يكن نتاج مجازفة العقل الإنجليزي حينها، ولكن جهات عديدة ومصادر تاريخية غير مدونة، تشير إلى أنه جاء وفقاً لمنطق دراسات مُتعددة أُجريت على منطقة شرق كردفان الكبرى بكاملها، فكان الموقع الذي يربط بين المناطق الطينية جنوباً والرملية شمالاً، وتمر به عدد من مصادر المياه كالأنهار الموسمية، أشهرها خور أبو حبل المنحدر من جبال النوبة بولاية جنوب كردفان، بجانب موقعها على الحوض النوبي الذي يمر بتشاد وليبيا ويُعد أكبر مصدر للمياه النقية في أفريقيا، هذا الموقع المتميز جعل خريطة المدينة الأولى تبدو ناصعة من التشوهات إلى وقت قريب، لكن نبوءة الذين أشرفوا على تخطيطها وبنائها قبل مائة عام وتوقعوا لها مستقبلا زاهرا لم ليحالفها الحظ، فجُرت نحو انحراف تخطيطي وعمراني كغيرها من المدن الأخرى حتى بلغت مبلغ أن تنشأ بها أسواق عبارة عن (نتف) من أشياء متعددة ما بين المواد المحلية وقليل من الزنك وكثير من (الزرائب) شيدت لتكون مخازن لمواد وسلع مختلفة

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. المفروض تكون الصورة المرفقة مع الخبر أفضل من كده
    انت تتحدث عن جمال المدينة وسميتها بمملكة النيم من كثرة النيم الموجود بشوارعها علي الاقل كان الصورة المرفقة مع المقال تكون من تلك الشوارع التي ذكرتها

  2. فعلا فاتنة وجملوا ليكم احسن من العاصمة,, هامش قال,, الهوامش فى الشرق والوسط والشمال

  3. أم روابة هي عروس الرمال بحق أو عروس السودان دون منازع.. وأحسب أنها كالفتاة الفاتنة الواعية والمعتدة بجمالها دون حاجة لتبرج أو ما اليه.. وطبع دون حاجة لتهريج أو إطناب.. خلونا في حالنا وأقعدوا في حالكم وعاصمتكم الحالية.. ومبراكة عليكم.. وانشالله تتهنوا فيها.

  4. كما في المقال تعد مدينة ام روابة من احسن مدن السودان تخطيطا هندسيا للشوارع والمرافق العامة ولكن ماان تمتد يد الكيزان لها حتي اصبحة متهالكة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..