البلاد ضاقت بأهلها.. فماذا أنتم فاعلون؟ا

البلاد ضاقت بأهلها.. فماذا أنتم فاعلون؟؟

إدريس حسن

٭ المشهد العام الآن في البلاد شبيه بالقصة القديمة التي يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل حتى ملوا تكرارها، وهى قصة أهل بيزنطة الذين كانوا يتجادلون في «أيهما أولاً.. البيضة أم الدجاجة».. والخطر محدق بهم من كل حدب وصوب. وهو ذات الحال الذي عليه أهل السودان الآن.. فمنذ الاستقلال وحتى هذه اللحظة كنا ومازلنا نتجادل عن صراع الحكم في السودان ومشكلاته المستعصية على الحل.. وما انفكت البلاد تقع في مصيبة وقبل ان تخرج منها تقع في مصيبة أخرى.. اصبح الشعب السوداني مسرحاً للتجريب.. يقامر فيه السياسيون والعسكريون ليجربوا حظهم في إدارة شؤون البلاد، وحكم هذا الشعب الصابر والواقع تحت ضغوط اقتصادية هائلة لا قدرة له عليها، بل أنها أرهقت كاهله ومزقت شمله وفرقت أسره وجعلت بعض أبنائه يعتقد أن العيش في اسرائيل افضل لهم من العيش في وطنهم.. كل هذا والمشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وليس في الافق ثمة أمل بحل قريب طالما أننا كأهل بيزنطة.. نتجادل في ما لا فائدة فيه لعموم المواطنين.
ولنأخذ على سبيل المثال الحرب التي تطاول مداها حتى أهلكت الحرث والنسل.. فبعد أن مهرنا توقيعنا بسلام ظنناه سيضع النهاية لها.. وفصلنا جزءاً عزيزاً من بلادنا من أجل ذلك السلام.. فإذا بالحرب تتجدد في أماكن أخرى ولأسباب شبيهة بذات السبب الأول.. وحدث ذلك بعد أن بترنا ثلث بلادنا قرباناً لذلك السلام الذي لم يدُم طويلاً.. وسعياً وراء استقرار لم نسعد به.. فاذا بنا نفقد ذلك الجزء من بلادنا ولم نحقق الاستقرار ولا استدام لنا السلام.. وفي أثناء ذلك طالما تحدثنا عن الصراع بين الشريكين والمماحكات السياسية بينهما التي عطلت مسيرة البلاد وعظمت أزمة الثقة بينهما.. وأخيراً بدأنا نتحدث عن أهل الحكم أنفسهم.. وعن صراعاتهم المستمرة وعن الاجنحة التي تتكتل ضد بعضها البعض.. والمأساة الاكبر أنهم في غمرة صراعاتهم وتكتلاتهم لا يأبهون لشعب ولا للضائقة المعيشية التي تضيق عليه الخناق وتمزق شمله وتفتت جمعه.
كل هذا الصراع يحدث في وقتٍ أصبحت فيه البلاد مهددة بحروب أهلية وربما غير أهلية، على مختلف الاتجاهات وشتى الجهات، وهذا يعني أنها ليست حرباً واحدة يمكن السيطرة عليها.. بل هى جبهات عديدة.. كل جبهة تستنزف مقدرات البلاد.. وتأتي معها بالتدخلات الدولية السافرة.. ومن المؤكد أن تلك الجهات الدولية التي تتدخل في شؤونا الداخلية لا تجد لها ذريعة للتدخل إلا عبر خلافاتنا وصراعاتنا.. فاصبحت كل جهة تستعين بالأجانب ضد أبناء وطنهم.. فأصبحت قضايا السودان ومشكلاته خارج سيطرة أبنائه، ويتحكم فيها الأجانب ويمررون عبرها أجندتهم ومخططاتهم.
وهذا الوضع المؤسف جعل العقلاء في النظام اخفت صوتاً واقل مقدرة على التحرك.. بينما صار المتطرفون هم الذين يسيطرون على مقاليد الأمور ويصبون دوماً الزيت على النار، ولعلنا جميعاً نتساءل: أين قضايا المواطنين في كل ذلك الصراع؟؟
٭ إن الغلاء كاد يفتك بالمجتمع ويمزقه إرباً إرباً.. رغم ان البلاد قد حصلت على أموال طائلة من تصدير النفط.. ولكن للأسف «مرة اخرى» جل تلك الاموال قد تم انفاقها على أشياء لا صلة لها بالتنمية مثل «الفلل الرئاسية ــ واليخت الرئاسي ــ والابراج الوزارية ــ الخ».. بل ان بعض الوزارات انفقت أموالاً ضخمة في بناء المقار الباهظة التكاليف، رغم أن تلك الوزارات لا تساهم في الميزانية العامة بقدرما انفقته في بناء مقارها تلك.. هذا بجانب الصرف البذخي والسفهي في استيراد ماء الشرب في بلد تجري في اراضيه عشرات الانهار بالاضافة الى نهر النيل ثاني اطول انهار العالم!! وكذلك استوردنا اللبن في بلد يملك ملايين الابقار، وايضاً اللبن والنبق الفارسي من الخارج بالعملة الصعبة.. وباختصار فقد كنا نصرف صرف من لا يخشى الفقر.. ولم نعتقد ان يوماً مثل هذا قد يأتي علينا.. وتغيب أموال البترول في غمضة عين عن الموازنة العامة.
إننا نكتب هذا الحديث في أحد المنعطفات التاريخية التي يمر بها الموطنون كل عام.. وهى بداية العام الدراسي، حيث تفتح المدارس أبوابها للطلاب، ويفتح الطلاب أفواههم لآبائهم ينتظرون منهم التحضير والتجهيز للعام الدراسي، وجيوب الآباء أفرغ من فؤاد ام موسى، وأسعار المستلزمات المدرسية أعلى من أن يشتريها الرجال الاغنياء.. دعك من مستوري لحال والفقراء، هذا بجانب الرسوم المدرسية التي أصبحت حدوتة يحكيها الوزراء لاولياء الامور، حيث يصدر الرئيس والوالي ووزير التربية قرارات بعدم دفع أية رسوم مدرسية، ومع ذلك يفرض مديرو مدارس الاساس والمدارس الثانوية رسوماً باهظة باسم مجلس الآباء او باسم تبرعات للإجلاس والكتب المدرسية، رغم ان الولايات تعهدت بإجلاس الطلاب ومدهم بالكتب المدرسية، ومن يرفض من الآباء دفع تلك الرسوم يجد ابنه في الشارع مطروداً، كما حدث لولي أحد التلاميذ حينما ذكَّر المدير بقرار وزير التعليم العام بعدم دفع الرسوم، فقال له المدير «خلاص أمشي للوزير خليهو يدرس ولدك في مدرستو». ان مثل هذه القصص تحدث في كل يوم، حيث يفقد أحد التلاميذ فرصته في التعليم بسبب الفقر وعدم المقدرة على دفع الرسوم المدرسية او رسوم مجلس الآباء أو حتى ثمن وجبة الافطار، مع أن الأمم تتعامل مع التعليم كأحد أهم الاستثمارات في المستقبل، حيث تدفع اليوم ما سوف تحصده غداً من جيل متعلم وواع يتسلم زمام القيادة والمبادرة في البلاد. وأيضاً يتعامل الآباء هنا بمثل هذه الروح، لكن الرسوم تقتل طموحهم في تعليم أبنائهم، وحتى لو تمكنوا من تعليمهم حتى اكملوا المرحلة الجامعية، فسوف يجدون العطالة تحيط بهم من كل جانب وتقتل طموحاتهم.. ولن يجدوا مهرباً من ضغوط الحياة سوى المخدرات التي تفشت بصورة وبائية، كما قالت بذلك بعض الجهات الرسمية.
ولا أشك لحظة في أن الانصرافية التي يتعامل بها المسؤولون مع قضايا المواطنين التي افقرتهم لدرجة العوز في خلال الفترة السابقة، سوف تستمر خلال الفترة القادمة.. وسيكون حصادها مراً على الوطن والمواطنين، لأنه ما من مؤشر ينبئنا بأن الوضع سوف يستقيم.. وهذا هو ما يدفعنا إلى الكتابة والتنبيه لمثل هذه الانصرافية وهذا التجاهل من قبل الحكومة للقضايا الخدمية والحيوية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة المواطنين ومعاشهم.
وأخيراً فإننا نقول وبكل وضوح، إن بلادنا تواجه أوضاعاً شديدة الصعوبة، ولا بد للقائمين على الأمر من خطوات جريئة وحاسمة لتغيير الأوضاع الحالية وإصلاحها، وهو أمر ليس بالمستحيل إذا خلصت النوايا.

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..