مقالات سياسية

الدكتور طاهر إيلا.. جاء أم جِيء به؟

عثمان ميرغني
قبل أيام، بالتحديد في اليوم الأول من هذا الشهر أكتوبر 2022، ثارت ضجة كبرى في أثير السودان الجماهيري، عاد الدكتور محمد طاهر إيلا إلى السودان، الرجل الذي شغل منصب رئيس الوزراء في آخر حكومة للنظام السابق وسقطت حكومته مع سقوط نظام البشير.

لم تكن مجرد عودة هادئة لا تثير الغبار السياسي، بل كانت مخططة ومعلنة ومصاحبة بطبول الإعلام لجذب الجماهير للاستقبال، وظل السودانيون يتابعون لحظة بلحظة تحرك الدكتور إيلا من مطار القاهرة إلى داخل الطائرة ثم لحظة نزولها في المدرج إلى لحظة اللقاء الجماهيري الأول في المطار ومراسم الاستقبال الحاشد وتحية الجمهور من سطح سيارة مكشوفة بينما سيارات الشرطة الرسمية تفسح الطريق.

دهشة الكثيرين مصدرها أن رئيس الوزراء للنظام المطاح به ربما يكون مطلوبًا للعدالة، ولهذا استعصم طويلًا بالمهجر الاختياري في مصر ليكون بعيدًا عن يد الحكومة الانتقالية التي ترأسها الدكتور عبد الله حمدوك، وأن عودته بهذه الصورة الباذخة لا تعني مجرد غض البصر عن إجراءات قضائية بل ربما فتح صفحة جديدة قديمة، وتدشين لعودة النظام القديم رسميًا وعلى رؤوس الأشهاد.

وفي ظل الفراغ الدستوري والسياسي والتنفيذي الكائن منذ عام كامل وما أنتجه من الضغط الاقتصادي المباشر على المواطن، بات كثيرون غير آبهين مشغلين بأنفسهم عما يجري.

ومع هذا يظل السؤال الحقيقي لماذا عاد إيلا؟ ولماذا الآن؟ وما الخطوة المقبلة؟

رئيس الوزراء السابق خرج من البلاد بإجراءات سفر عادية، وبعد عدة شهور من الإطاحة بالنظام السابق، وظل حتى آخر لحظة قبل مغادرته البلاد يمارس حياته العادية في بيته بلا حراسة ولا مطالبة رسمية بالقبض عليه، رغم أن كثيرين وربما من الصف الثالث في النظام السابق احتوتهم جدران السجون من الساعات أو الأيام الأولى بعد سقوط النظام.

بل وحتى على المستوى الجماهيري، لم تظهر مطالبات بالقبض عليه، ربما لأنه لم يقترن في الذاكرة الشعبية بالنشاط السياسي لحزب المؤتمر الوطني المحلول، بل تركزت صورته العامة على العمل التنفيذي المرتبط بالتنمية والمشاريع ذات الرنين والصيت الجماهيري، مثل تشييد الطرق والمنشآت الخدمية كالمستشفيات، والمدارس، والملاعب، والحدائق، وغيرها.

وحتى بعد عودته المدوية لم يكن الصوت الاحتجاجي صارخًا في المركز بينما خلا تمامًا في ولاية البحر الأحمر وصدرت بيانات -منسوبة- لبعض لجان المقاومة ببورتسودان ترحب برجوعه.

للإجابة عن السؤال لماذا عاد، فإن أقوى حيثيات جاءت في سياق الخطاب الجماهيري الذي ألقاه بعد يومين فقط من عودته الداوية بمسقط رأسه بمدينة “سنكات” في ولاية البحر الأحمر، اختار أن يخاطب الجماهير الضخمة التي احتشدت لتحيته بخطبتين، واحدة باللغة العربية والثانية باللهجة المحلية السائدة في المنطقة.

حمل الخطابان مفهومين متناقضين تمامًا، باللغة العربية تحدث بمعانٍ قومية عن وحدة البلاد وقضاياها المركزية الشاملة، أما باللهجة المحلية فأوغل في خطاب عنصري ضيق بكثير من الإثارة والتحشيد المناطقي.

وبحسب الترجمة شبه الرسمية لخطابه القبلي، قال: “نريد حقنا في السلطة والثروة ..”، والضمير هنا يعود لقوميات بعينها لا سكان ولاية البحر الأحمر.

انتقل بعدها للتهديد الصريح “إذا حصلنا على ما نبتغي ضمن هذا السودان، فإن هذه غايتنا لأن جميع السودانيين إخوتنا..).

ويستمر ضمير المتكلم الجمعي يُشهر حالة انفراد عرقي فيقول “إن الموت من أجل أهلنا وأرضنا وحقوقنا شرف..).

واضح أن العائد من المنفي الاختياري درس الخريطة السياسية في السودان جيدًا وأدرك أن قضية شرق السودان ما عادت إقليمية محصورة في الولايات الثلاث التي يتكون منها الإقليم (ولايات القضارف، وكسلا، والبحر الأحمر)، فالموقع الجغرافي يجعل الشرق إذا استنشق غبارًا عطست له كل أقاليم السودان، فهو الواجهة البحرية الوحيدة التي تعبر بها تجارة السودان الخارجية.

الخطاب المناطقي الضيق قصد به الدكتور إيلا سحب البساط من مكونات سياسية أخرى نجحت خلال السنوات الثلاث الماضية في إنجاز أخطر انقسام قَبَلِي أسفر عن دماء كثيرة، خاصة عندما اجترحت مفاوضات الحركات المسلحة في مدينة جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، فكرة المسارات ومنحت الشرق مسارًا كان مثار انقسام حاد بين القوميات الشرقية.

الاستقطاب الحاد في شرق السودان خلال الفترة الماضية لم يكن قبليًا فحسب، بل أفرز تحالفات جديدة نشأت متداخلة عابرة للقبائل لتحولها إلى ما يشبه الأحزاب السياسية، ويصبح السادة النظار والعمد والمشايخ ساسة يرتدون جلباب الإدارة الأهلية.

وبلغ الأمر ذروته عندما بدأ اللعب على وتر تقرير المصير وربما عند بعض الأصوات الأكثر حدة وصل مرحلة المطالبة بالانفصال عن السودان، وكان واضحًا أن هذه اللعبة، وإن بدت واحدة من أدوات الضغط، لكنها قابلة للإفلات تمامًا لتتدحرج مثل كرة الثلج وتحول السودان برمته لدويلات غارقة في دماء حروبات مُركبة داخلية وبينية.

أكبر وأخطر عمل سياسي في شرق السودان، خلال السنوات الثلاث الماضية، كان إغلاق الإقليم لأكثر من 40 يومًا، تجمدت فيه صادرات وواردات السودان وأفلست كثير من الشركات وأدى لضربة موجعة لميناء بورتسودان بعد أن باتت الغالبية العظمى من السفن التجارية تتجنب مخاطره وتفضل استخدام ميناء “العين السخنة” بالجارة الشمالية مصر لتمرير التجارية الخارجية للسودان.

ظهور إيلا في شرق السودان سيكون مردوده الأول توحيد الإقليم، وهو لب خطابه باللهجة المحلية إذ طالب بالوحدة مرارًا واعتبرها خط الدفاع الأول عن مصالح أهل الإقليم.

ولكن يبقى السؤال الحتمي، بأجندة مَنْ يعتلي الدكتور إيلا قيادة الإقليم؟ هل لتوطيد أقدام النظام القديم للحصول على أفضل الشروط في أية تسوية سياسية قادمة أم فعلًا لصالح توفير حياة أفضل لقوميات الإقليم؟

الإجابة عن هذا السؤال، هي نفسها الإجابة عن سؤال آخر: هل عاد إيلا أم أعيد؟ هل جاء أم جِيء به؟ وسيكون ذلك هو عنوان المرحلة المقبلة.

المصدر: إرم نيوز

‫13 تعليقات

  1. والكوز عثمان ميرغني جاء ام جئ به ؟؟؟
    كلنا يذكر ايام الوزارة الانتقالية عثمان ميرغني كان سمو فاير … كباية شاي لخموم الفلول … تغريدات مسعورة مستفزة ولقاءات اكثر استفزازا ؟؟ وما ان تم المراد وجاءت السلطة الانقلابية حتي سكت شهرزاد المنظمومة الخايسة وذهب فى سبات شتوي عميق ..

    والآن مع مرحلة اللعب علي المكشوف الجديدة وصلت التعليمات الجديدة … وتم شحن زمبرك الدمية الاعلامية الهلامية …. وبدأ الكوز فى البرطعة من جديد !!

    1. كوز ولا ما كوز
      ورينا الأخطاء في كلام الزول ده
      ويظل السؤال في بلد يتوالد ويتكاثر
      فيه الخونة كالذباب، ايلا ،جئ به ام جاء لوحده؟
      ولماذا أصبحت عورة البلد مكشوفة لكل من يهدد الأمن القومي؟
      لو حصل ذلك في مصر أو ارتريا وحتى تشاد، والله يشهو الضراط
      ولكننا في بلد العجائب السودان، بلد المدروشة بلا منازع

      1. هو في خائن اكثر من الكيزان المتخفين واشباه الكيزان حقيقة البلد مليانة كيزان مثل عثمان ميرغني مفتكر نفسه لابس طاقية التخفي ويضع السم في الدسم كل ما وجد الفرصة وعنده حيران يغنون له ليل نهار وكانه اكتشف الذرة

      2. انت جاوب على السؤال الكوز عثمان ميرغنى جاء ام جيئ به وهل عندما عاد إلى السودان تخرج صحفيا ام زراعى وهل أثناء دراسته كطالب فى مصر هل استطاع توفير مبلغ لإنشاء صحيفة وهل هو أحد كوادر التنظيم الحاكم ام لا.. يلا جاوب كدى ورينا الخونة منو

  2. للأسف أن أيلا لم يقدم شيئا لقومياته المعينة حتى أبان ولايته الا بالفتات الذى يلقيه لبعض المشايخ لضمان ولائهم .
    وهذا المنطق هو ما يسود الشرق ليس مع ايلا فقط ولكن كل نخبه المرتزقة , وهو ما رردناه سابقا بأن الشرق لايوجد فيه حراك مدنى , وأن ما يقود الامور هناك هو الاقتصاد .
    وهى بنية أسهمت فيها الحكومات السودانية كذلك و بصورة حثيثة لا يفهم مغزاها وأن كانت تعد من الخطورة بمكان التهديد القومى و الاستراتيجى , ليس على السودان فحسب , انما حتى على مواطنيه الذين قادتهم تلك النخب المرتزقة الى حدود المجاعة فى كل العهود المتعاقبة منذ الاستقلال .

  3. واللَّه إنك تجهل، أو تتجاهل عمداً، الكثير عن هذا الإيلا، وأولها أنه ليس بدكتور، ولا يحزنون !!!

    هل تعلم أين ذهبت مليارات إعمار الشرق بموجب إتفاقية أسمرا ؟؟؟

    هل تعلم عدد السفن التجارية، التي إستحوذ عليها من النقل البحري، علي أنها خردة (Scrap)، أيام الخصخصة، والتي لاتزال تمخر عباب البحار والمحيطات ؟؟؟

    هل تعلم أن أول قرار، أُكرر، أول قرار له كرئيس لمجلس الوزراء، هو إقالة مدير النقل البحري من منصبه ؟؟؟

    هل تعلم أنه كان يستقطع أموال ما أسميته “التنمية وتجميل المدن”، بواقع 10% من كل موظفي القطاع العام في ودمدني، ليسلمها إلي شركة إبنه، التي أوكل إليها “التجميل”، في وقت كانت مدني تضج من وطأة أزمات خانقة في الخبز والغاز والكهرباء والمحروقات ؟؟؟؟؟؟؟؟

    ألا تعلم، أنهم قاموا بإضرام النار في مكاتب فرعية لجنة إزالة التمكين في بورتسودان، عندما شعروا بدنو اللجنة من فساد إيلا وقريبه المدعو تِرك، ثم أعقب ذلك المطالبة بحل الحكومة، ثم إغلاق الميناء والطريق القومي، ثم حدس ما حدس ؟؟؟؟؟؟

    وهل يهرب، إلا الفاسدون ؟؟؟؟؟؟؟

    قال دكتور، قال !!!!

    1. وهل تعلم في عهد هذا اللص كان يتم دفع 500ريال سعودي وشرط بالعمله السعوديه لمدينة بورتسودان من كل سياره افراج مؤقت وانا كنت من الدافعين هذا الرقم من غير رسوم التربتك والتامين واللصوصيه الكان تفرض عليك في اي لحظه ومن اي حد

  4. من يتحدث بهيكلة الجيش فهو خائن وعميل ومن يريد فصل إقليم بحاله فهو حر لان له سند من الجيش والكيزان والجبهجيه الممحونيين المخانيس الحاسدين الملاعين لعنت الله عليهم دنيا وآخره برمجوهم المحتلين لحلايب وشلاتين للتمهيد لاحتلال أجزاء أخرى من البلد المغلوب على أمرها هاجرتو للقاهره عشان تتحصلو على شهادة عثمانه بليد وغبي واهبل وخول والاسوآ من ذلك اسود إخييييي اسود كما توصفكم العبقرية المصريه شاطرين في تجويع بعضكم وتصدير الباقي مرتزقه رخيصين للخليج و براطيش للمصريين وانفصال الجنوب وسبعين فصيل تمرد ومناجمكم يخطفوها المصريين حمرة عين يا براطيش المصاروه يا جهله يا اغبيا يشتغل ميناء العين السخنه و ميناء بورسودان لا تمشو تنقنقو في مصر ويستفيدو المصاروه من عثمانه يا قلاليط قال ترك قال طيرنا حمدوك وناس الخرتوم من الهكومه وهسه نجيب ايلا بالقوه. حمدوك أعظم شخصيه في الدنيا يا بصاق تمباك ليس الا

  5. درس ﻣﺤﻤﺪ ﻃﺎﻫﺮ ﺃﻳﻼ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ فى مدرسة بورتسودان الثانوية ﻓﻲ منتصف الستينات ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻳﻼ ضمن ﻣﺆﺳﺴﻲ اول اسرة كيزان بين طلاب ﺎﻟﻤﺪﺭﺳﺔ…
    وواصل محمد الطاهر “إليه” نشاطة فى صفوف “اصلب” العناصر الكيزانية فى كلية اقتصاد جامعة الخرطوم وبعد التخرج صار ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﻜﺘﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ لشوري اﻠﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ ﺍﻷﺣﻤﺮ … كما عمل في تلك الفترة فى هيئة الموانئ البحرية وتم ابتعاثه من هيئة الموانئ إلى بريطانيا – جامعة كارديف للحصول على درجة الماجستير .. يقال -العهدة علي المبعوثين- لم يكمل او يحصل علي اي درجة علمية فى كارديف – ويلز…
    وبالذات وهناك شكوك حول حصوله علي درجة الدكتوراة !!

    بعد انقلاب حبيسا ورئيسا قفز ايلا وصار مديرا لهيئة الموانئ البحرية!!
    وبقية القصة معروفة مناصب وفساد في فساد فى فساد !!

  6. وهل تعلم ان الرجل قد عاد واستقبله آلاف المؤيدين.. هناك ملعب للسياسة ينجح فيه المحترفين وليس الهواة وان التهبت حناجرهم بالصياح.

    1. آلاف المؤيدين هم نفس البؤساء الذين تحشيدهم لترك أيام إغلاق الشرق والميناء
      والمتضرر الأكبر هو إنسان الشرق
      لأن الميناء لم تقم له قائمة منذ ذلك اليوم

  7. انت يا عثمان ميرغني عليك الاجابة علي السؤال وليس نحن، في رأيك من الذي أتي به؟ قولها وريحنا هل تتذكر قولك عندما سألتك قناة الجزيرة واجبت بأن تعرف من هم الذين فضوا اعتصام القيادة العامة واين كانوا مجتمعين (في الغرفة)، نحن فاهمنك كويس يا ابوعفان وخليك من حركات الجيش.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..