مصر ليست السودان – لماذا فشل الإخوان هناك وبقوا ربع قرن هنا؟

ميز النظام الإخواني الذي حكم مصر في الأول من يونيو عام 2012 محاولاته الحثيثة في تغيير الشفرة التي حكمت بها مصر على مر العصور , حيث ضرب مرسي وجماعته بمفهوم الدولة القومية عرض الحائط , ونجم عن ذلك فشله الأول والأخير في أن يكون رئيسا لكل أهل مصر حيث وفر ذلك كل الوقود اللازم لثورة 30 يونيو التي خلعته من الحكم ووضعته قيد الإقامة الجبرية .
رفض نظام مرسي لمفهوم الدولة القومية التي تكونت منذ 7000 آلاف سنة والتي استوعبت كل تحولات المنطقة الثقافية منذ ما قبل هجرة موسى عليه السلام من مصر إلى أرض الميعاد ووصول السيد المسيح ودخول الإسلام جعلت مرسي وجماعته يهرولون من أجل تغيير هوية الدولة وتضليل اتجاهاتها والتشكيك في موروثاتها ومراحل تطورها باستعمال آليات التحريم الديني وما يصاحبها من التخويف بالعقاب الأبدي أو التلويح بعصا السلطة , ووضعهم ذلك الرفض في خانة نموذجية من خانات الصراع والمجابهة لكل ما هو مصري حتى ولو كان إسلاميا , فجابهوا الأزهر الشريف , وحاربوا المعتدلين من السلفيين , وحرضوا على قتل الشيعة في الجيزة , ووقف ضدهم حتى المتطرفين من آل الزمر الذي ساعدوا في قتل ( أنور السادات ) , وجابهوا القضاة والإعلام ورجال الأعمال والكنيسة والمزارعين والصناعيين , وهاجموا الرؤساء السابقين بدءا بجمال عبد الناصر , وحاولوا إثارة الصراعات الطائفية والدينية , وكانت الاشتباكات بين الطوائف متعددة ومخطط لها .
في محاولاتهم لإنهاء القومية المصرية وارتباطها بالتاريخ استعملوا عدة حيل درج على استعمالها ( اخوانجية ) السودان منها : الغموض في الإدارة حيث انعدمت المصارحة والشفافية تماما , وذلك لطبيعة الإخوان الاجتثاثية , واختيار البرامج السرية على العلنية , وانشغالهم بفكرة السيطرة على المجتمع وموارده تخفيا من المساءلة وتهربا من استحقاقات العمل الديمقراطي , وكان من نتائج ذلك التخفي فقدان الثقة عند قطاع كبير من الشعب المصري , وتقزم الدور الإقليمي , وازدياد البطالة, وانخفاض الدخل الوطني , وتقلص الاستثمارات الأجنبية , وانخفاض عدد السياح , واستعلموا خططا كأن يقول الرئيس شيئا و ينفذوا نقيضه , واستعملوا سياسات ( حافة الهاوية ) فتركوا كل شيء في مهب الريح , فصنعت الريح عاصفة اقتلعتهم , ومن ذلك أنهم تركوا ثوار 30 يونيو في ميادين مصر رغم إنذارات القوات المسلحة المصرية دون أن يقدموا حلولا دعك من تنازلات .
مصر دولة قديمة عرفت تقريبا بنفس حدودها , أما السودان فهو دولة حديثة كونها نفس الجيش المصري الذي أطاح بمرسي في عام 1821 وجعل عاصمتها الخرطوم وظل موجودا فيها أكثر من ستين عاما إلى أن اندلعت الثورة المهدية التي وجدت حكومة مركزية يمكن مقارعتها والنضال ضدها ووجدت حدودا وكان آخرها حدود دارفور التي سلمها الزبير باشا لحكومة الخرطوم , فالسودان بالمقارنة مع مصر لم يعرف دولة قومية , ولم يعرف جيشا موحدا إلا في فترات قليلة في زمن الإستعمار , وجاءت المهدية في بلد يبدو موحدا, ثم انهارت سريعا لسببين هما عدم وجود دولة سودانية سابقة تضم كل المكونات التي حكمتها ولعدم قوة السلطة المركزية التي حازت عليها بلا تقدم علمي وتطور أنواع السلاح , ولكن توفر كل هذا للجيش الإنجليزي الغازي الذي واصل عمل الجيش المصري في محاولات اقامة مركز ودولة قومية , ولما جاءت الإنقاذ وجدت دولة مفرغة من كل المعاني فبثت سمومها بسهولة , تلك السموم التي طورها الإخوان في مصر وعلى رأسهم حسن البنا وسيد قطب فنجحوا في السودان , بينما فشلوا ذاك الفشل البين في أرض الكنانة لأن التفكير الإخواني لا يناسب دولة قامت على الصوفية والإعتدال ولا يناسب دولة تجذرت فيها المفاهيم القومية وتركت تاريخا عريقا يجري في دماء الشعوب . ورغم نجاحهم الظاهري في السودان إلا أنهم مازالوا على هامش النسيج الإجتماعي وليسوا على وفاق ولا موعد مع المستقبل القريب .
هذه الثورات المتتابعة وخلع الرؤساء والملوك في مصر , وهذه الثورة في 30 يونيو , تفسر لنا كيف أقام المصريون الأهرامات . إن ( الجماعة ) فكرة مصرية قديمة و ليس فكرة إسلامية كما يتبادر دائما لنا , مثلها مثل كثير من الأفكار الفرعونية التي ظهرت مرة أخرى في الأدبيات الإسلامية , وتفسر لنا هذه الفكرة وهذا السلوك المصري الجماعي لماذا صمدت الملكيات الفرعونية آلاف السنين ؟ ولماذا استطاع الفرعون أن يكون إلها ؟ فالإله دائما ما يحتاج لشعب يؤمن به ويصلي إليه وينفذ مشيئة , وهذا بالضبط ما أعطاه المصريون منذ قديم الزمن لفراعنتهم , العمل الجماعي , وهذا هو عينه ما نفتقده في تاريخنا وممارساتنا .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. —-

    السودان ماهو الا تجمع قبلي ومناطقي عديم الهويه ساهمت الجغرافيه وقوه السلطه في تجميعها بهذا الشكل علي مر التاريخ فالسودان لم يعرف بحدوده الاستعماريه الحديثه الا نتيجه لقوه السلطه

    الوطنيه والمستعمره التركيه الانجليز او الحكم الثنائي–والوطنيه المهديه وحكم النخب السياسيه الطائفيه والمناطقيه العسكريه–لذلك لم تنصهر هذه الحاله الجغرافيه في هويه واحده او قوميه واحده–ساهمت الانقلابات العسكريه والحكومات الحزبيه الطائفيه في حاله من عدم الاستقرار والتخلف بهذا البلد المنكوب بساكنيه الا انه بالرغم تسامحه العجيب والفريد عجزت في الخروج من ضبابيه الهويه–فشيئا فشيئا يستعصي علي ساكنيه احداث تغير جزري يحفظ ما تبقي من تسامحه نحو هويه سودانيه قوميه الملامح اوتشظي مناطقي قبلي وحكومات فاشله وشعب مقعد—

  2. السبب بسيط اخوان مصر يحكمون شعب يسمى الشعب المصري ولهذا الشعب صفات يتميز بها بينما اخوان السودان يحكمون شعبا يسمى الشعب السوداني لا أصفه إلا كقطعان من الماشية تأكل وتشرب وتنام وتتناسل ولا تفعل شيئ غير ذلك .

  3. الواقع لايصدق تنظيرك (أن الاخوان نجحوا في السودان وفشلوا في أرض الكنانة) فمصر طيلة عمرها لم تحكم بالديمقراطية ولما فكرت في الديمقراطية فاز الإخوان في انتخابات حرة نزيهة شهد لهم بها الاعداء قبل الأصدقاء إذا كيف فازوا؟؟؟؟؟
    أما السودان فطيلة عمره القصير جرب الدمقراطية مرتين وفي كل مرة يأتي الأخوان في المؤخرة ولم يستطيعوا الوصول للحكم الا عبر الجيش أي بالدكتاتورية…فأسقطوا حكومة المهدي الشرعية..
    ولعلمك جماعة الإنقاذ ليس هم جماعة البنابل هم جماعة الترابي الذي استولى على أبناء البنا لنفسه بمسميات لحزبه كلنا نعلمها ابتداء من الجبهة القومية ……إلى السائحون حديثا
    أما اتباع البنا في السودان مازال حزبهم يسمى الاخوان المسلمون والكاتب يعرفهم جيدا فهم لم يصلوا الى سدنة الحكم..

  4. أسمح لي أن أصحح لك بعض النقاط :
    ** قلت أن السودان دولة حديثة أسسها الجيش المصري عام 1821 والأصح أن تقول أن السودان بحدوده الحالية هو دولة حديثة ، كماأن الجيش المصري لم يؤسس عاصمتها فالتاريخ الذي أوردته يعود إلى العصر التركي الذي بدأ بغزو محمد علي باشا للسودان . صحيح أن السودان الحديث إفتقد مركزية الدولة وهذه تعود لأسباب عديدة يصعب إيرادها جملة هنا ، لكن ربما يكون منها بعده الجغرافي عن المناطق التي كانت تصطرع فيها القوى المهيمنة على المنطقة في تلك الحقب التاريخية وبالتالي زهدها فيه مما جعل السكون يظلل مجتمعاته عبر العصور ، غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يكون السودان الحالي نبت شيطاني فالتاريخ يشهد بأن الممالك السودانية عبر العصور صنعت واحدة من أهم الحضارات الانسانية في جنوب الوادي بل ان هناك فرضية تمضي لابعد من ذلك . أتمنى أن اجد الفرصة للكتابة في هذا الموضوغ ، تحياتي ،،

  5. هنالك فرق بين نقد الذات وجلد الذات ومرمطة الذات في الوحل!!!!!!!علي كاتب المقال عدم التسرع ومتابعة الفيلم المصري للنهاية

  6. انتو بستاهلوا واحد ديكتاتورى يرمى كل واحد اما فى الفرن او المقصلة او الخلاطة.. ديمقراطية شنو بالله؟؟ الواحد فيكم لو اخد ليهو سفى تمباك ويرقد فى اى مكان

  7. مكث الإخوان المسلمين في السودان ربع قرن ..لأنه لا يوجد شعب قلبه حار!!!والسودان ورجال السودان وجيش السودان إنتهي بعد فشل يوليو 1971 وماأظن تاني السودان تقوم ليه قايمه!! 42 سنه كتيره..الفرج فقط عند رب العباد ..

  8. شنو الكلام العربي الكتير الركيك الماليهو معني

    اوريك باختصار لماذا فشل الإخوان هناك وبقوا ربع قرن هنا؟
    اولا الاخوان في مصر دمرو كل مؤسسات الدولة لا جيش لا شرطة لا مؤسسات مدنية
    مما سهل لهم حكم الدولة علي طريقتهم يعني دولة فاضية شعب في الشوارع ومكاتب فارغة فصار لهم مالم يصير لاخوان مصر
    اي باختصار كان لهم وقت كافي حتي يمكنو انفسهم وتمكنو في ارض السودان
    لا علاقة بما سردته من تاريخ مزيف وغير حقيقي
    شعب السودان اقدم بالتاريخ في الثورات ولكن هنالك ما يحول دون ثورة شعبيية كبيرة
    او تظاهرة مليونية كما في مصر وان اردت سردها لك اريد يوما كاملا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..