
اخبار السودان ليس فيها ما يسر على الاطلاق ونراقبها من غير شوق كما قال المتنبي مراقبه المشوق المستهام وهى تزيد المتشائمين احباطا وتشأؤما ولكنها على مرارتها ووقعها المؤلم تحفز الذين يؤمنون بأن انتصار الثورة لا يحدث بين عشية وضحاها ولكنه عمل دؤوب وشاق وسير فى دروب وعرة ومليئة بخيبات الأمل والاخفاقات وهذا ما عبر عنه أحد ايقونات ثورة ديسمبر المجيدة الشهيد عبدالعظيم حين قال قولته المشهورة :تعبنا ياصديقي ولكن لا يمكن الاستلقاء أثناء المعركة .
وفى أتون هذه المعركة ظهرت عناصر الرجال والنساء فمنهم من كان واقفا على الرصيف وركب الموجة وتولى منصبا هى او هو فى الأساس ليس مؤهل له فهولاء لم يتخلقو فى رحم الثورة ولم يعيشوا عسر وآلام مخاضها وصدق فيهم قول أهل السودان الحكماء ؛ المحرش ما بقاتل .
وهناك أيضا القادمون من بلاد بعيده بعد أن غادروا السودان لسنين طويلة افقدتم الصلة الوثيقة بالخبوب والطين وما يعانيه الإنسان السوداني من شظف العيش وسؤ الحال وهولاء ليتهم تولو بعض المناصب من باب إثراء التجربة ولكنهم شغلوا معظم المناصب العليا وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء الذى فارق السودان قبل انقلاب الإنقاذ المشؤوم ولذلك كانو كالخبراء الأجانب انظارهم موجهة نحو الخارج وحلولهم لمشاكل السودان مستوردة ولا تلامس المواقع المعاش وهذا من احد الأسباب التي ادت للفشل البين عشان كده قلمهم ما زال بلمهم .
هناك أيضا العسكر الذين كانو ضمن لجنة الإنقاذ الأمنية الذين تمكنوا بقدرة قادر أن يسيطروا على كل مفاصل السلطة ويعيدوننا إلى إنقاذ لا ينقصها إلا البشير وطاقمه ومما مكنهم من ذلك الضعف المريع والتواطؤ العجيب للشق المدنى فى كل هياكل السلطةا حيث أصبح بيدهم رئاسة معظم أن لم نقل كل شؤون الدولة أننا بكل بساطة نعيش نظام عسكري بغطاء مدنى. وهؤلاء اقحمو الجيش فيما هو ليس مؤهل له وادخلوه عنوة فى شؤون الحكم والسياسة ولذلك اطرب الحكم وتعثرت السياسة مصداقا لقول المتنبي الذي قال ؛
وضع الندى فى موضع السيف بالعلى مضر كوضع السيف فى موضع الندى.
وكما قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب:
قيمة كل امرئ فيما يحسنه
إذ كان المأمول من العسكر عند انحيازهم للثورة أن يقوموا بحمايتها وان يحافظوا على أمن الوطن وحماية حدوده ولكنهم اشتغلوا أيضا بالسياسة والاقتصاد وشوؤن الحكم وغير ذلك من أوجه الحياة المدنية وصاحب بالين كضاب لذلك لم يستتب الآمن ولا صلحت الحال فانهار الاقتصاد وانتشر الجوع والمرض والفق:ر ووتشهوت السياسة الخارجية من جديد بفعل سياسة المحاور وتردى الأمن إذ أصبح المواطن غير آمن على نفسه لا فى بيته أو او خارجه .
ان الجيش كسائر المهن الأخرى لا دخل له بالسياسة ولكن الانقلابات العسكرية والتى رزحنا تحتها لأكثر من خمسين عاما وغياب الحكم المدني هى التى أدت إلى تكريس هذا الخلل وهذه الانقلابات فى حد ذاتها يقوم بها صغار الضباط وهى تتعارض مع قوانين الجيش نفسه وانقلاب عليه ودولة المؤسسات نقوم على فصل السلطات.
اما دور الحرية والتغيير فحالها يغنى عن سؤالها وكانت اكبر خيبة أمل إذ نصبت نفسها وصية على الثورة وهمشت أصحاب المصلحة الحقيقية من الشباب والنساء الذين كانوا مشاعل الثورة ووقودها وقدموا كل التضحيات من أجل انتصارها .
وكذلك تجمع المهنيين الذى تنكب عن الطريق وفرقته الخلافات ايدى سبأ واحزابنا الله يطراها بالخير فهى إلى الان لم تعى الدرس ومازالت تجرى وراء المناصب والمحاصصات والكسب السريع ناسية الاهتمام ببنائها الديمقراطي لتبنى سودانا تسوده الديمقراطية والعدالة وحماية للسودان من انقلابات العسكر والتى هى من اول المتضررين منها .
وأما حركات النضال المسلح التى ناضلت ضد الإنقاذ والتى كنا نتوق لأن تكمل عقدنا المنثور تمت الناقصة وخيبت الرجاء حينما جاء ت بمساراتها المتعددة لتوقظ نار الجهوية والقبلية وكأنها تقاضت عن وتناست شعارات ثورة ديسمبر المجيدة والتى هى حرية سلام وعدالة ويا عنصرى ومغرورة كل البلد دارفور وأما طامتهم الكبرى فكانت هرولتهم لمصالحة مع من اجرم فى حق الشعب السوداني وتلطخت يده بدماء السودانيين وخاصة فى المناطق الذى حملو السلاح فيها لصد للفضائغ والانتهاكات التى ارتكبها وسكت عنها من يريدون من الشعب السوداني ان يتصالح معهم وما يؤخذ عليهم تعديلهم للوثيقة الدستورية ليفتحوا بابا اخرا لنقض العهود والذى كانوا يستنكرونه على عهود الحكم السابقة وبالذات نظام الإنقاذ المشؤوم وما تؤخذ علي معظمهم الا القلة أيضا أنهم لم يذهبوا إلى مناطق النزوح حيث يعيش المشردون والنازحين وآثروا أن يبقوا فى فنادق الخرطوم ذات الخمس نجوم حيث طاب المقام لهم فيها إلى أن طلب منهم اخلائها مع ظهور بند صرف جديد أطلق عليه اسم بدل مغادرة.
ان معظم النخب سواء أن كانت من الهامش أو ألمركز لاصلة عضويه تربطها بالقواعد التى أفرزتها وحياة المدينة أقرب إلى تطلعاتهم من بؤس وشقاء الريف والقرى النائية التى انجبتهم ولا يشذ عن ذلك إلا القليل
وهناك أيضا دول المحور التى تحالفت مع بعض المكونات مما كان له أثارا سالبة على مجمل الأوضاع فى الداخل والخارج كل هذه العوامل أدت إلى هذا الوضع المزرى والفشل المريع ومسؤولية ذلك تقع على عاتق الجميع وعلى عاتق السلطة بأكملها العسكري والمدني والحرية والتغيير إلى جانب حركات النضال المسلح
أن المتابع لما يجري فى السودان ويلاحظ الفرق بين من يملكون السلطة وغالبية الشعب المطحون الذين يعيشون حياة بؤس وشقاء وضنك يتساءل لماذا قامت ثورة ديسمبر المجيدة بكل عظمتها وشهدائها وتضحياتها الجسام ؟ وهل يعيش الذين يحكمون السودان فى كوكب آخر غير الذي يعيش فيه الغالبية من السودانيين الذين اصبحو اقرب الى الموت من الحياة ؟ أليس من المعقول والحال هكذا أن نصف حكام اليوم بما قاله الطيب صالح عن من سبقهم ونقول من اين اتى هؤلاء ؟.
وحتى عندما جاءت الاخبار السعيدة بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب نسوا أن ىنسبو ذلك إلى شهداء الثورة وشبابها وشاباتها الذين قدموا أعظم التضحيات بل حاول كل شق أن يستغل هذا الحدث لصالحه اعلاميا ظنا منهم أن ذلك سيصرف الأنظار عن الفشل الشامل فى كل مناحى الحياة .
ألا يتطلب هذا الوضع المأساوي ممن يتولون السلطة فى جانبها العسكري والمدني وحاضنتهم السياسية ليس فقط الاعتراف بالفشل كما فعلوا بل الذهاب الى النهايات المنطقية والالتزام الأخلاقي وترك مناصبهم لمن هو أكثر كفاءة لتحمل المسؤولية فى هذا الوقت الحرج ؟ وما هو دورنا جميعا فى هذا الانهيار وما العمل؟.
ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه
د.عبدالباسط عباس
[email protected]