لبس فاضح

سنواتنا في جامعة الخرطوم في منتصف التسعينات كانت ممتلئة على آخرها بالمعارك السياسية ضد الحكومة وكانت ميادين التعارك متعددة وكثيرة وكان أحد هذه الميادين هو ميدان الزي واللباس خاصة لبس الطالبات
السادة في عموم اليسار من شيوعيين وبعثيين، كانت تستهويهم مثل هذه المعارك بل ويتصيدونها ويستدرجون غرماءهم إلى ميادينها، وكان يكفي أن تتحول أي طالبة إلى رمز نضالي تهتف باسمه الجامعة كلها عندما يستوقفها الحرس الجامعي ويمنعها من الدخول بسبب ما ترتديه من ثياب، تحمل تلك الطالبة على الأعناق (مجازاً) ويرسم اسمها على جدران الجامعة وتتحول إلى أنشودة في النضال وانتزاع الحقوق حتى إن كان كل مدى علمها في هذا الحقل أن جيفارا هو محل لبيع الرصيد.
كل هذا كوم، مضت أيامها بخيرها وشرها وما كنت لأتوقف عندها لولا أنني قرأت في صحيفة المجهر خبراً صاعقاً مفاده أن عمادة الطلاب بجامعة قد أصدرت بياناً لطلابها من جنس الأولاد تناشدهم فيه بضرورة الالتزام بالزي المحتشم !! قلبت الصحيفة رأساً على عقب وعدت لمفردات الخبر ففتحت فمها وعددت أسنانها لأتأكد من صحة ما وجدت فزاد يقيني بأن الخير هو الذي وجدته أولاً (بيان يطالب الأولاد بضرورة الالتزام بالزي المحتشم) فاستغفرت ربي واسترجعت وتحوقلت فقد كان الزي غير المحتشم والفاضح لازمة تخص الإناث الطالبات وتساءلت بيني وبين نفسي كيف يرتدي (الولد) لبساً غير محتشم ؟؟ فوجدت الإجابة بين طيات البيان فهو يمنع الشبان من لبس التي شيرتات المسلوقة الأكمام أو تلك الطويلة الأكمام التي تشبه تي شيرتات الفتيات ثم إن البيان يمنع الأولاد من لبس الغوايش (أي والله).
ضحكت وأنا أتذكر تلك النكتة التي تقول إن شاباً استوقف إحدى الفتيات في الشارع وألح عليها أن تقترب من سيارته وتسلم على أمه وأبيه ففرحت البنت لظنها أن الشاب يريد أن يعرفها على والديه تمهيدًا لطلبها للزواج وعندما اقتربت وسلمت صاح الشاب في أبويه وهو يشير إلى البنت: (ايوااا ده نفس التي شيرت القلت ليكم اشتروا لي بس يكون لونو علي فوشي).
الصيحة
كأنك درست لوحدك في الجامعة ذاك الزمان….؟؟؟!!!
التسعينات كانت سنوات دموية….وكانت (الأسلمة والمشروع الحضاري)…والتعريب وإهدار مكتسبات الطلاب وحرياتهم الشخصية وإبتداع ما يسمى بالحرس الجامعى…و(شق) مداخل وبوابات الجامعة نصفين…نصف (للرجالة ) من أمثالك …ونصف آخر للطالبات غاية ما تم إبتداعه (من شرعنة وسمت وتديين)…وفي التسعينات التى ذكرتها لم يصدف أن (استوت) الجامعة بمناشطها…أو دارت بكل أو غالبية كلياتها…ولم يحدث أن دار أواستدار النشاط الطلابي بضجيجه وعنفوان حركته…أحكمت الحلكة والظلام والبؤس والإرهاب والاسوار سوح الجامعة….كان الزي والمظهر والملبس…وما يزال جزء أصيل (أقول جزءاً) من معارك الناس والطلاب….(لأن المتأسلمة وأذنابهم جعلوه قضية مباشرة!!)لم ينس اليسار بكل طوائفه مجمل القضايا الطالبية….(إستسخاف اليسار وقذفه بهذه الروح التهكمية)….يتجاوز إنصاف التاريخ…ويقدم قراءة مبتذلة لما قدمه ويظل يقدمه شبابه وشاباته في كل السوح الطلابية…..قدرت لي (الأقدار) أن أكون طالب علم في هذه المؤسسة-جامعة الخرطوم – في ذلك الزمان الاغبر… منذ 90___96…تخيل ست سنوات لأكمل كلية الآداب والتى كان يدرسنا فيها _للأسف _ (كيزان صغار السن حديثى التخرجوهم بعد في درجة البكالوريوس _ …بعيد المجزرة التى حدثت للأساتذة العظام في هذه الكلية العريقة والتى كانت مبتدأ الصراع وقيادته!!
كان اليسار بأطيافه المختلفة شجاعا ومقداماومثله باقي القوى الطلابية (طبعا ناقص المتأسلمة بكامل أطيافهم)…..نعم دافع عن حقوق الطلاب…ودافع عن حقوق الطالبات في إرتداء ما يليق …وهن ذوات لب وفهم وبنات أسر وقيم إجتماعية…أسألك بالله…هل حملت (ماجدولين أو غيرها من الطالبات) على الاعناق مجازا أو غير مجاز…أم أن القضية تم تناولها بإعتبارها تدخل من الحرس الجامعي وهو شأن لا يخصه…وإنصراف مقصود من إدارات الجامعة وعمداءها الداعشيين من قبائل المتأسلمة عن أداء دورهم الاساسي في حمايةالطلاب والطالبات من تغول مؤسسات دخيلة على البيئة الجامعية….!!
وقتها لم يكن (الموبايل و لاالرصيد) يا أستاذ حسن إسماعيل… جزء من ثقافة الناس… ولا مقتنياتهم الشخصية…!!!
كما أنني أفترض أن، من ينتمين إلى اليسار بوعيهن ، أو يمارسن العمل السياسي بإختيارهن…ويمتلكن القدرة على أن يدافعن عن إختياراتهن في الملبس…ويقاومن بدعة حرس المشروع الحضاري ل(إبراهيم أحمد عمر+حميدة + الترابي.)وفي ذلك الزمن القاسي والشرس.. أفترض في هذه الزميلة قدرا من الوعي بالتاريخ البدهى والأولي على الأقل…يمكنها من الإلمام بسيرة رمز هائل وجبار بل أيقونة عصر مثل أرنست ثشي جيفارا…سيما وهو إسم إرتبط _أيضاً_ بقارتنا السمراء .. إفريقيا…!!!
رأيي المتواضع والصريح…أفلست أيها الصحفي…..!!!
لم يحن الوقت للكتابة بتفصيل عن تلكم السنوات الحالكة والتى تضرجت فيها سوح الجامعة _والتى ماتزاال جريحة_ بدماء الشهداء والشهيدات وهم في أنضر سنوات العمر…ميعة الصبا وشرخ الشباب…يا لها من سنوات…ويا لها من تضحيات بصمت تاريخ جامعة الخرطوم وجللته بالفخار….االسخرية والإستسخاف والتهكم لا يليق بها على الإطلاق…!!!
بعد شويه نسمع عمادة طلاب كلية الشريعه في الجامعه الاسلاميه تمنع الاختلاط بين الذكور السمحين والذكور الشينين هههههههههه بلاد العجائب
أبدعت والله يا أبوعلي في هذاالمقال