مقالات سياسية

من يفتي؟

قبل 28 عاما كان الحج يتم بسهولة ويسر ولم نسمع يوما عن شكاوى ترد من الحجاج، بل كان برنامجا محاطا بقداسة تشبه مكانته، إلا في عهد هذه الحكومة التي أصبحت تتدخل في كل برنامج فتنقصه، وتشقي الناس به مهما كان جميلا، ولم تهن عليها حتى هذه الشعيرة، ورغم النقلة الكبيرة والتطور الذي حدث في كل الإجراءات المتعلقة به من التقديم حتى أداء الشعائر، جعل الحجاج في كل العالم يؤدون الشعيرة بمنتهى الراحة والأمان، إلا أنهم في السودان ما زالوا يعانون الأمرين؛ فقد جعلته الحكومة رحلة شقاء وعذاب، ولولا حب الناس زيارة الأراضي المقدسة لما صبر أحد عليها، الحكومة ممثلة في إدارة الحج والعمرة تفشل كل عام في تقديم خدمات بدرجة مقبول للحجيج، رغم أنها تتحصل على مبالغ يمكنها أن تجعل الحج أسهل من رحلة داخل الخرطوم، ورغم ذلك في كل عام هناك عمليات فساد وفوضى تتم في الإجراءات والتفويج والإقامة والرعاية الصحية والاعاشة ولا تنتهي إلا بعودة الحجيج، بل ومعها إذلال وإهانة كرامة.

في كل عام تغطي وسائل الإعلام السودانية رحلة الحجيج وكأنها تغطي أحداث حرب، ويظل المواطنون هنا في حالة خوف وقلق إلى أن يعود أهلهم، ففي كل عام هناك مشاكل تتكرر وتتطور حتى أصيب الناس بفوبيا من بعثة الحج الحكومية؛ فهي كثيرا ما تهمل الحجيج، ولا تهتم بهم بقدر الذي استأجروها به، ففي عام 2014 رفض الحجاج تناول الوجبات السيئة التي قدمتها لهم بعثة الحج، والتي تم تقليصها إلى وجبتين في اليوم حتى تكفل أطباء سودانيون مقيمون بتوفير وجبات بديلة، حتى قيل إن مسؤولا سعوديا استدعى المسؤول عن البعثة ووبخه، وقال له عيب عليكم، في العام 2015 اشتكى الحجاج من تردي الخدمات، وقالوا إن أعدادا كبيرة من حجاج الشرق والنيل الأزرق وكردفان ودارفور يوجدون في صالة واحدة، والوجبات سيئة، لا تتعدى عدس وبيضة واحدة، العام الماضي- أيضا- شكا الحجيج من الوجبات التي قالوا إنها هزيلة، هذا غير معاناة السكن والترحيل والسفر، هذه الأحداث من ذاكرة ثلاث سنوات فقط، وقبل ذلك حدث الكثير المشين الذي لا يسع له المجال، كلنا لدينا مآسٍ شخصية مع بعثة الحج وأمرائها، وها هي أحداث الحج هذا العام قد بدأت أخبارها ترد إلينا؛ فقد أصيب عدد من الحجاج القادمين بالبحر الأحمر إلى ميناء جدة بحالات تسمم- كما نقلت الصحف، وتم نقلهم إلى المستشفيات، ثم واصلوا رحلتهم بعد العلاج، ولن تستطيع البعثة أن تنكر أي حادث؛ لأنه سيكون موثق صورة وصوت.

نتيجة لفشل الحكومة في إدارة برنامج الحج الذي لم يحدث أن انتهى على خير ارتفعت الأصوات تنادي بضرورة خصخصته، وخروج الحكومة منه نهائيا، وقد صدر قرار بذلك في العام 2013 لكن ما زال حبيس الأدراج، فالفساد الذي تمكن من إدارة الحج والعمرة جعلها مملكة صعبة التفكيك، لكن السؤال الذي يفرض.. إلى متى سيظل هذا الحال؟، كل العالم يؤدي الشعيرة في منتهى الرفاهية، والسودانيون- وحدهم- من يؤدونها في منتهى الشقاء.

الحج هو الركن الخامس في الإسلام، ومربوط بالمقدرة والاستطاعة، وبما إن أداء مناسكه عبر الحكومة أصبح فيه خطورة على أموال المواطنين وأرواحهم وصحتهم، وتتم فيه عمليات فساد واسعة فهل يجوز تركه إلى حين أن ينصلح الحال من يفتي.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..