مقالات وآراء

الشفشفة: التفكيك العاقب لدولة الإنقاذ

عبد الله علي إبراهيم

ملخص

هذه الشفشفة ممارسة في هذه الحرب لم تستقل بتحرٍّ خاص فيها لمعرفة أوثق بنظام “الإنقاذ” الذي هو ليس أطول عهود الحكم في دولة 1956 إذا شئت فحسب، بل مكّن بنيات في الدولة والسياسة والثقافة ستبقى معنا لزمن طويل.

تكرر على فيديوهات مذاعة وقفة مجند في “الدعم السريع” أمام مشهد لجماعة من المدنيين ممن يسمونهم “المتفلتين” اعتقلها وفي حوزتها مسروقات من أسواق أو أحياء. ومع أن أخذ حق الناس مما لم يسلم منه منسوبو “الدعم السريع” أنفسهم إلا أن عبارة المجندين الذين ظهروا على تلك الفيديوهات ترن صادقة. وفي بعضها اشمئزاز يمثل الخلق الديني مما يرون يجري من نهب أمامهم وباسمهم. وهذا بغض النظر عن توظيف مثل هذه الفيديوهات بواسطة قيادة “الدعم السريع” لتبرئة ساحتها مما تسميه “الظواهر السلبية” التي التبست بهم جراء خسائس هؤلاء المتفلتين وخفة يدهم. بل أنشأت هذه القيادة إدارة باسم “محاربة الظواهر السلبية” لتطهر اسمها من فسوق هؤلاء المتفلتين.

وقف في فيديو أخير مجند دعامي على مشهد في سوق مدينة ود مدني التي احتلتها “الدعم السريع”، يقرع جمعاً من فقيرات النساء وأطفالهن وغيرهن على كسرهن لدكاكين السوق ونهبها. فقال وهو يمر عليهن وعلى منهوبهن بعدسة موبايله إن هؤلاء مواطنين استباحوا السوق وسيخرج من يقول إنه من عمل “الجاهزية”، وهو اسم آخر لـ”الدعم السريع”.

جاء مجند “الدعم السريع” بعبارة من شأنها أن نطالع منها صورة للحرب غير تلك التي اقتصرت على انتهاكات “الدعم السريع”. فقال المجند، وهو يطوف بجماعات المدنيين الناهبة، إن المواطنين هم أنفسهم “ظواهر سلبية” لا تتورع عن أخذ ما ليس حقها متى ما سنحت السانحة وأين.

جاء ذكر مثل هذه الظواهر السلبية في الأدب التاريخي الإسلامي. فعرفوا بـ”العياريين” ومفردها “عيار” وهو في اللغة الرجل كثير الحركة. وتمدح العرب به وتذم. فيقال رجل عيار في المعاصي كما يقال إنه عيار في طاعة الله. وجاء ذكرهم عند المقريزي “الزعار”. كما يسمونهم “الرعاع والأوباش والطرارين”. كما يسمونهم “الفتيان”. فظهر العيارون في بغداد بعد فتنة الأمين والمأمون (809) في شبه تنظيم عسكري ليتحولوا إلى عصابات. وسموهم “الشطار” أيضاً. ولأخذهم أموال الناس قيل عن شطارتهم إنها “شطارة فسق”. أما “الزعار” فظهروا بعد فتن أعقبت وفاة السلطان الظاهر برقوق (1399) في مصر ثار فيها أهل الريف تحت وطأة الضرائب وانتشرت عصابات النهب من “الزعار وقطاع الطرق”.

والأقرب إلى ظاهرة “زعار” السودان وعيارييه في يومنا الحداثي هذا هو مفهوم “فائض البشر” عن أهل المدينة الذين هم عند الاقتصاديين الكلاسيكيين منتج، أو بثور، بداية النظام الرأسمالي في بلد ما مرزؤ بالفقر والعطالة. وهم من جاء مالتس (1766-1834) بنظريته عن سبل الطبيعة في التخلص كفائض عن الحاجة.  أما ماركس فكان سيئ الظن بهم فسماهم الـ”بروليتاريا الرثة” ليميزهم عن طليعته الـ”بروليتاريا”، أو القاع الطبقي في معنى الرعاع، وجعلهم من أدوات الرجعية. وأعاد كلايد دبليو بارو المفهوم إلى دائرة البحث بكتابه “الطبقة الخطرة: البروليتاريا الرثة” (2020).

وهكذا فنحن حين نتكلم عن “المواطنين الظاهرة السلبية”، فإنما نتطرق إلى فئة اجتماعية حضرية ادخرت تظلمات من دولة استدبرتها لتنتهز سانحة سقوطها كما حدث لحكومة السودان على يد “الدعم السريع”، فأفرغت غبنها بيدها.

من أين جاء هؤلاء المواطنون ذوو السمعة السيئة؟

جاؤوا جسداً كنازحين من حروب السودان الأهلية في جنوب السودان وجبال النوبة ودارفور التي تفاقمت خلال فترة دولة الإنقاذ بمعدلات هندسية. وسكنوا عشوائياً حول المدن في الشمال بما عرف بـ”الحزام الأسود” الذي لم تتورع بعض الدوائر عن إرعاب الناس منه بما قد يتولد من عنف عنه. وكان ذلك دافع الحركة الإسلامية للتعاقد مع الأكاديمي عالم الاجتماع المسلم عبده ملقم سيمون لينصحها حتى في الثمانينيات حول تصميم استراتيجيتها للتعامل مع هذا الحزام. وقال سيمون إنهم لم يحسنوا الإصغاء إليه وأهملوه ثم تركوه، في كتاب مميز عن تجربته تلك بعنوان “في أي صورة؟ الإسلام السياسي والأنشطة الحضرية” (1994).

“باسم توبة الدولة إلى الدين”

وجاؤوا في رزقهم المقتر من دولة الإنقاذ التي أسقطت عنها كل تكليف من تكاليف الولاية على الناس. فحكمت باسم توبة الدولة إلى الدين، حكماً مطلقاً أساء إلى حس الناس بمواطنتهم. وألقت بهم في فيافي الاقتصاد الهامشي لينصرف طاقمها إلى أكل أموالهم بينهم بالباطل. وجرى وصف دولة الإنقاذيين بالفساد. وهو تهوين كثير من إفراطها فيه حتى انقلب إلى شيء آخر. فالفساد يقع كجريمة في بلد ماله العام في حفظ ولاية الدولة وصونها. فيطاول القانون من خرق القانون واستولى على مال بالحرام. ولم تكن “الإنقاذ” دولة لها ولاية على المال العام. فمكّنت منه الحاكم وبطانته بالتجنيب والشركات الحكومية وسبل أخرى مما سنرى. وربما لم يصح عليها حتى وصفها بمصطلح حديث هو “الفساد المتوحش”. فاستباحة المال العام على ذلك النحو شديد الإفراط جعل من الإنقاذ “دولة لصوص” kleptocracy في مصطلح علم السياسة الأفريقي. فهي ليست دولة فاسدة وكفى لأن الفساد فيها صار عاملاً من عوامل الإنتاج عن فكرة أذاعها الأكاديميان الواثق كمير وإبراهيم الكرسني في الثمانينيات سميا فيها الفساد في الدولة بـ”العامل الخامس للإنتاج” (الأرض والعمل ورأس المال وودبارة الاستثمار). وأرادا بذلك أن الفساد ليس مجرد اختلاس مال عام، بل عاملاً ينتج الثروة لطائفة من ولاة الأمر بقوة السلطة.

اندبندنت عربية

‫8 تعليقات

  1. الشفشفة كممارسة ليست وليدة هذه الحرب بيدان مليشيا العطاوة (الدعم السريع) وظفت الشفشفة كمنهج سلوكى وسط العطاوة ونوع من الرجوله والفحوله وثقافه مجتمعيه وسط العطاوة مثلها مثل انتهاك العروض وزنا المحارم ( حيث تحل قضايا انتهاك الشرف بواسطه الشيخ او العمدة بدفع أموال او خرفان وبقرات)………………………………………
    توظيف مليشيا العطاوة(الدعم السريع) للفيديوهات التي سردتها تكتيك من تكتيكات الحرب الفصائليه الحديثه حيث توظيف الصوره والفيديو والمعلومه عبر اعلام الناس -الاعلام الرقمى المتدوال في وسائط التواصل الاجتماعى……………………..
    وأسلوب نهج مليشيا العطاوة هو اكذب واكذب حتى يصدقك الناس تلازما مع حاله الانكار لجرائم ارتكبها بأنفسهم يقينيا….
    افراد مليشيا العطاوة(الدعم السريع) شفشافه ونهابه ويسرقون الثمين ويتركون الفتات( او مالا يعرفون قيمته) لناس هامش المدن الذين يعيشون في هامش الانسانيه السودانيه ,,,,,,,,,,,,,,,,,, وهم منتج طبيعى لسطوة المركز النيلى الاسلاموعروبى الذى يحتكر السلطه والثروة والاعتبار والوظائف والاراضى والمساكن الاستراتجيه عبر قانون الاراضى المختل تاريخيا ….
    يسرق ناس هامش المدن المتاح الذى تفضلت به مليشيا العطاوة عليهم مثل الكلب او المتشرد يقتاد من الكرته —–
    (جاؤوا جسداً كنازحين من حروب السودان الأهلية في جنوب السودان وجبال النوبة ودارفور التي تفاقمت خلال فترة دولة الإنقاذ بمعدلات هندسية. وسكنوا عشوائياً حول المدن في الشمال بما عرف بـ”الحزام الأسود” )____________
    اى نعم جاءو نازحين بسب حروب الاباده التي ضخمتها المنظومه الكيزانيه المعروفه بثوره الإنقاذ وحولتها الى حرب دينيه وتصفيه عرقيه للنعنصر الزنجى ———-هؤلاء النازحين افترشو الأرض لحافا والسماء غطاءا , ولم يقدم لهم المركزالاسلاموعروبى ولاذره خدمه انسانيه ولا بدافع التزييف الدينى المشاع وسط ادعياء الدين والتدين , فعاشو قسوة حياة العاصمه المثلثه المركزيه بل رحمه ولا تعاطف , بل ينظر لهم كقذاره شوهت منظر العاصمه وشوهت الحياة الاجتماعيه الغردونييه ويجعلو النازحين عماله رخيصه مهانه ———
    اما فساد حكومه الكيزان فهذا معروف للجميع بنيويا , حيث نظام حكم الاسلامويين يؤسس على تمكين حزبى يمارس الفساد والافساد ————وفساد الكيزان مادى وغير مادى تمادى الى الاخلاق وانتهاك العروض واستغلال النساء الجميلات الشابات , ولم تسلم مؤسسات الدوله والمؤسسات التعليميه حيث المكاتب المغلقه ولم تسلم المساجد من الفساد الاخلاقى وثقافه الغلمان ……………………………………..
    ولكن هل تاريخيا ان الفساد في السودان صنعه الكيزان؟؟؟؟؟ الاجابه لا ———الفساد ثقافه غردونيه ممتده منذ 1956 وكرسها غياب بناء الدوله وغياب منظومه القانون ———-فقبل ولووج الكيزان للسلطه كان هناك فساد متاصل ::::::: الم تخطف بنت تلميذه جميله من وسط الخرطوم بواسطه أدوات احتكار العنف الشرعى لمصلحه قعدة وزراء +الم تنهب اراضى السودان وعملوها الغردونيين والافنديه مزارع للقعدات والليالى الحمراء !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    كان كل العشم في الأمير حميتى ان يصنع سودان جديد وينهى التهميش ولكنه هلك وضاعت الامال ام ان الامو تفللت من بين يديه ————————————————-بعد حرب العطاوة , ستبداء حرب هامش المدن لاحقا

  2. لقد كان التعليم الحكومي مجانا وكانت المنافسة عليه شريفة حتى دخول الجامعات الحكومية ولقد كان اجدر لهولاء النازحين ادخال ابناءهم في المدارس الموجودة في مناطقهم ليدخلو ا المنافسة عبر التعليم حتى المنافسة عبر التعليم ان لم تكن متاحة فالهجرة بعد التعليم كانت متاحة وقد هاجر جل ابناء المناطق النيلية بعد تعلمهم في السودان من بلاد المهجر في الخليج واوربا وامريكا وخلافها لكسب لقمة عيش كريم ( اكبر مستفيد من ثورة تعليم الانقاذ هم اهل دارفور واكبر مستفيد من وظائف الانقاذ السياسية هم اهل دارفور ليس هذا دفاعا عن الانقاذ التي كان لها طوام عظام من تفجير حروب هناء وهناك باستعداء العالم الخارجي … ولكن لم يكن هناك افقار او اذلال متعمد لفئة معينة ضد مجموعات عرقية بعينها بهذه الصورة الصارخة التي يصورها المقال كل ما في الامر انه صراع سياسي وقد يدخل فيه البعد الجهوي والقبلي لصالح الصراع السياسي نفسه وليس لامر غبائن عرقية وليس في الامر مظالم تاريخية فظيعة تستدعي كل هذا الحقد الموجود في هذه الحرب …. التي الذي ظهر في هذه الحرب سوف يحمل الضحايا الابرياء لا سيما في وسط السودان ( الجزيرة سنار – النيل الابيض ) على اخذ كان الحيطة والحذر في المستقبل حتى لاتتكرر هذه المساة مرة اخرى … هذه الحرب فيصل بين تاريخ السودان السابق ومستقبل السودان القادم ان شاء الله لمجموعات سكانية كبيرة ……….

  3. المدعو الما صادق والما شريف تصف العطاوة اسيادك بهذا الكذب والهراء والله إنك تافه وحقير.

    1. هههههههههههههههه بدل النبذ دا قول ياتو نقطه ما حقيقيه ————–ومتين العطاوة بقو اسياد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
      وضح اى نقطه ماصحبحه وكذب على العطاوة عشان استدل لك من كجيرا والفوله والخرسانه والميرم وغيرها ——————–
      كيف يكرم الضيف اعندكم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ود الضيف ههههههههههههههههههههههههههههههههههه

      1. والله مافي ود ضيف غيرك يا لقيط يا بقايا حملات الدفتردار والارناؤوط والشركس والانجليز وحقيقة نوعك دا حتي ابوه ما بكون معروف لكثرة الطراق وفرية اكرام الضيف التي يحاول السفهاء امثالك الصاقها بأهل الغرب، هي صفة ملازمه لكم وحتي اليوم نوعك دا بكون عايش من عرق اخته وزوجته وخاتي سفتو عامل فيها راجل.
        انا اتمني تبقي راجل وامشي اي حته في الغرب قول ليهم انا ضيف اكرموني بي بناتكم وشوف البحصل عليك شنو والله لو بقيت محظوظ دمك ما ينقط في التراب يا النغل ود الفدادية.

  4. ((((ولم تكن “الإنقاذ” دولة لها ولاية على المال العام. فمكّنت منه الحاكم وبطانته بالتجنيب والشركات الحكومية وسبل أخرى مما سنرى. وربما لم يصح عليها حتى وصفها بمصطلح حديث هو “الفساد المتوحش”. فاستباحة المال العام على ذلك النحو شديد الإفراط جعل من الإنقاذ “دولة لصوص” kleptocracy في مصطلح علم السياسة )الأفريقي)))
    عبد الله يريد أن يتراجع عن علاقته بالكيزان
    عبد الله ختاه قرض مع الكيزان

  5. طبعا إشارات مقريزي ومنو وشنو دي كليشهات عبد الله حتى يقال عنه مثقف متبحر. طيب يا عبد الله ما لاقاك فقه الغنائم والسبي في الفقة الإسلامي؟ ولّا خايف تدخل صباعك في جحر العقارب؟ ما سألت نفسك منذ حرب الجنوب وجبال النوبة ثم دارفور منو الكان بيقول لي جنوده وللمواطنين المتحالفين مع الجيش الغنائم حلال والسبي حلال؟ هو التاريخ البتدرسه لمراهقين في مدرسة الأدب والعلوم ما علمك إنو ما تفصل ظاهرة تراها سيئة ويراها الناس سيئة عن سياقها الموضوعي! هل فكرت كيف يفكر الجنجويدي المتفلت وعلى أي وازع ديني أو غيره يعتمد حين يرتكب الشفشفة ؟ ولّا خايف برضو! ما هو يا تحلل السلوك بما يؤطره المجتمع وثقافته ولا تبقى بتمارس في تأمل مجرد من أي إحساس بما حولك! الشفشفة جريمة لا شك ولكنها كانت سلوك لجيش نظامي حكم منذ إستقلال السودان وتمت شرعنتها بثقافة الإسلاميين على مدى سني حكمهم. لن يجرؤ مثقفاتي شمالي أن يحلل جرائم السرقة (الغنائم) والإغتصاب (السبي) لأن تناول الموضوع سيؤدي بالمثقفاتي إلى جهنم في الدنيا قبل الآخرة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..