صلاح أخو فاطنة

د. الفاتح إبراهيم/ واشنطن
أجدني أفضل أن استخدم واستعير نفس العنوان المعبر الذي استخدمه الطيب صالح في رثاء صلاح احمد إبراهيم للعلاقة القوية التي ربطته به وبالمناضلة أخته فاطمة احمد ابراهيم .. أما أنا فآخر عهدي بصلاح على مائدة عشاء في دار الاديب والشاعر المعروف النور عثمان أبكر في الدوحة التي أقامها استقبالا لصلاح عندما وصل العاصمة القطرية الدوحة في مهمة دبلوماسية من قبل السفارة القطرية في العاصمة الفرنسية باريس .. والمعروف أن صلاحا عندما تفاقم خلافه مع نظام مايو والرئيس نميري استقال من منصبه كسفير للسودان في الجزائر في وقت يسيل له لعاب ضعفاء النفوس لتقلد مثل هذا المنصب الرفيع والتقرب من نظام القمع المايوي .. ولكن لم يكن صلاحا من هذه الطينة ولا ينبغي له ان يكون لما عرف به من نزاهة وإخلاص وحب للوطن وانسانه ..
عندها كان النور يعمل محررا في مجلة الدوحة التي أسسها الاديب والأستاذ الجامعي الدكتور محمد إبراهيم الشوش وكان الطيب صالح مديرا للإعلام أما انا فقد كنت أعمل في وكالة الأنباء الطرية ..
كنا في تلك الأمسية بالإضافة إلى المحتفى به صلاح والمضيف النور الصحفي والكاتب المثقف الموهوب عبد الواحد كمبال وشخصي الضعيف ..
كانت لحظات لا يجود الزمان بمثلها شملنا فيها النور بكرمه الفياض وارتوينا من بحر العلوم والثقافة وكنوز الادب التي يزخر بها صلاح احمد إبراهيم ..
وصلاح كان كثير الاختلاف مع الأنظمة القمعية التي فرضت نفسها على المواطن السوداني فيضطر الى مغادرة الوطن الذي يحبه ساخطا ناقما على ادارة البلاد وهدر امكانياتها العقلية ومواردها الطبيعية .. وقد وصف عودته من الاغتراب عندما يسمح الظرف أنه بالرغم من أنه غادر البلاد ساخطا متنفسا الصعداء إلا أنه عندما تهبط الطائرة في مطار الخرطوم فإنه ينسى كل تلك الآلام الناجمة عن ظلم الحكام فيحس بوقع ضربات عجلات على ارض المطار في عملية الهبوط كأنها تضرب في قلبه ..
وكأني به ينظر من نافذة الطائرة يرى النيل فيستعيد ما قاله في قصيدته التي أوصى بها الطير المهاجر وشدا بها فنان السودان الأول محمد وردي :
وان جيت بلاد تلقى فيها النيل بيلمع فى الظلام
زى سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام
تنزل هناك وتحى يا طير باحترام
تقول سلام وتعيد سلام
على نيل بلادنا سلام
وشباب بلادنا سلام
ونخيل بلادنا سلام
أو حينما خاطب النجوم:
بالله يا نجوم كيف حال إخوتي
وكيف حال رفقتي، وكيف حال شعبي العظيم
شعبي الذي احببته حب الذي قد عشِقا
كيف تراه الآن، هل تراه بات جفنه مؤرقا
وهل تراه بات حبلَ شمله ممزقا
وهل تراه بات في السجن القَوا ومرهقا
وهل تراه واجه النيران مثل يوم “كرري” فاحترقا
أكاد أن أراه الآن يا نجم، أرى الغبار في أهدابه والعرقا
وألمح من شفاهه كصائم والثوب مشدوداً عليه مِزقا
أكاد أن أراه الآن يا نجم، أراه عابساً مكشراً، كغضبة النيلين عند الملتقى
كل فتى كالحبشيِّ الازرق الحي في انطوائه حتى إذا ثار
طغى فاغرقا
وكالبشاري يقوده الصغير بالمعروف، إما اغتاظ دق العنقا
أعرفهم: الضامرين كالسياط، الناشفين من شقا
اللازمين حدهم، الوعرين مرتقى
أعرفهم كأهل بدر شدة، ونجدة، وطلعة، وخلقا
أعرفهم ان غضبوا مثل انفلاق الذرة
أو وثبوا فكهوي الصخرة
أو فتكوا فأسأل الصاعقة
أو زأروا فالحزم ملء الزأرة
الجن لا يحوشهم من شدة التعنت
تسوقهم إلى الردى زغرودة الفتوة
أو هاتف – ولم يسم – يا أبا المروءة
فيأكلون الجمر لا يلوون بالدنية
رحم الله تعالى أولئك الرواد العظام بقدر ما قدموا للبلاد والعباد من جلائل الأعمال..