الجنينة ليست بخير

تقرير ـ فاطمة علي
الزائر لمدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور، تنتابه الدهشة والحيرة من الوضع المزري الذي وصلت إليه بسبب نزوح سكان المعسكرات إلى داخل المدينة واحتلالهم المؤسسات الحكومية كملاذات تحميهم من الهجمات، ذلك ما جعل المدينة تبدو وكأنها قرية، حيث تزاحمت بيوت القش في فناءات كل المؤسسات الحكومية وانتشرت الحيوانات أمام كل مؤسسة، فأصبح من المعتاد أن ترى الحمير والأغنام والخيل التي يستقلها أغلب النازحين وسيلة مواصلات للبحث عن لقمة العيش وقوت اليوم.
وضع جديد
ربما لم يكن سكان مدينة الجنينة في مختلف أحيائها بعيدين عن واقع الأزمات في إقليم دارفور، لكن ظلت الجنينة كعاصمة تتمظهر فيها مظاهر التمدن ما جعل عددا كبيراً من موظفي المنظمات الأجنبية من غير سكان الإقليم ينقلون أسرهم إليها.
بيد أن الواقع الجديد جعلهم يعيدون النظر مرات ومرات إذ أن دخول النازحين بكثافة لمجتمع المدينة جلب الكثير من الظواهر السالبة التي لم تكن معتادة في المدينة، وأصبح السكان يخافون على أطفالهم خاصة مع تفشي ظاهرة ما يعرف هناك بشباب “النجيص” الذين يقومون بترويج الحبوب والمخدرات وسط الشباب.
هذا بجانب التردي البيئي الذي نتج عن عدم وجود مياه الشرب الكافية، فضلاً عن قلة عدد دورات المياه، ذلك ما خلق تردياً بيئياً حتم وجود تخوف كبير من تفشي الأمراض المعدية كالكوليرا والملاريا التي تتزايد دوماً في فصل الخريف.
وأشار عدد من الأطباء الذين يعملون في منظمة طوعية أجنبية إلى أن الوضع الآن قابل ليجعل من الجنينىة بؤرة أمراض خاصة مع عدم وجود المنافع الكافية للنازحين، ما يضطرهم لقضاء حاجتهم في العراء، ما يشكل بيئة مناسبة لتوالد البعوض والذباب مع بدايات فصل الخريف.
أسباب نزوح النازحين
وربما لم يكن أمام النازحين في معسكرات كردينق 1 و2 والحريق الكامل لمعسكر أبوذر ومنطقة السريف، التي نتجت عن الأحداث الدموية التي اندلعت في المنطقة وخلفت عدداً من الجرحى والقتلى، غير أن ينزحوا من معسكرات النزوح إلى ملاذ آمن، فكان أن اختاروا أن يكونوا في كنف الحكومة الولائية، فاختاروا أمانة حكومة الولاية وكل المؤسسات الحكومية ليسكنوا فيها وفق سياسة الأمر الواقع بعد أن أعياهم انتظار المجهول جراء المعارك العنيفة التي دارت في الولاية خلال الفترة السابقة استخدمت فيها أسلحة ثقيلة.
غير أنه حتى المنشآت والمؤسسات الحكومية الصحية والخدمية التي نزح إليها سكان المعسكرات لم تسلم من القصف لاحقاً بعد أن طالت الأحداث العديد من الأحياء السكنية والمحال التجارية.
أوضاع مأساوية
وقال المواطن عمر محمد، إن مدينة الجنينة تعيش أوضاعاً مأساوية ومع دخول فصل الخريف وهطول الأمطار، موضحاً أن عدداً كبيراً من السكان يعاني من نقص في الغذاء والمأوى ويقطنون بالشوارع، وأضاف أن الأوضاع تتدهور بشكل مريع، واعتبر ما حدث الأسوأ في تاريخ دارفور والجنينة خاصة، حيث تم حرق أعداد كبيرة من الأحياء السكنية والمعسكرات بصورة كبيرة، وأن هناك عمليات نهب واسعة تمت وطالت ممتلكات المواطنين العزل .
وأشار إلى أن الجانب الأسوأ في الأمراض التي بدأت تنتشر داخل المعسكرات الجديدة مع نقص حاد في الأدوية والمعينات الطبية الضرورية لإنقاذ حياة الناس ونقص الكوادر الطبية بالولاية.
انتشار السلاح
المواطن محمد عمر، رفض فكرة أن يكون ما دار في الجنينة نتج عن خلافات قبلية، مبيناً أن ضعف تأمين الأحياء وانتشار السلاح في أيدي المواطنين هو السبب في انفجار الصراع، وقال “ما جري بالجنينة ليس اقتتالاً قبلياً كما روج له البعض، لأن القبائل في الولاية متعايشة منذ سنوات بكل الأراضي والحواكير”، مطالباً ببسط الأمن وفرض هيبة الدولة، مضيفاً أن المواطن لا يحتاج مالاً، مردداً الأمن الأمن لعودة النازحين إلى مناطقهم .
استنكار أممي
واستنكرت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإنسانية ما حدث من عمليات الاقتتال الوحشي التي وقعت في الولاية وناشدت الأمم المتحدة التحقيق مع المسئولين عن العنف ومحاسبة من ارتكبوه، وتعمل فرق الهلال الأحمر السوداني في توفير الكوادر الطبية، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي، والإمداد المائي عن الولاية بما ذلك المستشفيات .
وأفاد مكتب متابعة الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا” بأن الوضع بالجنينة مستقر، لكن هناك توترات في بعض المناطق، وأعرب عن قلقه العميق إزاء الأوضاع الإنسانية التي يعيشها مواطن الولاية والأحداث التي وقعت في غرب دارفور خلال الشهرين الماضيين وبحسب تقريره أمس، فإن عدد النازحين في الجنينة بلغ 105,100 نازح.
تجارب
وقالت النازحة خديجة مختار”35″ عاماً إنها فقدت عائلتها وجميع مملتكاتها بما فيها ماشيتها في أحداث حي الجبل، ولجأت الى تجمع مدرسة مهيرة للبنات بوسط الولاية فراراً من القتال، فيما ذكرت النازحة زينب أنها فقدت زوجها وأبناءها الثلاثة وأن أحد أبنائها فقد ذراعه وعينه، ويتلقى العلاج الآن بالخرطوم، وزادت: نحن نعيش في وضع غير إنساني، ففي داخل تجمعنا نعيش نساء ورجالا وشباباً وأطفالاً، ونريد العودة إلى معسكرنا ولا نريد مالا سوى توفير الأمن لنا، فأصبحنا فاقدين للأمن والأمان رغم ثورة التغيير وذهاب نظام البشير، وأضافت: رغم استبشارنا بالحكومة المدنية، فإن الوضع ازداد سوءاً، وزادت “نتمنى أن ينصلح الحال وأن يعمل الوالي الجديد على توفير الأمن والاهتمام بالنازحين والعمل لعودتهم وتأمين الموسم الزراعي وتحديد مسارات للرعاة حتى نتجنب حدوث احتكاكات ونشوب مشاكل بينهم” .
وأكدت المفوضية السامية اللاجئين أنها ستقوم بتوفير مساعدات طارئة للاجئين بدولة تشاد، مبينة أن الأحداث أجبرت نحو 160 ألف لاجئ على العبور إلى تشاد
فيما قالت منظمة حقوق الإنسان لدى لقائها سلطان دارمساليت سعد عبد الرجمن بحر الدين، إنها سوف تشرع في عودة 30 أسرة إلى مناطقهم وترحيلهم من المنطقة التي تعد مجرى لمياه الأمطار خوفاً من أن تسبب ضرراً على القاطنين بالقرب من المجرى.
واستبشر مواطنو الجنينة بعد تعيين رئيس التحالف خميس عبدالله أبكر الذي تم تعيينه وفق اتفاق سلام جوبا للسودان.
تفاؤل
اكتملت التجهيزات لاستبقال الوالي الجديد خميس عبد الله أبكر وأبدى عدد من مواطني ولاية غرب دارفور تفاؤلهم بالوالي، وأشاروا إلى أن كل الولاء الذين تعاقبوا على إدارة الولاية الذين كانوا جزءا من اتفاقيات سلام سابقة وحركات الكفاح المسلح (أبوجا – الدوحة)، مشيرين إلى أن الوالي حيدر قالو كوما والوالي أبوالقاسم بركة شهدت الولاية استقراراً، مؤكدين أن خميس عبدالله ابكر أحد ممثلي الحركات الموقعة على سلام دارفور، واعتبروا وجوده كأحد اطراف العملية السلمية أن يبسط هيبة الدولة ومحاسبة كل من يرتكب جريمة وفق القانون، مطالبين الوالي أن يوفر الأمن لأنه أساس الاستقرار والسلام .
الصيحة