الاستلاب الإعلامي!

الاستلاب الإعلامي!

بابكر عيسى
[email][email protected][/email]

تبين لي عبر متابعة أمينة امتدت لسنوات طوال حِرص الجماعات الإسلامية على الهيمنة على وسائل الإعلام المختلفة وفي صدارتها الصحف، باعتبارها الأوسع انتشاراً كما أن سحر الحرف المطبوع يرسخ في الذاكرة الجمعية فترة أطول من الكلمة المسموعة أو المشاهدة عبر المذياع أو التلفاز.. ويبقى الاختراق والهيمنة على هذا المحيط الشغل الشاغل لهذه الجماعات، فهي تحرص على تمرير رسالتها وقناعاتها ورؤيتها للأشياء عبر هذه الوسائط البصرية والسمعية، ومع التطور السريع في عالم الاتصالات واتساع الفضاء الإعلامي بدخول الانترنت والوسائط الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، بدأت دائرة الاهتمام تتسع، وبدأت الجماعات على استعداد لدفع أي شيء من المغريات والحوافز للإعلاميين والشباب للانخراط في هذا الحقل على أن يكون التوجيه والإرشاد عبر نقطة مركزية واسعة المعرفة وتتميز بالإدراك وسرعة البديهة.
هيمنة الجماعة الإسلامية في السودان على وسائل الإعلام بدأت حتى قبل الانقلاب الذي أتى بالإنقاذ “1989” وعبر مسيرة امتدت لما يزيد على العقدين من الزمان حركت هذه الآلة الإعلامية الجهنمية بحنكة، ودراية ومكر شديدين، فكانت قادرة على تشويه صورة الخصوم السياسيين من شخصيات وأحزاب بصورة ممنهجة في أذهان الناس، حتى إنها نجحت باقتدار في استلاب عقول الناس وقلوبهم مستخدمة الجرعات الدينية المكثفة ومستعينة بالخطباء والمتحدثين من فوق المنابر ومستخدمة الخطاب التحريضي والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وسير الصالحين.
قد يرى البعض بحكم النشأة الدينية للأغلبية منا أن استخدام هذا الأسلوب لا جُناح عليه، ولكن ما تبين على صعيد الواقع ومن خلال المعايشة أن أهداف مثل هذا الخطاب الديني ليست إصلاحية، وإنما للتستر على العديد من الممارسات التي لا تمت للدين بصلة من قريب ولا بعيد، كما أن فرض الجماعة الإسلامية في السودان الرقابة المسبقة على ما ينشر في الصحف أو يذاع عبر الإذاعة والتلفاز هو حماية الرموز الإسلامية التي أصبحت متورطة في قضايا الفساد والاستئثار بالمزايا التي توفرها الوظيفة العامة خاصة بعد أن تم طرد وتشريد كافة العناصر الوطنية التي لا تسير في ركاب هذه الجماعات وهو ما يعرف “بفقة التمكين”.
الهيمنة على وسائل الإعلام الهدف منها ممارسة لعبة الإلهاء السياسي وسط قطاعات الشعب، وإلهاء الشباب بالأغاني، وممارسة التدويخ الدعائي تجاه الخصوم السياسيين من خلال التجهيل والكذب، والدفاع عن الفساد والمفسدين، والابتعاد عن القضايا الحيوية التي تهم الناس وفي صدارتها التعليم والصحة والبحث عن فرص للعمل ومحاربة الغلاء والبطالة والقضاء على الفقر الذي بات مستشرياً في أوساط قطاعات واسعة بصورة لا تخطئها العين.
اليقظة في مواجهة هذا الاستلاب الإعلامي قضية مهمة يجب أن تنتبه لها قوى الإصلاح في المجتمع، ورغم أن وسائط التواصل الاجتماعي عبر الفضاء الإلكتروني هي الأنشط والأسرع الآن إلا أن انتشارها محدود في بيئة مثل البيئة السودانية، وعليه لابد من استنباط وسائل جديدة لمواجهة هذا الطوفان الإعلامي الذي يصادر الشعوب عن مسرح الأحداث.

تعليق واحد

  1. أخى الأكبر وأستاذنا الكبير بابكر عيسى
    التحيةلك وأنت تتصدى بفكرك وقلمك للمارسات الظلامية الظالمة للحرية الاعلامية والهيمنة السافرة على الصحف السودان لتكميم أفواهالشرفاء من الكتاب السودانيين الشرفاء .

    ندعوكم الى نتدى كردفان الغد الذى انطلق يحمل فكر جدبدا نرجو أن تكون أحد مؤسسيه وداعميه من أجل مستقبل كردفان وشعبها وهى انتماؤك وعشقك الأبدى – نقل موضوعك الى المنتدى فى بادرة منا على تواصلك بالمنتى الذى أرجو أن نافذة لك على قراءك الكثيرين منالسودان وكردفانwww.kordofan.net/vb

  2. الاستاذ الاديب بابكر
    نشكرك واسلوبك الرفيع علي تنويرنا لهذا الموضوع لكن كيف تتم مواجهة هولاء وهم قد استلبوا البلد بحالها اعلامها واقتصادها وامنها وحريتها وارضها كما استلبوا كل ادوات الاعلام المقروء والمسموع والمرئي

  3. كلام صاح أخي بابكر
    والجماعة تخاف من كل حرف يكتب بطريقة ناقدة لها ويشكون حتى في ظل الحروف
    والامثلة كثيرة اخي بابكر ولكن اقربها كتاب حضرتكم الامام والروليت وحينها كنت حاضر ومتابع واعرف من اشتراه بل اشترى كميات للتخلص منه بسرعة من المكتبات عساه يقلل عدد القراء لذلك الكتاب الذي اتحفنا حينها بحقائق كانت غائبة عنا وشكرا لك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..