مطلوب منظمات مجتمع مدني

معروف عن منظمات المجتمع المدني أنَّها تلعب دوراً مهماً في تحقيق مصالح المجتمع والمساهمة في تعزيز ثقافة السلام والتسامح والاستقرار والتكافل والتعايش وقبول الآخر، كما أنَّها تقوم بدور رقابي مهم جداً تجاه الحكومات لتحقيق وتعزيز حقوق الناس وحفظها، ولها وسائل كثيرة تستطيع من خلالها مناصرة المواطنين ولذلك سميت بالسلطة الخامسة، ولا يمكن للمجتمع أن يحصل على تنمية متكاملة إذا لم يمتلك قدراً من منظمات المجتمع المدني الفاعلة المدعومة من قبله والتي تعمل بحرية دون تدخل أو وصاية أو مساومة من قبل الدولة .
في السودان أصبحت منظمات المجتمع المدني الوطنية غير ملتزمة بشروط العمل المدني أو الطوعي، ولم تعد مستقلة بل مستغلة وتسيست حتى أصبحت تمثل المؤتمر الوطني وحكومته. والأسوأ من كل ذلك أنَّ هذا الوضع خلق منظمات مجتمع مدني استثمارية تتكسب من قضايا المجتمع، الآن لا يملك السودان منظمات مجتمع مدني حقيقية. صحيح هناك مئات المنظمات ولكن قليل منها له دور حقيقي، والسودان في حاجة ماسة إلى منظمات فاعلة تحرك المجتمع وتجبر الحكومة على الالتفات لحقوقه.
والي ولاية الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين بعد تعيينه والياً للخرطوم، اجتمع بمنظمات المجتمع المدني لتنويرها ببرنامج الحكومة نحو مكافحة الفساد ونشر الحريات، وهذا دليل يدين المنظمات ويثبت فعلاً أنَّها أصبحت غائبة لدرجة أنَّ الحكومة تنورها بما تقوم به تجاه الفساد والحريات، إذ يفترض أنَّها تعلم كل صغيرة وكبيرة تقوم بها الحكومة تجاه كل القضايا، وأشك أنَّ الوالي كان ينورها بما تريد الحكومة .
حقيقة السودان الآن يواجه أزمة خطيرة جداً فيما يتعلق بغياب دور منظمات المجتمع المدني التي أصبحت، إما تتبع للحكومة وحزبها وحركتها أو لأفراد ينتمون إليهم، ولذلك غاب دور الحكومة عن المجتمع نهائياً حتى أدمنت إهمال مصالحه، فهي بسيطرتها على البرلمان ومنظمات المجتمع المدني ضمنت أنَّ الشعب لن يطالب بحقوقه. ولا شك أنَّها لن تدعم وجودها أبداً.
المجتمع السوداني فطر على ثقافة العمل الطوعي والتكافل الاجتماعي، ودائماً لديه مجموعات تتكون تلقائياً لخدمة المجتمع بسبب الظروف التي ظل يعيشها والغياب المستمر لدور الحكومات، تلك الثقافة هي التي ظلت وما زالت تحافظ على المجتمع السوداني من الانهيار الكامل حتى اليوم.
في السنوات الأخيرة اضطر المجتمع السوداني إلى إنشاء مبادرات لخدمة نفسه تجنباً للاستغلال الذي يحدث لمنظمات المجتمع أو يحدث منها، ولكن يظل دور المبادرات قاصراً ولا يساعد على التغيير الاجتماعي المطلوب الذي تقوم به المنظمات، لأنَّ دورها يظل محصوراً في المساعدات المادية والمعنوية ولا يصاحبها عمل توعوي.
عموماً لا يمكن أن يحصل المجتمع على تنمية لقطاعاته المختلفة بشكل متكامل وناضج، إذا لم يتم تأسيس منظمات مجتمع نزيهة تعمل بدون تدخل أو وصاية أو مساومة، وما لم يكن هناك دعم من المجتمع نفسه بقناعة وإيمان راسخ. وعليه فإنني أدعو جميع المواطنين إلى تأسيس منظمات مجتمع مدني جديدة سليمة تسهم في التغيير، وإلا فإننا لن نستطيع الخروج من هذا القاع الذي سجنا فيه المؤتمر الوطني.
التيار