حكومة الوفاق الوطني بعد مائة يوم من تشكيلها

مرّ أكثر من مائة يوم علي ولادة حكومة الوفاق الوطني , هذه الحكومة التي أنتظرها الناس طويلاً أملاً في أمكانية الخروج من عنق الزجاجة والنفق المظلم الذي نحن فيه إلي بر الأمان لصالح البلاد والعباد وبالرغم من أن التغيير لم يكن كبيراً كما كان متوقعاً فقد إستأثر المؤتمر الوطني بأغلب مقاعد الحكومة الإتحادية بما فيها وزارات مفصلية الخارجية , المالية , الدفاع , الداخلية الخ بجانب إحتفاظها بكامل الولايات والولاة والمعتمدون هذا الأمر قد أدهش الجميع ورغماً عن ذلك فقد وضع غالب أهل السودان آمالهم وطموحاتهم في هذه الحكومة والتي جاءت عبر تحالف وأسع غير مسبوق.
وبما أن الحكومات قد درجت علي تقييم أعمالها بعد مائة يوم من تشكيلها فإننا نحاول أن نتلمس خطي هذه الحكومة خلال مائة يوم الفائتة وبطبيعة الحال لا يمكن للحكومة أن تنجز أعمالاً ضخمة خلال هذه الفترة القصيرة. ولكن فقط لبيان إتجاه الحكومة لإنفاذ برنامجها المتفق عليها ولتحسس ترمومتر النجاح بحسبان أن هذه البداية تعطي إشارات وأضحة لفعالية الحكومة وقدرتها علي إنفاذ برنامجها ، هذه الحكومة ملزمة ببرنامج الوفاق الوطني المتمثل في مخرجات الحوار الوطني والوثيقة القومية التي إجمعت القوي السياسية والمجتمع المدني عليها ، الملاحظ أن الحكومة وبعد مرور مائة يوم علي ولادتها شرعت في تحريك اللجنة العليا للحوار الوطني لترتيب إنزال المخرجات وفق الأولويات وهذا وحده ينهض دليلاً علي تقصير الحكومة بل تباطئها في إنزال المخرجات موضع التنفيذ في تقاطع واضح مع ما ذهب إليه رئيس الوزراء في يوم تشكيل الحكومة أذ قال أن الحكومة جاءت معبرة عن مخرجات الحوار الوطني , إذا كان الأمر كذلك فلماذا التأخيير في إنزال المخرجات موضع التنفيذ كبرامج مفصلة حسب إختصاصات كل جهة ، الملاحظ أن الحكومة وبعد مائة يوم من عملها لم نسمع أنها شرعت في تكوين المفوضيات وهي كثيرة بإعتبار أن هذه المفوضيات هي المعنية بتفصيل البرامج لتنفذ عبر جهات أخري متخصصة وعلي سبيل المثال هنالك مفوضية للسلام ومفوضية محاربة الفساد والمفوضية القومية للإصلاح المؤسسي ومفوضية تخصيص الموارد بين المركز والولايات والمفوضية القومية للإختيار للخدمة العامة والمجلس القومي للسياسة الخارجية الخ ، هذه المفوضيات وغيرها لم نسمع لها ذكراً حتى الآن ونحن في سباق مع الزمن علما بان عمر حكومة الوفاق ثلاث سنوات !!! ستظل المخرجات مُجرد حبر علي ورق وشاهد علي فشلنا المتكرر ما لم تُحرك هذه المفوضيات وتشرع في عمل مدروس وبجداول ومواقيت محددة للإنفاذ ، فوق هذا كان المامول أن تشرع الحكومة فور تشكيلها في مراجعة القوانين القائمة وإصلاح الأجهزة العدلية هذا لا يتطلب وقتاً طويلاً فكثيرة هي القوانين التي تحتاج إلي تعديلات مثل قانون الأمن الوطني وقانون الصحافة وغيرها من القوانين خاصة المتعلقة بالحريات والحقوق الأساسية ولكن لا شئي يذكر في هذا المجال ، لم يحس الناس أن تغييراً قد حدث في مجال الحريات فما زالت الإعتقالات التحفظية للناشطين السياسيين علي قدم وساق ، وما زال التضييق علي العمل السياسي المباشر سمة بارزة بل تعدي كل ذلك إلي التضييق علي الصحافة وهلمجرا…
ما زالت العقلية الحاكمة لم تستوعب التغيير المرتجي ذات العقلية البائسة المهيمنة منذ ثلاثين عاما هي التي تدير مفاصل البلاد فكل القيادات العليا في الخدمة المدنية ما زالت هي المسيطرة رغم الفشل الذريع التي أصابت الخدمة المدنية.كل مدراء الجامعات من المؤتمر الوطني وقس علي ذلك ، حتى طريقة عمل الحكومة هي نفسها لم تتغير قيد أنملة والأمثلة كثيرة! كيف أدارت الحكومة الأزمة التي نشبت في الخليج والحصار علي قطر؟ هل شكلت الحكومة مجموعة أزمة من القوى المشاركة في الحكم لتحديد موقف السودان من الأزمة؟؟ يدرك الجميع أن هذا الملف لم يعرف بعد من يُديره الرئاسة أم مجلس الوزراء ام الخارجية؟ وكيف يُدار ؟ مما جعل موقف البلاد لا يحسد عليه لا إلي هؤلاء ولا الي هؤلاء في منزلة بين منزلتين منزلة الحق والتي نري أنها في جانب قطر المعتدي عليها ومنزلة الدول الأربعة المعتدية، هل فقدت البلاد الوُجهة؟ هل إنهارت المشروع الحضاري ألم يعد للبلاد مرجعية قيمية فكرية تخضع لها سياساتها ؟ أم أنها أصبحت هكذا بلا طعم ولا لون، مواقف بعض القوى السياسية المشاركة في الحكومة كانت واضحة وقوية ومنحازة بصورة لا لبس فيها لقطر دون أن تقطع حبال الوصل مع الدول الأربعة المحاصرة أما الحكومة وحزبها المؤتمر الوطني فقد فقدت الوُجهة لم تنل رضا الدول الأربعة فهذا الرضا ما زال عزيزاً ، ولا ردت جميل قطر وإحسانها و الإنتصار للحق… أما الحصار الأمريكي فحدث ولا حرج ، ركن الحزب الحاكم وإطمأن لوعود أمريكا برفع الحصار ولم يشأ الحزب أن يشرك الآخرين في قطف ثمار رفع الحصار ليكون الإنجاز خالصاً له . ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن النظام، فلم يرفع الحصار كما توقعته الحكومة بل تم تمديد الفترة لثلاثة شهور أخري فبدلا من تدبير الأمور وإشراك الجميع والعمل الجاد في الوفاء بالإستحقاقات , ذهب النظام يولول ويلطم الخدود ويتخبط في ردود غير عقلانية ويتخذ قرارات غير مدروسة ولا تقف علي رجلين سليمتين , يحصل كل ذلك بعيداً عن القوى السياسية المشاركة في السلطة فهم مُجرد تمومة جرتق أو تكملة لزينة المجلس المسمي بمجلس الوزراء المكتظ بالوزراء ووزراء الدولة وآخرين… القوى السياسية نفسها أعياها الحيلة فوقفت مُتفرجة كأن الأمر لا يعنيها بل ذهبت بعض القوى إلي إتخاذ مواقف تتباين مع موقف النظام وهذا هو الهرج والمرج وقلة التخطيط، أما مفاوضات السلام مع الحركات المسلحة وهي المحور الأساسي لكفكفة مشاكل البلاد ووضعها علي طريق التنمية والتطور فقد إنفرد المؤتمر الوطني بإداراتها بينما الأوفق والأصلح أن يتحول ملف السلام والتفاوض إلي حكومة الوفاق الوطني فهي التي تفاوض الحركات المسلحة إما أن نكرر تجربة نيفاشا وأبوجا والدوحة وأن يترك الأمر للحزب الحاكم يعني الفشل في إدارة هذا الملف، حتى بعض المشاكل العادية عجزت الحكومة عن حلها مثل مشكلة طلاب جامعة بخت الرضا هذه المشكلة والتي تطورت بفعل غياب الحكمة في معالجتها إلي مشكلة سارت بها الركبان داخلياً وخارجياً ولا يخفي علي أحد إلاّ حُمقي النظام تأثيراتها السلبية علي البلاد، سوف تطول قائمة المشاكل والتي لم تجد إهتماماً من الحكومة بعد، ندلف إلي الإسطوانة المشروخة تخفيف أعباء المعيشة علي المواطن هذه الاسطوانة ما عاد الناس يسمعونها، فقد تراكمت الإخفاقات بسبب سوء سياسات الحكومات فالغلاء أصبح فاحشاً لا يُطاق وتدخل الحكومة لضبطها فشل فشلاً غير مسبوق، الدولار في تصاعد مستمر والموارد علي قلتها تلتهمها وظائف الحكومة المضخمة، المحصلة أن بدايات هذه الحكومة المسمي بحكومة الوفاق الوطني ما زالت تراوح مكانها فهل تستطيع الحكومة إدراك ذلك وإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟؟؟ أم أن تجربة الوفاق الوطني ستنضم الي التجارب الفاشلة التي لازمتنا منذ استقلال هذه البلاد.
رغم بؤس الحال ما زال هنالك بصيص أمل ، وأن نوراً في نهاية النفق فهل نستطيع استغلال ذلك لإنقاذ البلاد والعباد، نأمل أن تقوم الحكومة بجرد حساب لمائة يوم وهي في دست الحكم… أم أنها تتجاهل ذلك بإعتبار أن الزمان ما زال مُبكراً لتقييم عمل الحكومة وسوف تمر ستة شهور وسنة ونحن لا في العير ولا في النفير… ولا حول ولا قوة إلاّ بالله .

بارود صندل رجب المحامي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..