دي صعبة يا قوش

عبْءٌ ثقيل ذلك الذي وضعه رجل المخابرات الأول في السودان على كتفه، وآل على نفسه أن يُنجز المهمة الصعبة وهو يرى رؤوس الفساد الكبيرة التي هدّد ببترها قد أينعت وحان وقت قطافها، فهل سيكون ضابط المخابرات الذكي صاحبها فعلاً وقولاً، أم ستدخُل حسابات السياسة، و”الخوة في الله”، وتُبدد آخر أمل ظلت تشرئِّبُ له الأعناق، وتتوق له النفوس المُحبطة، وتتطلع له الخواطر المنكسرة..؟؟. حَمْلٌ تنوء بِحَمْلِه الجبالُ الراسيات ذلك الذي وضعه الفريق قوش على ظهره، وهو يخاطبُ حشداً جماهيرياً في شمال دارفور، ويقول : “الحرب على الفساد بدأت فعلاً، وأي زول شال ليهو حاجة ما حقتو ما بنخليهو، وحنبدأ بالرؤوس الكبيرة”..

أشفقتُ على قوش وأنا أُطالع ما أعلنه من مليط لأن هذه العبارة التي أطلقها إذا ما طبّقها فعلاً ستجعل مهمته أصعب من الذي يبحث عن “ذرة” في قاع البحر، بل أصعب من مهمة الطبيب الذي لم يكن أمامه إلا استئصال أورام خبيثة انتشرت في جسد مريض ولم تترك موضعاً من جسده قط… فهل على الطبيب إلا أن يُقطِّع بمشرطه كل الجسم المُبتلى، ولا يترك إلا العظم؟ إذا كان على ذلك الطبيب أن يفعل ذلك فعلى قوش المتعهّد بقطع رؤوس الفساد الكبيرة أن يفعل الشيء نفسه تماماً… فعبارة “أي زول شال ليهو حاجة ما حقتو ما بنخليهو” ستجعل مهمة قوش صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة تماماً لسبب بسيط جداً، وهو: “إن الجماعة كلهم ـ إلا من رحم ـ شالو حاجات ما حقتهم”.. فخلال الثلاثة عقود الماضية عاثت “القطط السمان” فساداً في الأرض، والقطط نفسها توالدت وتناسلت وتكاثرت، وملأت الدنيا مواءً، واستكبرت في الأرض بغير الحق، وعتت عتواً كبيراً ونهبت ثروات البلاد واستحوذت على مواردها، وسرقت الأموال العامة، وتقلدت المناصب والمواقع، وتسلّحت بالسلطة واستعصمت بالحصانات، فمنها من “تحلّل”، ومنها من “تدلّل” ،ومنها من طغى وتجبّر..!!!.

إذا قلنا إن “أي زول شال ليهو حاجة ما حقتو قوش ما بخليهو” فيتعيَّن على قوش أن يبحث أيضاً عن الحاجات “الشالوها” باستغلال النفوذ والسلطة، والحصانات التي تحول دون تطبيق العدالة أمام المحاكم، فهناك من أخذ “خدمة” بالجاه، والنفوذ، وبدون وجه حق، كالعطاءات، والمنح، والتسهيلات، والإعفاءات والأتاوات والامتيازات والمخصصات التي لا يسندها منطق ولا قانون، وهناك من أخذوا المناصب والمواقع دون وجه حق، فهذه أيضاً “حاجات ما حقتهم وشالوها”، ولا أنا غلطان… اللهم هذا قسمي فيما أملك…

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة