مقالات سياسية

مؤتمر النيلين.. مَن يسمع؟!

لا يختلف اثنان أن السودان اليوم يُعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية جعلته واحداً من اكثر الدول فقراً ومرضاً وصراعات وتردٍ في البيئة، والسبب الوحيد خلف كل ذلك هو سياسات النظام الحاكم الذي لا يهتم مُطلقاً بتحقيق أهداف التنمية المُستدامة التي جاءت بها الأمم المتحدة عام 1987 وتبنتها كثيرٌ من الدول في قمة الأرض المُنعقدة بريو دي جانيرو عام 1992 واستطاعت أن تعبر بشعوبها إلى بر الأمان والرفاه خلال الربع قرن التي أعقبت القمة، فلماذا السودان وحده ما زال يتّجه عكس الدول كلما تقدّمت تراجع هو؟ رغم انه يملك قدراً وافراً من مصانع ومنابر العلم التي تقدم للحكومة كل يوم ما يهديها الى طريق الرشاد ويُساعدها في تحقيق أهداف التنمية المُستدامة.

لن نذهب بعيداً، فأول أمس اختتمت جامعة النيلين مؤتمرها السنوي تحت شعار: “بحث رائد من أجل تحقيق التنمية المُستدامة”، وقُدِّمت خلال المؤتمر الكثير من الأوراق والبحوث العلمية وفي شتى المَجَالات، كل بحث يُشكِّل لوحده استراتيجية متكاملة نحو تحقيق أهداف التنمية المُستدامة لو تبنتها الحكومة لاستطاعت العبور بالسودان في وَقتٍ وَجيزٍ، ولكنها لا تسمع ولا ترى؟ فقد تعوّدت أن تحتقر نصائح أهل العلم وتهمل بحوثهم القيمة التى لم تترك مشكلة من مشاكل السودان إلاّ وناقشتها بعلمية ومهنية وخرجت بنتائج مبهرة وقدمت توصياتها التي ان نفذت ما كان لوجه السودان اليوم أن أصبح كالحاً وحزيناً وشعبه تائهاً ومهزوماً رغم ما يملك من موارد وعقول الآن تستفيد منها شعوب أخرى.

مؤتمر جامعة النيلين ومؤتمرات أخرى كثيرة تعقدها جامعاتنا السودانية التي تجاوز عددها الـ 150 جامعة كل عام، تُقدِّم خلالها كل ما يحتاجه السودان ليتغيّر ويتطوّر ويرتقي بشعبه رغم المُعاناة التي تعيشها الجامعات نفسها، ولكن النتيجة ما زالت صفراً والمجتمع لا يجني شيئاً من كل هذه الأشجار التي تثمر رغم القحط الذي تعيش فيه، ليس لسبب سوى لأنّ الحكومة لا تُؤمن بأنّ الجامعات هي أفضل وأصدق مَن يصنع سياسات الدولة، فهي تُديرها بلا أي مبدأ وتقرر بها كيفما تشاء بجهالةٍ أو بخداعٍ أو بأية طريقة فاسدة تريدها، المهم ان تظل بعيدة عن الجامعات والعلماء حتى لا يخضع المسؤولون لمبدأ العلم، لذلك أُضعفت الجامعت وأُسكتت صوتها وشُرِّدت أساتذتها وفصلت العلم عن السياسة فضاع الاثنان.

لن يستفيد السودان من الجامعات ولا من العلماء والبحوث العلمية الرائدة التي تقدم في شتى المجالات ما لم تؤمن الحكومة ان البلد يرفعها أهل العلم، وما لم يصبح العلم نفسه هو المبدأ الوحيد الذي تعتمد عليه في تحقيق التنمية المستدامة، ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه الى متى ستظل الحكومة تفعل ما تريد وتعتمد على سياسات يصنعها الفاشلون والفاسدون، فليس من المَعقول أن تستمر الحكومة غير مهتمة بالعلم الذي يُشكِّل الطريق الوحيد إلى تحقيق أهداف التنمية المُستدامة، في حين أنّ الجامعات تبذل جهوداً علمية جَبّارَة كلها تضيع بلا فائدة ولو نزلت على أرض الواقع لكانت لها نتائج مُمتازة، ولكن يعقيها تفكير حكومة أدمنت الفشل والفساد.

لماذا لا يكون للجامعات مَوقفٌ مَوحّدٌ تجاه السياسات العشوائية وغير العلمية التي تتّبعها الحكومة فجعلت السودان واحداً من أفشل وأفسد دول العالم والأكثر هشاشةً، ألا يُعتبر هذا السكوت خيانةً للعلم والحق والوطن.
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..