التعايش مع التضخم جريمة

٭ حقيقة ماثلة أمامنا.. هي يجب أن تجد اجابة واضحة ومقنعة للسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه بإلحاح هو.. هل دخل الموظف أو العامل أو الحرفي الصغير أو المزارع يتكافأ ما مع اعباء الحياة أم لا؟ ومسألة المقارنة توضح ان معدل التضخم في الاقتصاد السوداني يبتلع الدخول المحدودة والمتوسطة في شراهة عنيفة.
٭ قد يقول قائل انها حالة حياة البشر تتفاوت دخولهم ومستويات حياتهم وهذه حقيقة ولكن هناك حقيقة أكبر وهي مسؤولية ولاة الأمور في ايجاد حد من التكافل يحفظ الحد الأدنى من السلام الاجتماعي.
٭ هذه المعادلة ناقشتها الأديان السماوية والنظريات الوضعية للحد الذي يفرض على الدولة أن تدعم الأساسيات للفقراء وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة وتدعم الخدمات الضرورية على الأقل كالعلاج والتعليم.
٭ ومن خلال الواقع الذي يعيشه المجتمع السوداني وبالذات قطاع العمال والموظفين نلمس عمق الانقلاب الذي حدث في حياتهم جراء الموجة المستمرة لارتفاع الأسعار التي بدأت في التصاعد المجنون منذ إعلان سياسات التحرير.
٭ وعلى الرغم من التزامات الحكومة في رفع الأجور وصرف المنح في بعض المناسبات إلا أن ذلك كله لم يمنع انهيار الوضع الاقتصادي لهؤلاء للحد الذي جعلهم تحت خط حزام الفقر وذلك بسبب ارتفاع معدلات الأسعار وتفوقها على معدلات زيادة الأجور.
٭ ومن الناحية الثانية فقد أدى ذلك التضخم الذي كاد أن يذهب بالجنيه تماماً بشكل واضح ومخيف.. أين القرش والتعريفة.. ومن المفارقات ظهور أعداد من الأثرياء الذين تمكنوا من استغلال جو التحرير في تكوين ثروات طائلة لا يمكن بحكم العقل والمنطق فهمها أو تبريرها.
٭ والسؤال الذي يتردد بصورة ملحة أيضاً هو لماذا لا تفكر الحكومة في وضع برنامج لايجاد التوازن بين الدخول والأسعار؟ بل لماذا لا تقف على نتائج سياسة التحرير هذه التي قالت في مبتدئها انها قادرة على سلبياتها.
٭ فالمواطن لا يريد أن يعرف مفهومات المدارس الاقتصادية ونتائجها على المدى القريب أو البعيد ولكن يريد أن تبحث له الحكومة عن علاج يخرجه من مسلسل الشقاء الذي أدخلته فيه هذه السياسة ولا سيما في مجال العلاج فمن الممكن أن يحتمل الأب أو الأم جوع أطفالهما نوعاً ولكن من المستحيل أن يحتملا انات المرضى تنبعث من أعماق أطفالهما ويستحيل عليهما الدواء ولو كان بندولاً.. انه العذاب القاهر للروح وللنفس وللقيم أن تعجز من تقديم مساعدة لمريض تبدأ استحالتها من حق الركشة إلى حق الدواء.
٭ ولكن يبدو ان الحكومة أصبحت تتبنى سياسة التعايش مع التضخم وهذا واضح.. تذهب في الصباح إلى محطة الوقود ليخبرك العامل بأن سعر اللتر قد ارتفع.. تغضب وتثور بشكل فردي ولكن تشتري.. وتذهب للسوق لتجد كل شيء سعره تحرك إلى أعلى.. وهذا التعايش مع التضخم خلخل النسيج الاجتماعي وهدد الاستقرار الأسري.. وتلك خبرة تاريخية لا يجوز أن نتجاهلها فالتعايش مع الواقع الاقتصادي اليوم يشكل جريمة في حق المواطن السوداني.
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة