مقالات وآراء

إعفاء الديون: انتصار للشعب أم تكريم للناهبين في شبكة الكمبرادورات العالمية؟ الجزء الأول

حين يُعلن عن إعفاء ديون السودان، يتنفس المواطن الشعوب المفقرة الصعداء، فالمليارات التي أثقلت كاهل الدولة لعقود يُفترض أن تتحول إلى فرصة لبناء المدارس والمستشفيات والبنى التحتية. وعيش كريم لكن خلف هذه الصورة المشرقة تختبئ شبكة معقدة: الناهبون المحليون الذين التهموا القروض، والموظفون الكمبرادور الذين لعبوا دور الوسيط بين رأس المال العالمي والنخب الحاكمة، والدائنون الدوليون الذين يفضّلون الصمت عن كشف الفساد حتى لا تنكشف شراكتهم أو تواطؤهم.

بهذا المعنى، يصبح الإعفاء سلاحًا ذا حدين:
إما أن يتحول إلى انتصار للشعب إذا رُبط بالمحاسبة والشفافية وتفكيك شبكات الكمبرادورات.
أو يغدو مجرد جائزة للناهبين، حيث تُمحى الديون من دفاتر المؤسسات الدولية بينما تبقى آثار الفساد بلا استرداد المنهوبة بلا محاسبة، ويُفتح الطريق أمام دورة جديدة من النهب باسم التنمية.
إعفاء الديون: انتصار للشعب أم جائزة للناهبين في شبكة الكمبرادورات العالمية؟ديون السودان بين الإعفاء والكمبرادور: لماذا يصمت الدائنون عن كشف الفساد؟إعفاء الديون… فرحة شعبية أم ترسيخ لشبكة المال العالمي والناهبين المحليين؟من يدفع الثمن؟ إعفاء الديون بين مصلحة الشعب وحماية الكمبرادور وشركائهم.إعفاء الديون: هل يحرر السودان أم يعمّق تح:
أين ذهبت القروض، لماذا يواكبها الكثير من التكتم، وهل إعفاء الديون منفعة صافية للسودان أم قد يصبح غطاءً لنهب غير محاسَب. سأضع في النهاية خطوات عملية وواقعية للمطالبة بالشفافية واسترداد الأموال. أمورٍ أساسية أستند إليها مبنيّة على تقارير دولية ومصادر رسمية.
الحقائق الأساسية (مختصرة)
السودان أُدرج مؤهّلاً لإعفاء تحت مبادرة “البلدان المثقلة بالديون” (HIPC) بعد اتفاقات مع صندوق النقد والبنك الدولي، والباريس كلوب وعدوا بتقديم حزمة إعفاء كبيرة (قيمة مرتفعة بمليارات الدولارات).
بيانات البنك الدولي والإحصاءات الدولية تُظهر أنّ مخزون الدين الخارجي للسودان كان كبيرًا (عشرات مليارات الدولارات وفق قواعد احتساب مختلفة).
هناك تقييمات وتقارير مستقلة تشير إلى مخاطر فساد عالية في السودان، خصوصًا في قطاعات الأمن والدفاع والإيرادات العامة، ومع وجود ثغرات قوية في آليات الرقابة واسترداد الأموال. تقارير شفافية وتحقيقات محلية ودولية توثّق ذلك.
لماذا يبدو الإعفاء “مبهجًا” لكن قد يخفي مشكلة؟
1. الفائدة المباشرة: إعفاء الديون يخفف العبء الخارجي على الدولة — يفتح قدرة الحكومة على الحصول على تمويل تنموي جديد ويخفض خدمة الدين التي كانت تستهلك موارد هائلة. هذا حقيقي ويمكن أن يساعد في تمويل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
2. لكنّ الخطر السياسي والعملي: إذا لم تُرافق عملية الإعفاء بإجراءات جادة لاسترداد الأموال وملاحقة من نهبوا القروض أو أداروها بشكل فاسد، فالإعفاء يصبح تطهيرًا للدين من دون محاسبة — أي: الجمهور يفقد الحق في مساءلة من أهدَر أو نهب المال العام. الأبحاث عن الشفافية في الديون تُظهر أنّ غياب الإفصاح والحوكمة يزيد من فرص سوء الاستخدام.
3. حيثية التكتم:
السرّية الاتفاقية والدبلوماسية: كثير من الاتفاقات بين دول دائنة ومدينة تُجرى على مستوى حكومات قديمة أو ضمن ترتيبات دبلوماسية، وبعض الدائنين يفضلون تسوية سريعة دون فتح ملفات فساد قد تُحرج شركاءً سابقين.
خوف الدائنين من مسؤولية سياسية/قانونية: بعض الدائنين قد تفضّل تجنّب التسميات الصريحة لأن ذلك قد يؤدي لمطالبات قضائية أو لتعقيدات دبلوماسية (خصوصًا عندما تكون جهات داخل الدولة أو جهات خاصة في الخارج مشاركة).
قدرة النخب المحلية: من نهبوا الأموال يتمتعون أحيانًا بحصانات سياسية أو بنفوذ في أجهزة الدولة والأمن، ما يجعل كشف الأسماء صعبًا داخل البلد. تقارير الدفاع والملف الأمني تشير إلى مخاطر فساد في مؤسساتٍ بعينها.
هل الإعفاء يحفّز الناهبين أم يساعد الناس؟
على المدى القصير: الإعفاء يُحسّن قدرة الدولة على الإنفاق الاجتماعي ويخفف معاناة المواطنين إذا تم توجيه الموارد بشكلٍ صحيح. هذا سبب مقنع للاحتفاء بشرط أن تكون هناك رؤية إنفاقية واضحة.
على المدى المتوسط/الطويل: إذا لم تُحاسب النخب أو تُسترد الأموال ولم تُبنَ آليات شفافية وديمقراطية للاقتراض والموازنة، فالإعفاء قد يُخلق حافزًا للنهب مستقبلاً — لأن التكلفة السياسية والمالية للنهب تصبح منخفضة: الدولة (والشعب) يتحمّلون الخسارة بينما النخب تخرج من الحلقة دون عقاب. دراسات لاقتصاد التنمية والديون أظهرت أن العفو عن الديون بلا شروط إصلاحية لا يغيّر سلوك الحكومات اللاحقة بالضرورة.
إمكانية تحديد جهات الهدر/النهب — إلى أي حد عمليًا؟
ما كان يجب فعله سابقاً ومايجب ان يكون لاحقاً:
1. مراجعات مالية جنائية (forensic audits) لمشروعات ومقترضات محددة (قروض بنكية، قروض مشروعات نفطية، عقود دفاع). هذه المراجعات كشفت في دول أخرى كيف تسرّبت الأموال. مؤسسات مثل وحدة استرداد الأصول (StAR) التابعة للبنك الدولي/الأمم المتحدة تملك منهجيات لإجراءات مماثلة.2. نشر سجلات الديون والاتفاقيات: سجل ديون عام، عقود القروض والتسهيلات، شروط الضمانات والكتابات القانونية التي رافقت القرض. (دليل الشفافية في الديون يبين فوائد ذلك).
3. متابعة تدفقات الأموال المصرفية والعقارية وربطها بأسماء أفراد أو شركات عبر تحقيقات قضائية وشرطية منسقة مع دولٍ خارجية (المناطق التي استثمرت فيها أموال نهرِت خارج السودان). تقارير منظمات مدنية أشارت إلى أن أوجه فساد وعمليات تهريب تترك أثرًا يمكن تتبعه إذا أُتيح الوصول للسجلات.
توصيات عملية (مهمّة وواقعية) — لرفع الوعي الثوري بالحقوق ورفعها في أولوياتهم
1. ربط عملية الإعفاء بإلزامٍ باسترداد الأصول: ألا تُصرف أموال الإعفاء قبل فتح ملفات استرداد واسترجاع أموال محددة أو على الأقل بدء تحقيقات رسمية مستقلة.
2. إجراء تدقيق جنائي مستقل (forensic audit) لكل قروضٍ كبيرةٍ خلال عقود الحكم السابقة — بالتعاون مع جهات دولية محايدة (البنك الدولي/هيئة دولية متفق عليها). نشر النتائج للعامة مع قوائم أسماء جهات/شركات إن تبين تورّطها.
3. بناء سجل ديون عام ومتاح للعامة (Loan registry) — ينشر تفاصيل كل قرض، الشروط، الجهة المستفيدة، وكيف صُرف المبلغ. هذا مطلب قياسي لخفض فرص سوء الاستخدام.
4. شروط محددة من الدائنين: مطالبات بتضمين بنود مكافحة الفساد في عقود إلغاء الديون، ودعم قدرة السودان على تتبع الأصول واستردادها (مساعدة فنية). عدة دائنين دوليين يدعمون ربط الإعفاء بإصلاحات الحوكمة.
5. تحالف داخلي/خارجي للمساءلة: مؤسسات مجتمع مدني، صحافة استقصائية، برلمانيين مستقلين، ودائنين دوليين يجب أن يشكّلوا منصة مشتركة تتابع تنفيذ الشروط وتطالب بالنشر والنتائج.
6. ضمانات قانونية: تشريعات وطنية للاسترداد، وعدم منح حصانات لمن ثبت تورطهم، وتفعيل آليات تجميد الأصول إلى حين البتّ القضائي.
رسالة ختامية موجزة الي من قدمت له فرصة ان يكون قائد ثورة سودانية للانتصار الدكتور عبدالله حمدوك
لماذا محتفي دائما بالاعفاء دون ربطة باسترداد المنهوب وكشف ذلك على الملأ نعني الشفافية
إعفاء الديون مهم ويمكن أن يكون فرصة ذهبية للسودان بشرط أن يكون مشروطًا ومرتبطًا بإجراءات شفافية واسترداد أصول ومحاسبة حقيقية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..