أبيي: فرص الشمال في الجنوب، وتحدي الجنوب في الشمال(2 ? 2)

قراءة في المشهد السياسي:
أبيي: فرص الشمال في الجنوب، وتحدي الجنوب في الشمال(2 ? 2)
من الممكن، بل ومن الواجب، السعي بكل الوسائل السياسية الممكنة حتى لا يتحول قرار مجلس الامن الأفريقي إلى قرار من مجلس الامن الدولي، غير قابل إلا للتنفيذ فقط،، مما يعني إستمرار التوتر
[COLOR=#0005FF]د.الشفيع خضر سعيد[/COLOR]نواصل ما طرحناه في مقالنا السابق حول قضية أبيي، ونحاول التقدم ببعض النقاط والمقترحات ذات الطابع العملي. ومن المهم أن نشير في البداية إلى أننا لا ننطلق من أن أزمة أبيي هي مجرد صراع محلي بين الدينكا والمسيرية، وإنما هي أزمة سودانية تعكس إحدى تجليات الأزمة العامة في البلاد والمستمرة منذ فجر الإستقلال. أيضا، نحن نرفض الإنطلاق من منصة أي دعاوي عصبوية، من نوع تلك التي تستنفر الناس مع هذا الطرف ضد الطرف الآخر، على أساس القبيلة أو المعتقد، أو التي تستنفر جميع أبناء شمال السودان ضد جميع أبناء جنوب السودان. بل نحن نتمسك بضرورة إستجلاب الأفكار البناءة التي تمنع إندلاع الحرب وتضمن مصلحة المتعايشين في تلك المنطقة، متخطين مفاهيم القبلية الضيقة، ومفاهيم ?الكثرة التي غلبت الشجاعة?، والتي تجاوزناها زمنيا، لكنها لا تزال متغلغلة في الواقع بسبب التدهور المريع في نوعية التعليم وانتشار الأمية والجهل. ونحن عندما نتعامل مع أزمة أبيي كقضية سودانية، لا تخص الدينكا أو المسيرية وحدهم، إنما نهدف إلى طرح المسالة بمعيار رئيسي هو أن أي سوداني له حق التملك والتنقل في البلاد، وكل السودان له وطن، معيار يراعي حقوق جميع سكان المنطقة: دينكا نقوق، المسيرية، الناتج من تزاوجهم، والمجموعات القبلية الأخرى، معيار لا يختزل المسألة في: هل أنت مع أو ضد حق المسيرية في التصويت في الاستفتاء؟!. إن توفر الحنكة السياسية وتوفر سعة الأفق، من المفترض أن يمنحا الساسة قدرات، ربما أشبه بقدرات زرقاء اليمامة، في إستقراء المستقبل والإقتراب من الحلول الصحيحة، في حين أن غيابهما يمكن أن يجرح المسيرية جرحا نفسيا، مثل الذي حدث لأهلنا في حلفا بعد التهجير، أو يدفع بالقضية إلى واقع أشبه بقضية فلسطين.
ولكن، إبتداءا، هل الاستفتاء، وفق قانون الأغلبية والأقلية، هو الحل المناسب لهذا النوع من القضايا المعقدة؟ صحيح إن آلية الإستفتاء حسمت صراعات إقليم الكويبك مع الدولة الأم كندا. ولكن، ذات الآلية قد لا تصلح لحل أي مشكلة بين الرحل والمزارعين في منطقة أبيي، بل وقد تزيد الأزمة القائمة تعقيدا. إن التعايش السلمي لا يحققه إلا الرضى السياسي، والرضى السياسي لا يتحقق إلا بمشاركة الجميع، وبرفض واعي لقانون إن الأغلبية هي أسد الغابة الذي يحق له إمتلاك القرار النهائي. لنأخذ، كمثال، دولة بوروندي، هذا البلد الذي إصطبغت أنهاره ووديانه فعلا بدماء وأشلاء سكانه المصطرعين. يمثل الهوتو 85% من سكان بوروندي، والتوتسي 14% وقبيلة توا 1%. ولكن، حتى تخرج بوروندي من دائرة المجازر الدموية، كان لا بد من وضع صيغة عادلة، ربما غير تقليدية، للمشاركة السياسية ولإقتسام السلطة والثروة في البلاد. وبالفعل، ومن خلال إتفاق أروشا للسلام والمصالحة (2000)، وبروتوكول بريتوريا حول إقتسام السلطة (2004)، توصلت الأطراف المتصارعة في بوروندي إلى مشاركة جميع الإثنيات في الحكم بنسب 58% للهوتو، و39% للتوتسي، و3% للتوا. ومن الواضح أن هذه النسب لا تعكس نسب التواجد الديموغرافي لكل محموعة في البلاد. وفوق كل ذلك، توافق الجميع على عدم إجازة أي قرار إلا بنسبة الثلثين. بمعنى آخر، فإن ?الأغلبية/أسد الغابة? يجب أن تفهم أن عهد ?الأرنب لفطورك والحمار لغداءك والظبي لعشاءك? قد إنتهى وولى زمانه.
مجلس الأمن، الأفريقي أو الدولي، لا يستطيع رؤية التفاصيل الدقيقة كما نراها نحن. ونحن، هم
من تقع عليهم مسؤولية تقديم الحلول البناءة التي قد تقنع، أو تجبر، المجتمع الدولي على تجنب فرض الحلول المعلبة، والتي هي دائما موقوتة وهشة وسريعة الإنهيار. وكما هو معروف، فإن الصراع الذي يظهر على السطح كخلاف بين المزارعين والرحل، قابل للإنحراف إلى تفريعات كثيرة، من نوع صراع عرقي بين المسيرية ودينكا أنقوق، أو صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين ومعتقدي الديانات الأخرى. ووقتها لن نعرف كم من الدماء ستهون على المجموعات المتصارعة. ومن هنا، وفي ظل الفشل الذريع لحكومة المؤتمر الوطني في إدارة الأزمة، لا بد من دور مبادر للحركة السياسية السودانية، بحيث يمتنع قادتها عن الإكتفاء بدور المتفرج أو المراقب، ويشكلوا منبرا للتواصل المباشر مع المسيرية ودينكا أنقوق، وينخرطوا مع قيادات القبيلتين في حوارات مباشرة تتناول عددا من الخيارات والمبادرات، بما في ذلك رعاية لقاءات مباشرة بين قيادات المنطقة، دون تدخلات من الخرطوم أو جوبا أو المجتمع الدولي. وإذا ما أسفرت هذه اللقاءات عن إتفاق ما، فليس أمام الخرطوم أو جوبا أو المجتمع الدولي سوى مباركته ودعمه، إلا إذا كان لأي منهم أجندة خاصة بعيدة عن مصلحة السودان ومصلحة أهل المنطقة. وعموما، نحن نرى أن أي مجهود، أو مبادرة، من أجل حل الأزمة في أبيي، لا بد أن يضع في الإعتبار النقاط، أو المبادئ الأساسية التالية:
1- مراعاة مصلحة الانسان في المنطقة، بصرف النظر عن كونه مسيري أو دينكاوي، أوخلافه.
2- إسقاط معيار أن الأغلبية لها حق التكويش في كل شيء. وحديثنا هنا موجه إلى المسيرية والدينكا على حد السواء: دينكا أنقوق يرفضون الاعتراف بحق المسيرية في التصويت خوفا من تسرب ?حق الأغلبية? من بين أيديهم. والمسيرية يناضلون من أجل حق التصويت لأنهم يضمنون الأغلبية التي تكتسح غيرهم.
3- حكومة الشمال وحكومة الجنوب، ترفعان أياديهما عن القضية، بمعنى عدم ربطها بالملفات الأخرى
الخاصة بالقضايا العالقة بين البلدين، كالنفط والحدود والحريات الأربعة?الخ.
4- البحث عن أفضل صيغة تتيح التوافق حول رسم حدود واضحة للمنطقة، بحيث لا تؤثر علي العلاقات الأزلية المتداخلة بين القبيلتين. وفي هذا السياق لا بد أن نضع في الاعتبار قرارات محكمة لاهاي الدولية.
5- كل الخيارات توضع على الطاولة، للتحاور حولها ومحاولة التوصل لإتفاق مرضي وفق آلية التنازل هنا مقابل تنازل هناك. والخيارات كثيرة، منها: التقسيم، منطقة تكامل، منطقة حرة بإدارة مشتركة وبإستقلال ذاتي ومسافة واحدة من الحكومتين، تنفيذ قرار محكمة لاهاي مع التعويض المجزي للمسيرية عن فقدانها لحقوقها التاريخية في منطقة أبيي مقابل تسهيل دخولها إلى مراعي الجنوب والخروج منها، وتعمير أراضيها شمال المنطقة بحيث تتوفر فيها المياه والمراعي طيلة ايام السنة.
6- توفير الضمانات اللازمة من جميع الاطراف، المحلية والإقليمية والدولية، لتنفيذ ما يتفق عليه، على أن يشمل ذلك الإلتزام توفير الأمن والسلامة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي والخدمات الاساسية للمواطنيين بالمنطقة من تعليم وصحة ومياه وطرق وكهرباء?الخ.
أعتقد، من الممكن، بل ومن الواجب، السعي بكل الوسائل السياسية الممكنة حتى لا يتحول قرار مجلس الامن الأفريقي إلى قرار من مجلس الامن الدولي، غير قابل إلا للتنفيذ فقط،، مما يعني إستمرار التوتر، بل وربما إنخراط المسيرية في عمل منظم لمقاومته. وكما قلنا في البداية، فإن المسألة لا تخص المسيرية أو دينكا أنقوق وحدهم، وإنما كل السودان، شماله وجنوبه، معني بها.
الميدان
عزيزي/ د. الشفيع
أطعنوا الفيل، ولا تنشغلوا بظله.
إسقاط هذا النظم يُعالج تلقائياً كافة مشاكل السودان، وليس نمُشكلة أبيي وحدها.
مهدي إسماعيل
لازم لازم يسقط يسقط حكم العسكر فى فى السودان
I dont know wheather this Dr heard of Naivasha agreement or Abyei protocol or the Hague decision
بالنسبة لي الحل واضح كما الشمس في رابعة النهار. لدينكا نقوك الحق في التصويت، هذا حق تاريخي لا ينبغي المساس به، كما لا ينبغي أيضا وبنفس القدر المساس بحقوق المسيرية التاريخية من المرور عبر أبيي جنوبا في فصل الصيف بغية الوصول إلى المراعي في مناطق السافنا الغنية التي تقع في عمق اراضي دولة جنوب السودان. اسلوب حياة المسيرية يحتم عليهم هذا الترحال، فهم يذهبون شمالا (أي شمال أبيي) في الخريف تبعا للكلأ والماء. هذا الحق التاريخي في المرور لا ينبغي المساس به.