إلى متى”؟ تحول الأفراح إلى مآسٍ

الخرطوم ? نمارق ضو البيت

أول سلاح استخدم بغرض التعبير عن الفرح والبهجة في السودان، كان عقب سقوط أم درمان، عندما دخل اللورد كتشنر بالباخرة (ملك)، وأطلقت حينها 21 طلقة في سرايا الحاكم العام تخليداً لذكرى غردون باشا الذي ذبحه الأنصار، وكان الإنجليز يُطلقون الرصاص كُل عام احتفالاً بعيد ميلاد الملكة فكتوريا، ذلك في كل محافظات البلاد آنذاك مثل التاكا، كردفان.. الخ.

أعقب ذلك مشاركة الإنجليز للعمداء والأعيان في مناسباتهم بإطلاقهم بعض الأعيرة النارية، ومن غير المسموح في ذلك الوقت للعامة بإطلاق الرصاص في المناسبات، لأنه كان حكرا على الإنجليز، وشيئا فشيئاً سُمح للأعيان باستخدام السلاح في مناسباتهم.

في حقبة ما بعد مؤتمر الخريجين شاعت هذه الظاهرة وسط النبلاء وأصحاب السلطة، وأول حاكم منع استخدام الرصاص بمرسوم جمهوري في عام 1971م، كان الرئيس الراحل جعفر نميري، ومازال هذا الحظر سارياً إلى يومنا هذا، رغم خرق المواطنين له ما نجم عنه كثير من الحوادث.

توالي الطلقات

وفي هذا السياق، أفسدت رصاصات طائشة فرحة أحد الأعراس بأم درمان؛ ولم تكن تلك الحادثة الأولى من نوعها، التي حصرها التحري في خمس طلقات، إحداها اخترقت بطن سيدة في عقر دارها، بينما كانت تحمل طفلها الرضيع، نقلت إثرها للمشفى، والثانية وقعت داخل منزل آخر بالقرب من مجموعة أطفال لكنها لم تدركهم، أما الرصاصة الثالثة فاخترقت سقف إحدى السيارات مُحدثة ثُقبا كبيرا فيه، والرابعة أصابت سيدة أثناء مرورها بالقرب من العُرس، وسقطت الخامسة دون أن تصيب أحد بأذى، وفي مناسبة أخرى أطلق أحدهم طلقة نارية في الهواء وبعد قليل سقط أحدهم من سطح المنزل، اتضح فيما بعد أنه الكهربائي، وقد كان يقوم بتوصيل الزينة.

حوادث رصاص الفرح حوَّل كثيراً من مناسبات الفرح إلى كره مفاجئ، بسبب الرصاص الطائش الذي يزهق أرواح المعازيم على حين فرحة غافلة، ليس هذا فحسب، بل إن حامل السلاح في بعض الأحيان قد لا يُجيد استخدامه، لكنه يُصر على حمله بدافع (الفشخرة) ليس إلا، ما قد ينجم عنه إصابات غير مقصودة لكنها تكون كافية لقتل أحدهم دون قصد منه، وأفادنا بعض المواطنين أن أغلب مُستخدمي السلاح بإفراط في المناسبات هم أفراد نظاميون، معللين ذلك بأنهم يملكون تراخيص تحميهم من المساءلات القانونية، وتضاربت الآراء بين مؤيد ورافض لحمل الأسلحة وإطلاق العيارات النارية في الأفراح.

قضينا العرس في المشفى

يمكنك التعبير عن فرحك دون أن تؤذي الآخرين، هكذا ابتدرت تهاني فتح الرحمن، موظفة، حديثها واسترسلت من حق كل شخص التعبير عن فرحه شرط أن لا يقلبه ترحاً فيما بعد، (عيبو لي) الغناء والرقص والزغاريد، هي وسائل معبرة جداً عن المشاركة ومجاملة الآخرين في أفراحهم، بدلاً من السلاح الذي يُعد رمزا للحرب والدمار. وتستطرد محدثتي: ليس هذا فحسب بل أن البعض قد يتعمد قتل أحدهم متذرعا بستار رصاصات الفرح الطائشة وغير المقصودة، كما حدث في إحدى حفلات الزواج حين بيت القاتل نية القتل وارتكب جريمته في يوم العرس وسط ازدحام المعازيم، وبعد أن أردى المجني عليه قتيلا، قال إنه لم يقصد قتله ولولا وجود شهود لفر بجريمته.

ووافقها عبد المنعم محمد أحمد، تاجر، قائلاً: لا ينبغي على الناس الاستخفاف بالأسلحة مهماً ظنوها غير مؤذية، ففي زواج ابنة أختي استخدم جارنا (خرطوش صيد) بدل المسدس، ليعبر به عن فرحه لحظة عقد القِران، وفي أثناء إطلاقه للقذائف (ركنت) إحدى الرصاصات داخل الأنبوب، بعد لحظات خرجت الطلقة لتستقر في عمود من الخشب، ومن ثم انفجرت لتتناثر بقاياها والـ (الرايش) منها بين الضيوف، مما أسفر عن جروح بين المعازيم، وأحال فرحنا لكره، ولم نستمتع به لأننا قضينا اليوم مع المصابين في المشفى.

النظاميون أكثر استخداماً

مسدسات، بنادق، كلاشنكوف، وغيرها من أنواع الأسلحة تراها في مناسبات النظاميين وكل من له علاقة بهم، حتى تخال نفسك في ساحة قتال، هكذا ابتدر محيي الدين جابر ? خريج ? حديثه، وواصل قائلاً: ففي أفراح المواطنين العاديين لا يُستخدم السلاح بإكثار مقارنةً بمناسبات أفراد الأمن والشرطة، فقد شهدت زواج أحد الضباط الذي تفنن فيه زملاؤه بإطلاق شتى القذائف، حتى ظننتهم سيستخدمون مدفعية بعد قليل. ويستطرد جابر: يعد إطلاق الرصاص في المناسبات سلوكاً طبيعياً وطابعاً عاماً بالكثير من دول الشرق الأوسط، وفي بعضها يعد حمل السلاح نوعاً من الرجولة كما في اليمن وعُمان، وعلى ما أعتقد أن من يستخدمون الأسلحة في المناسبات يظنونها رجولة أيضاً، غير مراعين للضرر الذي قد تسببه.

وأضاف صديقه مصطفى عبد الرحمن، خريج، قائلاً: الأدهى والأمر أن بعض حاملي السلاح في المناسبات يكونون في حالة سُكر، على مرأى من الجميع، وقد شهدت عرسا كهذا، (ويدي كانت في قلبي) إلى أن توقف ذلك السكران الحيران عن إطلاق النيران في الهواء. وواصل: حتى لو أراد السكان الاستمرار في هذه العادة المؤذية، ينبغي لهم الاستعانة بـأشخاص في كامل وعيهم حفاظا على أرواح المواطنين.

أقصى مدى

وأفادنا مهند خالد السيد، تاجر وخبير فيها بحكم مجال عمله، أن بعض أنواع الأسلحة يصل مداها إلى عدة كيلومترات، وبالتالي فإن الطلقة يمكنها الانتقال من مربع سكني لآخر. ويواصل مُحدثي: وبعض الطلقات تصل لأبعد من 300 متر، علما بأن الـ 100 متر تساوي مسافة خمسة منازل، لذلك فإن استخدام السلاح في غير موضعه مُضر جدا، وقد يؤدي بحياة المعازيم والجيران، وأنا كـ تاجر أُحيط المُشتري علماً بدواعي استخدامه وطريقة تعميره وتخزينه، مع دليل إرشادات من ضمنها عدم استخدامه في المناسبات، وأن يستخدم كل سلاح في المكان والزمان المخصص له، كأن يُستخدم خرطوش الصيد في الصيد وحده.

في الغالب الأعم من يستخدمون السلاح في المناسبات هم النظاميين. ويستطرد: رغم عملي في مجال الأسلحة إلا أنني لم أقدم على استخدامه في مناسباتنا، ولا أسمح لأحد أن يُجاملني بطلقات نارية، لاقتناعي التام بأنها ظاهرة سالبة وينبغي أن تُقابل بالرفض من كل شرائح المجتمع.
اليوم التالي

تعليق واحد

  1. عمر البشير قبل شهور من سرقته للسلطة . كان يشارك بعض المسيرية اطلاق النار بيد وحدة من كلاشنيكوف . واصاب اكتر من شخص . وبالرغم من القتل احتمي بحرسه . وتحصن في القاعدة العسكرية في المجلد . ولانه كان المرشح الثالث لقيادةالانقلاب وكان محمدين الاول . ومات محمدين في الجنوب . قام وزير الدفاع وقتها فضل الله برمة والترابي والصادق بحمايته . ولم يطرد من الخدمةاو يقدم لمحاكمة بتهمة القتل الغير عمد . احد المصابين شابة ماتت مباشرة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..