مدرسة فى شكل مدرسة

بسم الله الرحمن الرحيم

تحقيق : أسماء ميكائيل اسطنبول

برغم التعمير والتشييد والتجديد الذي طرأ على الكثير من مدارس العاصمة القومية ،إلا أنني تفاجأت بأنه مازالت هنالك مدرسة فى شكل مدرسة فقط برغم وجودها فى وسط العاصمة القومية وفى منطقة معروفة للكثير من المواطنين، فعندما ذهبت اليها بناء للشكوى التي وصلت للصحيفة من مواطني الحي وطلبوا تسجيل زيارة لها و الوقوف على حال هذه المدرسة ، وعندها ذهبت سمعت وشاهدت الكثير فهذه المدرسة بها ثلاثة فصول على وشك الانهيار ومازال الطلاب يدرسون بداخلها !، وان بيئة المدرسة لا تسمح بان تكون مدرسة صالحة للطلاب رغم أن هذه المدرسة هى المدرسة الوحيدة بهذه المنطقة وهى منطقة الشاحنات ، والتي تقع جنوب السوق المحلي بالخرطوم حيث شملت مدرستيْ بنات وأولاد وهي مدرسة شيدت منذ تأسيس المنطقة وبالجهد الشعبي خصما من الرسوم التى دفعت لتعويض المنطقة وتحتوي أبناء المربعين ، ولم تكون حصريا على أبناء المنطقة فقط بل حتى المناطق المجاورة لها ،أمثال ابناء المصانع والزرايب وغيرها وبها اكتظاظ طلابي رهيب جدا ،وقد يتجاوز الفصل الواحد مائة طالب .. هذا ما سرده بعض سكان الحي

مظلة أمام كل فصل

فمنذ وصولي إلى المحطة على حسب الوصف اتجهت نحو الميادين التي تقود إلى المدرسة التقيت بأحد سكان الحي الذي سيرافقني فى هذه الجولة فشاهدت من على البعد منظر الطالبات فعندما اقتربت تفاجأت بأن سور المدرسة الأمامي منهدم تماما وتستطيع مشاهدة الطالبات وكل ما يجري داخل المدرسة فسألت: لماذا لم تكلف إدارة المدرسة نفسها بأن تقوم بوضع سياج ، ولو من الزنك لهؤلاء الطالبات ؟ وعندما اقتربت أكثر ، وجدت اليافطة التى كتبت عليها “وزارة التربية والتعليم مدرسة الفتح المبين” ملقاة على الارض والشيء الذي لفت انتباهي هو وجود زنك صغير موضوع أمام سقف كل فصل فى شكل مظلة ، ولكنه صغير جدا، فسألت رفيقتي هل هذه المظلات وقاية من الشمس أجابت وهى ضاحكة : هذا الزنك وضع فى حالة سقوط الفصل فتكون هذه المظلة مأوى للطالبات بدلا من الفصل!

طالبات يقمن بعمل العمال

قطع حديثنا صراخ بعض الطالبات اللائي اجتمعنحول شيء لم يكن واضح لي فى بداية الامر قالت رفيقتي هؤلاء الطالبات يتشاجرن فى المياه، وأثناء مشاهدتي لهن وتحركي نحوهن تعثرت قدمي داخل مياة آسنة مسودة اللون رائحتها كريهة فاعتزرت رفيقتي فقلت لها هذه فرصة حتى أشاهد هؤلاء الطالبات اللائي يتشاجرن فى المياه.. ألقيت التحية عليهن وكان البعض منهن يريد الشراب واثنتان من الطالبات يحملن اثنتين من باقات المياة التى فتحت من الأعلى ووضعت عليها حديدة فى شكل يد من اجل حملها فاستأذنتهن قائلة ممكن أغسل قدمي ؟ وكان هنالك طالبة تطلب من زميلاتها قائلة (نشرب وبعدين انتو أملوا الباقات ) فقلت لهن أليست لديكم أزيار أو كولر للمياه؟ رددن :لا ، وسألت صاحبة الباقات وأنتن ماذا فاعلات بهذه الباقات ؟ قالت نريد سقاية البناء فقلت لهم ومن أذن لكن قالتا : المدير ، فباغتهن بسؤال ألا يوجد عمال؟ قالتا لا ، وكان البعض منهم ملتفا نحو أحد الخالات اللائي يقمن ببيع بعض المكسرات من فول وتسالي وشطة وعجور وأشياء آخري

روائح كريهة وقاذورات

وعندما تجولت خلف المدرسة وجدت شيئا رهيبا خاصة السور الجنوبي للمدرسة (بنات وأولاد ).. كان هنالك شبه مجرى محازٍ تماما لسور المدرسة وبها مجموعة كثيفة جدا من الحشايش وبعض الاشجار والأوساخ والقاذورات وروائح كريهة فوضعت طرف الطرحة على أنفي تفاديا لهذه الروائح النتنة ، فسألت: كيف يستطيع الطلاب تمضية اليوم الدراسي مع هذه الروائح الكريهة ؟ لم تعقب ثم قالت : خذي حذرك واشارت نحو حفر ، قائلة : سور المدرسة هذا كله عبارة عن حمامات تهدمت وهذه الحفر حمامات، وشاهدت جزءا من سور المدرسة فى ذات الاتجاه منهدما ووضع عليه بعض الطوب (ليس مشيدا والآخر ساقط على تلك الحفر ) ثم قالت انظري لهذا الشق .. وـشارت بيدها نحوه ..قالت:هذا هو مكتب مدير مدرسة الأولاد ومكان هذا الشق وضع عليه من قبل فترة عصا حتى لا ينهار ولكن يبدو أنها أزيحت فمن هنا تبدأ مدرسة الاولاد فعندما اقتربت كان سوره مثل مدرسة البنات: ذات الاوساخ ، فوجدت بوابة المدرسة تفتح على الجهة الغربية وأن هنالك مجموعة من الطلاب خارجين فنظرت الى الداخل وجدت مضخة للمياة ولكنها جافة ولحظت وجود خيمة منصوبة قالت رفيقتي هذه الخيمة فصل دراسي فشاهدت وجود فتحات على طول امتداد المدرستين فى شكل بوابة ولكن لا توضع عليها أبواب

تخلو من الحمامات

ففى اثناء تجوالي هذا قابلت ثلاثة فتيات خرجن من احد المنازل المجاورة للمدرسة متجهات نحو احد الثغور (الفتحات )لكي يذهبن من خلالها الى داخل المدرسة ,ألقيت التحية عليهن وكنت فى حالة سؤال :أنتن معلمات ؟ اجابت احدهما بنعم فباغتهنّ بسؤال فى شكل مزحة قائلة يبدو آتيات من الحمامات على مايبدو لي! قلن : نعم .. أليست لديكن حمامات فى المدرسة ؟ ردت أحدهما قائلة بدأ الحفر فى بئر الحمامات وعندما ذهبن سألت رفيقتي وأين تذهب الطالبات ؟ أولا هذه الحمامات لها فترة طويلة منهدمة ولا تصلح للاستخدم والطالبات ليس لديهن مكان يذهبن اليه يظلن بهذا الوضع إلى نهاية اليوم الدراسي فقلت لها لابد من مقابلة مديرة المدرسة لتوضيح بعض الأمور قالت خذي حذرك فهى صعبة! استودعتها وتحركت نحو الجهة الامامية التى تخلو من السور فحاولت استراق النظر إلى داخل الفصول فلم استطع ..رجعت مرة أخرى إلى مكتب المديرة

أحذية أمام المكتب

فأول ما لاحظت له قبل الدخول إلى المكتب وجود أحذية أمام المكتب فكل شخص يدخل المكتب لابد من خلع حذائه حتى لا يتسخ المشمع (على ما يبدو لي) ففعلت كما فعل من كان بداخل المكتب ثم ألقيت التحية على ثلاث معلمات : اثنان كانتا فى حالة انشغال بغسل حبات من التمر .. سألت :أين المديرة ؟ ردت إحدى المنشغلات :أنا المديرة ..عرفتها بشخصي قالت وانا الاستاذة فاطمة قالت مرحب بالصحفية ولكن ممكن أن أتأكد من البطاقة فاعتذرت لها قائلة من المفترض أن أخرجها قبل ان تطلبيها .. ردت: لا ضير.. وعندما استخرجت البطاقة ظلت فى يدها فترة وكانت تكرر اسمي سائلة اسمك غريب ! ثم قالت قبيلتك شنو ومن أي منطقة ولماذا هذا الاسم بالذات وبعد هذه الاسئلة قالت خير يا الصحفية.. جايانا لشنو؟ لخير .. جذبني سور المدرسة المنهدم فهل الأمطار هى السبب ؟ ردت وهى شاكرة المولى عز وجل قائلة : الحمد الله ربنا يجعلها أمطار خير وبركة فالأمطار كانت هى السبب في إسقاط سور المدرسة ..ثم باغتها بسؤال : لكن الأمطار حتى الآن تجاوزت الشهرين فلماذ لم تقم ادارة المدرسة بمعالجات من أجل بناء هذا السور مثلا ؟ نظرت لي ثم قالت : نحن الحمد لله كل الجهات وصلت المدرسة ووقفت على حالها سواء كانوا مسؤولين أو منظمات طوعية و خيرية.. كل الجهات جاءت الى المدرسة

مياة أبو ستة

إذا كانت كل هذه الجهات الطوعية والخيرية والمسؤولين وقفوا على حال المدرسة ،إذا أين النتائج لم تكون ظاهرة على المدرسة ؟ ردت وهى منفعلة جدا قائلة : الحمد الله نحن رضيانين كل الرضى وما شرطًا انتي تشوفي النتائج .. ثم باغتها بسؤال آخر : زيارة الجهات المسؤولة أكملت الثلاثة شهور؟قالت إنتي عايزة تصلي لشنو بالضبط ؟ كل الذي أريده أن تكون هنالك معالجات لهذه المدرسة.. قالت الزيارة جاءت قبل العيد بكذا يوم ، حتى إذا قلنا نتابع الفرصة غير كافية نسبة لإجازة العيد ..

أثناء مروري شاهدت كمية من الأوساخ والنفايات والحشايش الصغيرة خلف المدرسة وروائح كريهة لماذا؟ردت بلهجة اكثر حدة أولا الناس بتدخل البيوت من الأبواب وليس من الشبابيك ثم ثانيا يا استاذة (كقت انتي جيتي وشوفتي وساختنا جاية تسألي لي؟ ما كان تكتفي بالإفادات من الخارج؟ ما كان تصليني ) فأجبتها بكل برود : كنت عابرة سبيل فشاهدت هذه المناظر وشاهدت أيضا فتحات على طول امتداد مباني المدرسة.. تابعة لشنو ؟ بتقصدي نفاج ووجدت طالبات يشربن من خرطوش مياه موضوع على الأرض الم تكن لديكم كولر للمياه أو أزيار؟ حركت أصابعها الاثنين السبابة والوسطى قائلة: لدينا اثنان (وكانت تأكل فى البلح وأنا كذلك) من الكولر ، ولكن فى الصيانة ثم ثانيا لا ضير إذا شربت الطالبات من خرطوش المياه، فعندما كنت طالبة فى الجزيرة كنا نشرب من مياة أبو ستة ، ونعمل كدة للمياه (حنت رأسها على الطاولة التي كانت أمامها ثم نفخت الهواء ثم نشرب المياه )

فصل في شكل خيمة

فسألتها : المدرسة المجاورة لكم هذه مدرس أولاد الخيمة الموجود دي بتاعت شنو؟ هل فصل أم ماذا ؟ ردت (والله أنا ما عارفة ..أنا ما بقدر أجاوب ليك امشي مدرسة الأولاد واسألي المدير) قطع حديثنا المعلم الذي كان يجلس فى المكتب قائلا : ممكن أن تسمحوا لي بكلمة ؟ قلنا له اتفضل ..ولكن إذا تحدثت سيكون حديثي لازعا ..إذا كان فى المصلحة لاضير قال :أنا اولا معلم منذ فترة طويلة ، ولكن تركت التعليم وطول عمري أبحث عن فرصة حتى تجمعني بصحفي والان وجدت هذه الفرصة فنحن المعلمين مهمتنا نربي ونعلم النشء ونلقنهم العلم وننور عقولهم ونزرع فيهم الوطنية ولكن أنت يا أستاذة الصحفية (وذكر اسمي كاملا) أريد أن اجري معك لقاء صحفي واستخرج ورقة وقلم ثم دون اسمي مرة أخرى وبصوت عالِ، ثم قال أريد أن توضحي لي ماهو دوركم أنتم كصحفيين ونسمع بالصحافة والصحفيين ماذا تعني بالضبط ؟ ويعني شنو العمل الصحفي ؟ قلت له :أنت كمعلم ماذا تعتقد فى رأيك ما هو دور الصحفي ومهمته الأساسية شنو؟

طرد بطريقة ظريفة

وهنا قطعت حديثنا المديرة فاطمة قائلة ثم رفعت كفة يدها إلى أعلى ثم وضعت أصبعها أسفل الكف ( بمعنى نقطة نظام ) قائلة ممكن تسمحوا لي يا أستاذة ؟ جدا اتفضلي الأستاذ يقصد أهدافكم كصحفيين شنو ؟ أجبت لها وأنتم استاذة رأيكم شنو؟ ماذا تعتقدون ؟ أراد المعلم الحديث قاطعته مرة أخرى المديرة وكررت ذات الحركة (نقطة نظام )ثم قالت يا أستاذ الاستاذة ردها واضح ثم قال المعلم فهمت ماذا تقصد المديرة ؟ وقلت له وأنا كذلك فهمتك وفهمته، فلذلك كانت إجابتي بسؤال وعندما أتيت إلى هذه المدرسة من أجل مهمة معينة وليست من أجل القيام معي بحوار .. فإذا كانت لديك الرغبة بالجد وتريدبن إجراء حوار معي تفضلي إلى مقر الصحيفة وستجديني ان شاء الله جاهزة لأي سؤال .. ثم قال المعلم: لدي بعض المواضيع التي أريد أن أملكها لك واذا قمت بها سوف تصبحين صحفية مشهورة ويشار إليك بالبنان قاطعت حديثه مرة أخرى المديرة فاطمة : يا أستاذ ممكن أن تترك حديثك هذا.. فقلت له فرصة طيبة يا استاذ قال الاستاذ ممكن رقم هاتفك وعندما اراد إعطائي رقمه رفضت المديرة بكل إصرار وقالت هو أخذ رقمك وسيتصل بك .. فقلت لها: فرصة طيبة يا استاذة فاطمة ، ولكن اريد ان اقوم بجولة داخل المدرسة قالت : لا يمكن.. ثم نادت المعلمات قائلة يا أستاذات وصلن الصحفية إلى خارج المدرسة (طرد ) فقلت لها شكرا كتيرا ولكن لا أحتاج إلى توصيل ثم تحركت نحو مدرسة الأولاد فلم أجد شخصا .. تجولت داخل المدرسة ولكن لم أجد شيئا ثم خرجت

إقطاعيات موزعة على الكوادر السياسية

ثم التقيت بعمار هاشم، رئيس اللجنة الشعبية سابقا، الذي ابتدر حديثة وكان منفعلا جدا قائلا : في الأصل التعليم فى منطقة جنوب الحزام عبارة عن اقطاعيات موزعة على حسب الكوادر السياسية والتي تنتمي إلى جهات معينة والدليل على ذلك أنه لا يوجد أي تطور سواء على مستوى التعليم أو البيئة التعليمية والشيء المؤسف أن الأساتذة فى جنوب الحزام جزء من الأزمة التعليمية نسبة للعقلية المتحجرة وضد أي فهم تجديدي ..هذا على المستوى العام أما على وجه الخصوص فقد شاهدت بعينيك أن البيئة الخدمية فى مدرسة الفتح المبين منعدمة تماما ولا يوجد إجلاس ولايوجد فصل واحد به تهوية وهنالك ثلاثة فصول آيلة للسقوط تماما و أهم مقومات الحياة التى تتمثل فى المراحيض لا توجد ، بالرغم من أن هنالك ضغوطا مالية مكثفة تفرضها إدارة المدرسة على أولياء الأمور من اجل تحسين بيئة المدرسة ولكن كما شاهدتِ فلايوجد أي تجديد ومن المفترض أن المديرة فاطمة أن تملك الإعلام الحقائق وليس إخفاءها من أجل مساعدتها ..ولكن يا أستاذ عمار، لقد ذكرت المديرة بأن كل الجهات المسؤولة والطوعية والخيرية وصلت المدرسة ووقفت على حال المدرسة ؟ هذه الزيارات التى سجلت للمدرسة عبارة عن زيارة ودية واعلامية فقط مثل زيارة الاهل والاحباب وهذا غير مشكلة دخان المصانع الذي يعاني منه الطلاب عندما يندفع نحو المدرسة ويتسبب فى اختناق مكثف للطلاب، ولكن مشكلة المصانع هذه أحبطنا منها أاننا اكتشفنا أن هذه المصانع دولة داخل دولة في السودان ونحن ?المواطنين- لا نستطيع محاربة الدولة برغم وجود كل الإثباتات التى تؤكد مخالفة هذه المصانع .

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..