د. حيدر إبراهيم علي… و تهافت نظرته المستقبلية (1)

د. حيدر إبراهيم علي… و تهافت نظرته المستقبلية (1)

ما من شك أن د. حيدر إبراهيم علي يعتبر واحداً من أبرز المفكرين الذين أثروا في كل الجوانب السياسية و الاجتماعية في السودان و ذلك من خلال مؤلفاته العديدة و المتنوعة في هذه الحقول المعرفية، و لكن الملاحظ في كتاباته هذه الأيام هو توجهها الناقد لمشروع (السودان الجديد) و جدلية (الهامش و المركز).
و التي يرى فيهما دعوة للعنصرية الصريحة بين أبناء الوطن الواحد كما قال، و هو قد اتخذ موقفه الصريح هذا بعد أن تفجرت أزمة الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال و التي في رأيه فضحت نوايا دعاة (السودان الجديد) و أهل (الهامش) و رؤيتهم للآخر المختلف عرقيا بشكل عنصري حتى و إن كان متفقا في الرؤى والأحلام، بل و حتى إن كان رفيقا في النضال ك(ياسر عرمان) و الذي قد اتخذه نموذجا.
فهو يظل من الجلابة في نظر أهل الهامش طال الزمن أو قصر.
و لكن ثمة قصور في رؤية الأستاذ لهذه المشاريع و كذلك ثمة تحامل على مكونات (الهامش) و التي تجلت في عبارة مثل (و لقد حكم الزنوج في هذه البلاد في فترات مضت و كانوا قد اذاقوا المكونات العربية كل صنوف العذاب طوال فترات حكمهم ).
يورد حيدر إبراهيم علي مثل هذه العبارة كأنما يريد بها تبرير الوضعية القائمة.
و لقد كان موقفه الناقد مشحونا و متوترا و شابه شيء من غضب ربما ظل عالقا لسنين كما قالها.
و انتظم الأستاذ خطا هتريا يتنافى مع خلقية و موضوعية دعاة الديمقراطية و الذين لابد و أن يتمتعوا بشيء من الثبات الانفعالي و كذلك التجرد من كل ما يجعل النقد غير موضوعي و ذاتياً إلى حد كبير، فطفق هو نفسه يمارس العنصرية و نحن لا نعلم هل مارس ذلك بوعي أو بلا وعي.
فوصف الآخرين بأبقار الهامش المقدسة، و كذلك برماة الحدق، و وصف كلامهم بسقط القول.
(و لكن ما يجعلنا نضرب اخماس في اسداس هو أدراكنا أنه واحداً منهم (أي داعي و منظر للديمقراطية)
و لكننا سنتجاوز كل هذا الهتر الممنهج الذي مورس من قبل الأستاذ و الذي لا نستطيع حصره و عده في مقالانا هذا و الذي جعل دعاة الدولة الاسلاموعروبية يهللون و يتقافزون فرحا بعد أن ماتت الرؤية كما قالها إبراهيم محمود حامد و ذلك بتحرير شهادة وفاتها على يد الأستاذ.
قد يقول البعض أن هتر الأستاذ له مبرراته و ذلك لأن بعض المداخلين كانوا قد سبوا الأستاذ و هذا جعله يشتط غضباً و بالتالي أصبح كما الثور في مستودع الخذف، و إذا كان الأمر كذلك فما الذي يجعل ردة فعل أهل الهامش غير مبررة؟
فبلا شك أن القلق الوجودي الذي يعتريهم منذ سنوات طوال (الهامشيين) كما سماهم في هذا الوطن الكبير جعلهم في حالة من الشك الوجودي و الذي حتم عليهم ضرورة رفع رايات النضال من أجل البقاء.
و انت لست منهم(حيدر إبراهيم علي) بكل تأكيد فأنت تبحث عن تحقيق ذاتك بينما هم يبحثوا عن تقدير الذات و بالتالي فإن اختلاف الدوافع و الحاجات يجعل من اختلاف أدوات النضال واردا.
و لأنهم لا يرون أنفسهم في مرآة الوطن و التي تعكس صورة شخص واحد فقط بالرغم من وجود عدد من الأشخاص في ذات الوقت و أمام ذات المرآة.
و كثيرا هي الشواهد التي تثبت صراع الثقافة و جدلية الهامش و المركز و لنورد لك بعضاً منها :
أولاً الشخصية السودانية: (محمد أحمد)
و الذي يحمل في طياته نموذج ادلجة واضحة لكل شخص إلا مكابر.
فمحمد هو اسما عربيا مبين و كذلك أحمد
و هذا الترميز لا يعترف بأي شكل من أشكال التعدد الثقافي او الديني حتى.
بالرغم من وجود (اوهاج و كوكو و دينق سابقاً و يارو عند الهوسه) و غيرهم كثر.
إلا أن الرمزية كانت محمد أحمد فقط و أحد لا غيره.
فلماذا محمد أحمد بالذات؟ و ما الذي يرمي إليه هذا الترميز؟
و ثانياً (العمة و الجلابية) كزي قومي :
نرى ذلك في كل المناسبات الدولية و العالمية من أولمبياد و غيرها و لكن الملابس و الأزياء لطالما كانت تعبر بالضرورة عن البيئة (environment) و كذلك هي إحدى منتجات الثقافة (منتوج مادي) و الذي يقابله (منتوج معنوي) مثل الشعر و الغناء و الحكم و الأمثال و القصص.
و إذا افترضنا ذلك فإن السودان تتعدد فيه المناخات و كذلك الثقافات و بالتالي فإن عملية إختيار الزي القومي متمثلا في العمة و الجلابية يعطينا انطباعاً أن الاختيار كان اختيارا ممنهجا و يصب تلقائيا في منبع العروبة والإسلام.
دون عملية انتخاب طبيعي( يتمثل في جدلية الثقافات و ذلك من خلال التلاقح بينها) او إنتقال سلس او تبني بشكل إرادي من قبل المكونات الثقافية الأخرى.
ثالثا محتويات المناهج الدراسية و التعليمية :
حتى عندما درسنا كنا نشعر بأن هناك ثمة ظلما اجتماعياً وقع على مكونات بعينها إلا و كيف يشعر (منقو) بأنه في حاجة الى الإنفصال و الخطير ان (منقو) لم يكن إلا (صديقنا) بينما في العراق و فلسطين اخوة لنا.
هل هي أزمة هوية كما قلت و التي انبنت عليها جدلية الهامش و المركز؟
فإن كان علينا أن نسلم جدلاً بهكذا فرضية فإننا بحاجة إلى مبررات للأمور أدناه
فلماذا لم ندرس شينوا اشيبي؟
و لكننا درسنا امرؤ القيس، و لما لم ندرس سينكارا و لكننا درسنا يزيد بن معاوية بالرغم من……..
و كيف لم ندرس معارك السبعة و عشرون رجل و إمرأة (معركة السلطان عجبنا)؟
و لكنا درسنا معركة بدر،
و من تستحق لقب البطلة أكثر من الأخرى هل هي مهيرة بت عبود و التي قطعت بعض المسافات جريا على الأقدام؟
أم مندي بت السلطان و التي قاتلت في صفوف الجيش و كانت قائدة و مسؤولة عن جبهة كاملة و ظلت تقاتل لأيام و ابنها المحمول على ظهرها كان في اعداد الموتى طوال فترة الحرب ؟
و ما الذي جعلنا لا نعتز يوما بالمقدوم مسلم عندما قاوم الأعداء (إسماعيل باشا و جيشه الجرار)؟
و لكننا في نفس الوقت ظللنا نعتز بالذي حارب نفس العدو و دافع عن ذات الأرض و الوطن المهدي (محمد أحمد).
و كيف يستقيم أن يكون معيار الرسوب او النجاح في الشهادة السودانية مرتبطاً بمادتي القرآن و اللغة العربية؟
ما هو الموضوعي في جعل واحداً من تجار الرقيق بطلا قوميا (الزبير باشا رحمة)؟
بالرغم من أن دواخل أغلب مكونات المجتمع تغلي كالمرجل عند زكر إسمه. ً
ما الذي يجعل وردي و النصري فنانون قوميون؟
بينما دوشكا و البدري و أركا و جاموس و كنجه ليسوا كذلك.
لماذا لا تزكر دارفور او الجنوب سابقاً و إلا تبعهما كلمة حبيب؟
فلماذا دارفورنا الحبيب؟
و لما لا مروينا الحبيب؟
هل في مصطلح حبيب تعويضاً حنانيا او إعتذار مبطن لإنسان تلك المناطق؟
أم أن التهميش مناطقي؟
إن كان كذلك فإن المنطقي أن يكون هناك اعتذار لكل المناطق بشكل متساوي.
ما الذي يجعلنا ندرك أن ثمة تنوع و اختلاف و شاشات المحطات الفضائية تنضح بكل أنواع الأحادية المبتزلة.
ما الذي يتضح لنا جليا حينما ننظر إلى التجانس العرقي المريب لكل المشردين و أطفال الشوارع و المتسولين و عمال الأعمال الشاقة.
كيف يتقبل عقلنا منطق التشابه و التطابق العرقي والديني الكلي لكل من يتواجد في قيادة الجيش و الشرطة و قادة أجهزة الدولة و كبار التجار و الرأسماليين بالرغم من وجود كل أشكال التعدد و التنوع الثقافي، هل عمل أفراد من اثنيات معينة كجنود في الجيش له مبرراته؟
و أخيراً من هم رماة الحدق؟ و لماذا شبهت الذين نقدوك برماة الحدق؟ هل في ذلك معنى بعيد و مستبطن؟ و هل يعني ذلك أنك لا تفخر برماة الحدق؟
هل فعلاً قليلين هم الذين يفخرون برماة الحدق؟
هل تشعر بالغضب اتجاه رماة الحدق؟
إن كنت كذلك فمعنى هذا ان هنالك صراع ثقافياً يتمظهر هنا.
و ما هي الإشكالية التي تجعل عالماً من علماء الاجتماع و الذي يدعونا الي تبني روح وطنية خالصة يسخر من تاريخ نضالي مشرف لاحفاد ذات الذين يدعوهم الي الوطنية؟
و نحن لا نورد هذا المقال الا كمقدمة فقط لنقدم بعدها نقداً أكاديمياً لنقدكم الموسوم بتهافت جدلية الهامش و المركز و مشروع السودان الجديد فترقبنا.

متوكل دقاش
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لفتة رائعة..”فلسطين الشقيق..ومنقو الصديق”. هكذا باسم الإسلام تم تنميط الجميع حتى أهلنا تحت القصف تجدهم يدافعون عن فلسطين ويتناسون أطفالهم وجيرانهم الذين قتلوا أمام أعينهم. كل هذا بسبب إتخاذ الدين والعرق المزيف كهوية تطغى على الوطنية والإنسانية. أخي…معظم, ولا أقول كل المثقفين لديهم معيار للوطنية والأخلاق والحقوق بمرجعية إسلاموعروبية لا علاقة لها بالمنطق والحقائق وما توصلت إليه الإنسانية منذ بدء التأريخ.

  2. أحييييييك حتى الثمالة!ّ نعم يجب أن تتمايز الصفوف ويكون الصراع على المكشوف
    من هو مختلف يقف فى صف مختلف عن الآخر وبعدها فالتقوم القيامة وبعدها يعرفوا
    بأن الله واحد! فإن أرادوا أن يعيشوا فى هذا السودان ومع أهله الأصليين وبدون
    هوس النقاء العرقى وإعتبار ثقافتهم ضمن مجموعة الثقافات السودانية المختلفة
    وأن تعاد كتابة التاريخ من جديدوالإعتراف بمساهمة الآخرين ودورهم الريادى والبطولى فى صنع التاريخ
    أين مستشفى عبد الفضيل الماظ وأين جامعة على عبداللطيف ! بل وأين حى بعانخى
    أو متحف ترهاقا
    وهل سعت الدولة السودانية فى يوم من الايام بإستعادة أثارنا المنهوبة والمعروضة فى مختلف متاحف العالم؟
    تساؤلات غديدة ولن تنتهى أبدآ حتى كل واحد يقعد فى علبو!!!!

  3. لفتة رائعة..”فلسطين الشقيق..ومنقو الصديق”. هكذا باسم الإسلام تم تنميط الجميع حتى أهلنا تحت القصف تجدهم يدافعون عن فلسطين ويتناسون أطفالهم وجيرانهم الذين قتلوا أمام أعينهم. كل هذا بسبب إتخاذ الدين والعرق المزيف كهوية تطغى على الوطنية والإنسانية. أخي…معظم, ولا أقول كل المثقفين لديهم معيار للوطنية والأخلاق والحقوق بمرجعية إسلاموعروبية لا علاقة لها بالمنطق والحقائق وما توصلت إليه الإنسانية منذ بدء التأريخ.

  4. أحييييييك حتى الثمالة!ّ نعم يجب أن تتمايز الصفوف ويكون الصراع على المكشوف
    من هو مختلف يقف فى صف مختلف عن الآخر وبعدها فالتقوم القيامة وبعدها يعرفوا
    بأن الله واحد! فإن أرادوا أن يعيشوا فى هذا السودان ومع أهله الأصليين وبدون
    هوس النقاء العرقى وإعتبار ثقافتهم ضمن مجموعة الثقافات السودانية المختلفة
    وأن تعاد كتابة التاريخ من جديدوالإعتراف بمساهمة الآخرين ودورهم الريادى والبطولى فى صنع التاريخ
    أين مستشفى عبد الفضيل الماظ وأين جامعة على عبداللطيف ! بل وأين حى بعانخى
    أو متحف ترهاقا
    وهل سعت الدولة السودانية فى يوم من الايام بإستعادة أثارنا المنهوبة والمعروضة فى مختلف متاحف العالم؟
    تساؤلات غديدة ولن تنتهى أبدآ حتى كل واحد يقعد فى علبو!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..