المافيا تلاحق الكاتب الإيطالي روبارتو سافيانو بسبب رواية

منذ أن أصدر روايته ?غامورا? عام 2006، والتي فضح فيها جرائم المافيا في مسقط رأسه، مدينة نابولي، والكاتب الإيطالي الشاب روبارتو سافيانو يعيش متخفيا عن الأنظار، معزولا عن عائلته وعن أخلص أصدقائه، تحرسه فرق أمنية مدججة بالسلاح خشية أن تقوم العصابات بتصفيته جسديا كما هددت بذلك في أكثر من مرة.

العرب
حسّونة المصباحي

بسبب الخوف الدائم الذي أصبح يلاحقه في أي مكان يحل به، لم يعد قادرا على مواصلة الكتابة

في نصّ مؤثّر نشرته مجلة ?فانيتي فار? في عددها الصادر مطلع شهر أبريل 2015، استعرض الكاتب الإيطالي روبارتو سافيانو الأوضاع المأساوية التي يعيشها، وكتب يقول: أمضيت فترة شبابي ككاتب في ?كازيرتا? وهي إحدى ضواحي نابولي. وفي كلّ يوم كنت أشعر بمزيد من الغضب والحنق؛ فقد كانت مدينتي مسرحا لمواجهات بين أجنحة المافيا التي كانت أعمالها الإجرامية تملأ الشوارع”.

ويضيف: “كنت أريد أن أروي للعالم ما يحدث في هذه البقعة التي تدور فيها رحى الحرب: العائلات التي تفقد أبناءها، والتي تقوم بتمزيق ثيابها من فرط الحزن، ورائحة البول التي تقتل، فلم يعد بالاستطاعة التحكم في الخوف، وثمة من قتلوا خطأ لأنه تمّ خلطهم بآخرين”.

تهديدات بالقتل

يشير سافيانو أنه كان عليه قبل الشروع في كتابة روايته التي حصلت على شهرة عالمية واسعة، وحوّلت إلى فيلم أحرز على إعجاب الملايين من المتفرجين، أن يستجوب عمالا في المصانع التي تتحكم فيها المافيا، وأن يتعرّف على عملاء وحراس سريين يعملون لصالح هذا وذاك من زعماء المافيا، ويقوم بالاطلاع على ملفات قضائية وأمنية، ثم جمع القصص التي سمعها أو قرأ عنها في الجرائد، ليكون كل ذلك مادة أساسية لروايته المذكورة.

وبعد صدور الرواية، تلقى روبارتو سافينو تهديدات بالقتل سواء مباشرة أو عن طريق البريد.

ولما تفاقمت تلك التهديدات، قررت وزارة الداخلية الإيطالية تخصيص فرقة خاصة لحاميته، كي تقوم بحراسته في الليل والنهار. وحتى عندما يسافر خارج بلاده، تكون هناك فرقة أمنية في انتظاره.

حياة لا طعم لها

متحدثا عن أوضاعه، كتب سافيانو يقول ?منذ ثماني سنوات، وأنا مجبر على التنقل في سيارة مصفحة محاطا بسبعة من رجال الأمن، المدربين جيدا على استعمال الأسلحة، وأقضي حياتي بين ثكنات الشرطة وغرف فنادق أجهل أسماءها، لا أمضي فيها سوى ليال قليلة. وإني لا أركب القطار مطلقا ولم أعد أتنقل بواسطة الدراجة النارية مثلما كنت أفعل من قبل، ولم أعد أتجوّل في الشوارع، ولا أخرج لشرب البيرة. لقد أصبحت حياتي مقننة حسب الدقائق، ولم يعد هناك شيء منها متروكا للصدفة?.

ويواصل سافيانو قائلا: إنها حياة “… ” بأتم معنى الكلمة. وأظن أنه لا يوجد لها وصف أفضل من هذا. وقتي يتبدد بين أربعة جدران. والوسيلة الوحيدة للخلاص من هذا الوضع هو اللقاء مع الجمهور، كأن أساهم في حوار يتعلق بحرية الصحافة. ما عدا هذا فأنا محبوس في غرفة من دون نوافذ في ثكنة للشرطة. العتمة والضوء، ولا شيء بينهما حتى ولو بقعة رمادية.

يقول سافيانو بأنه حقق الحلم الذي يتطلع إليه كل كاتب؛ فقد مكنته روايته من شهرة عالمية وهو في عز الشباب، كما مكنته من أن يجوب العالم للتعريف بها، وللحديث عن القضايا والمواضيع التي احتوتها. غير أن كل هذا تبخر حالما بدأت التهديدات بالقتل تتهاطل عليه يوميا تقريبا محدثة الفزع في قلوب جميع أفراد عائلته، ولدى كل أصدقائه، وقرائه. وبسبب الخوف الدائم الذي أصبح يلاحقه في أي مكان يحل به، لم يعد سافيانو قادرا على مواصلة الكتابة. وكلما حاول أن يقوم بذلك، تتشتت أفكاره بسرعة، ويشعر أنه عاجز عن كتابة فقرة صغيرة.

لذلك يثور روبارتو سافيانو على نفسه أحيانا محملا إياها مسؤولية الحياة المأساوية التي أصبح يعيشها، والتي تحرمه من أن يكون إنسانا عاديا يتجول في شوارع نابولي، ويتناول وجبة سمك في مطعم على شاطئ البحر، ويسافر بالقطار من نابولي إلى روما أو إلى ميلانو ليستمع إلى حكايات المسافرين، ويستمتع بمشاهدة المناظر الطبيعية التي تتغير حسب الأماكن التي يمرّ بها.

ويضيف الكاتب الإيطالي سافاينو قائلا ?عندما يسألونني إذا ما كنت أخشى أن تقوم المافيا بقتلي، أجيب بلا من دون أن أضيف شيئا آخر.

وأعتقد أن جلّ الذين يطرحون عليّ مثل هذا السؤال لا يصدقون جوابي، ولكن تلك هي الحقيقة، أنا أخاف من الكثير من الأشياء، غير أنــني لم أعد أخــاف من الموت?.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..