أبناء الأفاعي!! (2)

٭ هناك أزمات اقتصادية شهيرة ضربت بعض البلدان فكانت كالزلزال الذي لم يهز النشاط الاقتصادي وحده بل ضرب كل أوجه الحياة فانفرط عقد الأسر واكتظت السجون بالناشطين اقتصادياً وانحطت الأخلاق.. حدث هذا في جنوب شرق آسيا عندما انهارت النمور الآسيوية.
٭ وما حدث في السودان لم يكن أقل بأي حال من الأحوال عما حدث في تلك البلدان من حيث الآثار الاجتماعية ولكن السودان لا بواكي عليه إلى أن ظهر عبد الماجد بذلك العمل المتفرد.
٭ هذا ما قاله دكتور البوني في مقدمة أبناء الأفاعي الذي يحكي قصص الاقتصاد المأزوم في السودان.
٭ الدكتور عبد الماجد مؤلف الكتاب يتناول ظاهرة الكرين كعامل أساسي في محاولة لسداد الديون بالطرق التي قادت وتقود إلى الكثير من المآسي الاجتماعية.. وتحدث عن سوق الكرين ذلك المجهول وعن مكونات عالم الكرين ومكتب بيع السيارات وسماسرة السيارات والمشترين للاستعمال الشخصي والباحثين عن التمويل والمشترين بغرض سداد المديونية.
حمدان الرمة وصل القمة
٭ غاص الدكتور عبد الماجد في عالم ظاهرات الأزمة الاقتصادية واسقاطات سياساتها وما أدت إليه من قلب موازين الأشياء وجاد بنماذج بعينها ومن ضمنها نموذج «حمدان الرمة وصل القمة» الذي فشل في أن يسلك الطريق المعلوم والطبيعي في الحياة عن طريق التعليم أو الزراعة أو التجارة فبعد أن فصله فكي الخلوة بسبب شغبه وعدم اهتمامه بحفظ القرآن.. وتعب أبواه من اهماله المتزايد في أي عمل يوكلانه له.. فشل في أن يكون راعياً لأغنام القرية أو حارساً لصهريج المياه فأطلقا عليه لقب الرمة وتركاه.
٭ وبعدها ذهب حمدان إلى محطة السكة الحديد وصار يبيع للركاب العابرين الحلوى والنبق والأمشاط ولكنه عندما كبر قليلاً استطاع أن يقنع الركاب بشراء «الرملة» التي يجمعها من قارعة الطريق على أساس انها «بركة» من ضريح أحد أولياء الله الصالحين ونجح في تسويق فكرته.
٭ وجاء المدينة فصار يتقاضى بعض العمولات من بائعي السيارات ثم صار صاروخاً وهي درجة أقل من السمسار في سوق الكرين ومهمته الأساسية أن يطارد العملاء المتأخرين في السداد في منازلهم فيخضعون تحت الضغط النفسي والتشهير لدفع المديونية ولو اضطروا لدفع هوامش ربوية أو اخضعوا للابتزاز والتجويك والبيع بطريقة الكسر ويتقاضى الرمة مقابل ذلك مبالغ تختلف باختلاف حجم المديونية وطريقة تحصيلها.
٭ وتوغل الرمة في هذا الطريق ومارس الاستيلاء على أراضي السكن العشوائي وبيعها للقادمين من الأرياف ودخل سوق الدولار وصار يتعامل في أسوده وأبيضه وفي البضائع الفاسدة والصالحة واحتك بشرائح أخرى في المجتمع على اثر النقلة النوعية فأضطر لاستعمال الكلمات الأجنبية مثل ثانكيو التي ينطقها شانكيو، وكلمة هاردلك التي ينطقها (هرطلك) وكلمة دولار التي كان ينطقها «دورار».
٭ وصار حمدان نجماً في المجتمع يدفع النقطة بالدولار وتغنى له بنات الحي في الأفراح بعد أن كن يغنين للمعلمين والأطباء والجنود البواسل.
٭ وامتطى الرمة كل أنواع السيارات الفارهة من الكريسيدا مروراً «بالڤي اكس آر» واخيراً اشترى منزله الثالث بمبلغ يقرب من المليار جنيه بعد أن تمكن من أن يودع بالسجن ثلاثة رجال أعمال وأربعة من المحامين وصيدليين ومهندساً وضابطاً بالمعاش كانوا يعملون في مجال تصدير الماشية واللحوم.
٭ وهكذا وصل الرمة إلى القمة فصار ممولاً لتجار الماشية واللحوم وأصحاب المصانع بعد أن كان بائعاً متجولاً بمحطات السكة الحديد وقاطرات الديزل والبخار ومواقف البصات بالأسواق الشعبية.
٭ هذا نموذج أتى به الدكتور عبد الماجد في كتابه أبناء الأفاعي للنتائج غير المنطقية للتطور بفعل الربكة التي حدثت في دنيا التجارة والأعمال.
أواصل مع تحياتي وشكري
الصحافة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..