مفتاح أديس أبابا.. في جوبا! 2

استعرضنا أمس جانبا من جهود سفير السودان السابق جمال الشيخ في تأسيس وضع متميز لبعثته في جوبا.. وكيف أن الدولة والبعثات المعتمدة فيها قد تحسرت على رحيل الرجل من هناك.. ربما فات علينا القول إن الشيخ قد نجح في توظيف أسس وضعها سلفه الدكتور مطرف صديق.. فبنى عليها وشاد قصورا من المكاسب والإنجازات.. لا لشخصه بل لبلاده.. مما كان يحتم على المسؤولين في رئاسة الوزارة أن لا يستغنوا عن كل هذا الجهد بجرة قلم.. سيما وأن السفير لم يكمل دورته الروتينية حتى.. وقد يقول قائل إن انتقال السفير.. أو نقله إنما فرضته أهمية الموقع الذي ذهب اليه.. وهو بعثة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا.. ولكن.. كان المؤمل في هذه الحالة أن تقيس الوزارة قياسا دقيقا بين المكاسب والخسائر.. الخسائر التي يمكن أن تترتب على انتقال السفير.. والمكاسب التي يمكن أن تحقق هناك.. ببساطة يمكن القول إن العديد من السفراء لهم من القدرات والخبرات والعلاقات ما يمكنهم من إدارة شأن السودان في الاتحاد الأفريقي بأفضل ما يكون.. ولكن سيكون من العسير أن تجد سفيرا يكسب ثقة الجميع.. مسؤولين وبعثات وسفراء.. في جوبا في ظرفٍ وجيز..! ليس هذا فحسب.. بل إن هذه العاصمة المضطربة.. والتي تتلمس الآن طريقها نحو الاستقرار.. تموج بحراك لا محدود.. وبإجماع المراقبين فالأحداث السياسية هناك متصاعدة بوتيرة متسارعة.. فرئيس الوزراء الإثيوبي تنتظر جوبا وصوله في أي لحظة وقد ودعت قبل يومين نائب وزير الخارجية المصري وحين يصل خلال أيام مجلس السلم والأمن الأفريقي.. في زيارة تقييمية لمدى تطبيق اتفاق السلام على الأرض.. لن يكون السودان هناك بثقله السابق.. والسودان ليس عضوا في المجلس حتى يمثل في الوفد.. ثم.. وحكومة جوبا تتلقى تحذيرا أمريكيا مدهشا في نظر البعض.. وهو ليس كذلك.. بضرورة إيقاف دعم الحركات المسلحة المناوئة لحكومة السودان.. نقول غير مدهش لأن البعض قد ظن أن واشنطن عينها على السودان وهي تحاصر حكومة جوبا.. ولكن.. صحيح أن حكومة الخرطوم تستفيد من الضغط الأمريكي على جوبا ولكن الصحيح أيضا أن واشنطن تعلم أكثر من أي جهة أخرى.. أن الخرطوم هي الأقدر على زعزعة استقرار جوبا إن تمادت الأخيرة في تهديد استقرار الخرطوم.. إذن واشنطن تعرض استقرار الخرطوم لا حبا فيها بل هي تشتري استقرار الدولة الوليدة التي ولدت على يديها.. وهذه المعادلة ليس أيضا ليس بعيدا عنها سفير السودان السابق في جوبا.. ثم.. وغير بعيد عن هذا.. يأتي الطلب الجنوب سوداني بمغادرة الحركات المسلحة لأراضيها.. ثم.. وغير بعيد عن كل هذا تشهد حاضرة دولة جنوب السودان في هذه الأيام سلسلة من اللقاءات والاجتماعات لقيادات وقواعد الحركة الشعبية لتحرير السودان.. الحزب الحاكم في جوبا.. ويعتقد كثير من المراقبين أن هذه الاجتماعات.. والتي تبدو أقرب للمؤتمر العام.. لهي ذات صلة وثيقة بتطورات الأحداث هناك.. ثم.. كثير مما يجري في أديس أبابا وفي أروقة الاتحاد الأفريقي وآليته رفيعة المستوى.. تجد مفاتيحه وأسراره في الواقع في جوبا.. ولئن كانت هناك دولة واحدة في هذا العالم حري بالسودان أن يكون قريبا منها فاعلا في أحداثها.. حاضرا في تفاصيلها.. فهي دولة جنوب السودان.. ولئن كانت هناك شخصية سودانية واحدة قادرة على فعل الكثير في هذا الصدد.. فهي شخصية السفير جمال الشيخ.. مع كامل الاحترام لسفرائنا الكرام
اليوم التالي