جاوز بعضها الستين عاماً وشكلت أذهان الكثيرين.. برامج هنا أمدرمان الخالدة ?ترياق ضد النسيان?

أمدرمان ? علي بلدو
منذ أن عانق الأثير صدى وصوت هنا أمدرمان مطلع القرن قبل الماضي، وانداحت في أجزاء السودان المختلفة أجواء الإذاعة من فن وغناء وشعر وسياسة وأخبار وثقافة وكافة ضروب الفكر والإبداع. منذ ذياك الزمان ارتبطت في الأذهان وبصورة جبرية وثابتة لا تتغير ولا تتزحزح عدد من البرامج ومقدميها ومعدوها وعلى الرغم من تجاوز بعضها الستون عاما إلا أنها لا تزال مسموعة ويشتاق لها الكثيرون ويديرون مؤشراتهم لأزمانها وكأنها وليدة اليوم وبنفس الشغف والإلفة.
دراسات في القرآن الكريم
كانت محاولة البروفيسور الراحل عبدالله الطيب تفسير القرآن الكريم باللهجة الدارجية البسيطة مبادرة رائدة لتوصيل فهم القرآن للعامة وبصورة سلسة ومبسطة، أعجب بها الكثيرون وتفقهوا من حيث لا يدرون، وصاحبه في ذلك المقرئ الشيخ صديق أحمد حمدون رحمه الله بصوته العذب وتلاوته المحببة، وقد كرمت الإذاعة البرنامج بإطلاق اسم الراحل على أحد الاستديوهات حاليا.
لسان العرب
لم يدر بخلد ابن منظور أن قاموسه لسان العرب سيقع بين يدي أديب ولغوي سوداني، ينحدر أصله من أشراف الجزيرة العربية، وهو سليل أسرة السراج المعروفة في الوطن العربي والسودان، الأديب الراحل فراج الطيب، والذي قدم السهل الممتنع وكسر حاجز الرهبة من اللغة العربية الفصيحة وآدابها وخلق حالة من المودة ما بين الشعراء الجاهليين والمعلقات والحكم العربية وما بين المواطن البسيط, وليس هذا فحسب بل صحح كثيراً من الأخطاء اللغوية الشائعة وبأسلوب فخيم ولغة جزلة، ساهمت في الارتقاء بالذوق العام.
ربوع السودان
برز برنامج في ربوع السودان كواحد من برامج المجتمع وارتبط بالراحل محمد البصيري، والذي كان يطوف بالمستمعين كل أسبوع في أرجاء السودان المختلفة مقدما نماذج من فنونها وشعرها وموسيقاها، وهذا ما أكسبه شعبية جارفة وساهم في تلاقح الثقافة والتعرف على أنماط مكونات المجتمع السوداني, ولدى البعض قناعة أن ما قدمه هذا البرنامج يوازي ما قدمته وزارة الثقافة في كافة عهودها.
حقيبة الفن
منذ أن كان يأتي أحمد محمد صالح عليه الرحمة متأبطا حقيبة الأسطوانات من غناء الحقيبة، ويقوم بفتح الشنطة، وهو يقول (الآن نفتح حقيبة الفن) ليسمع المتابعين صوتها وهي تفتح، ومن ثم يعلمون عن ديمتري البازار وشركة ميشجان واوليمبيا لتسجيل درر الحقيببة والأصوات الذهبية لمحمد أحمد سرور وزنقار وإبراهيم عبدالجليل وأولاد الموردة وشمبات وأندادهم من عبدالحميد يوسف والكاشف وسليمان الهاوي وكرومة وغيرهم من المبدعين.
ولاغرو اختيار الإذاعة مقدمة البرنامج شعار لها منذ ذلك الحين، وخصوصا بعد تناوب عدد من الأفذاذ على تقديمه منهم محمد خوجلي صالحين والمبارك إبراهيم رحمهم الله، وكذلك علي شمو وعوض بابكر مد الله في أيامهم.
دكان ود البصير
تأتي فلسفة هذا البرنامج على تقديم ملامح التاريخ السوداني بصورة درامية بسيطة وتلقائية وشكل الونسة في الحي والحلة، ووجود الموظف والعامل والزارع والشاب والكهل والعجوز، وبصورة عفوية يتم نقل المعلومات وتوضيح الحقائق والنقاش حولها مما يثري الذخيرة الجمعية ويقوي الوحدة والشعور الوطني, بمشاركة نجوم الدراما ومنهم الراحل ياسين عبدالقادر والجعفري, ويتألق فيه الآن الممثل القدير حاكم سلمان.
مسلسل الخامسة إلا ربع
ذكر شهود معاصرون أنه كان من المألوف في بداية الستينيات أن تخلو الشوارع من المارة بحلول الخامسة إلا ربع مساء، وذلك من أجل متابعة المسلسل الإذاعي ومعرفة ما يستجد من حلقاته وأحداثه، التي كانت تلقى حظها من النقاش والحوار.
ومن أبرز ما قدمته الإذاعة في هذا المنحى, مسلسلات (باب السنط) و(سفر الجفا)، (قطر الهم) (السوس) و(القناص)، (الهروب)، (وسقط القناع)، (حريرة بت رحال)، (الموج والضفاف), (عصافير بلا أجنحة)، وأخيرا مسلسل (بيت الجالوص) والذي أثار جدلا لا يزال مستمرا.
أدب المدائح
من شدة تأثير هذا البرنامج أضحى مثلا يسير به الركبان بأن فلانا أدّب فلانا أو فلانة أدب المدائح, وارتبط بقرشي محمد حسن متناولا الذكر والذاكرين وأدب العرفان والإنشاد وبمقدمته المعروفة:
إن تكن بالله قائم
لم تكن بل انت هوو
يا خفافيش التجلي
ما تبدى غير هو
من كلمات العارف بالله الراحل الشيخ عبدالغني النابلسي وألحان محمد بن فخر الدين البرهاني.
صالة العرض
ساهم الإعلامي المتميز علم الدين حامد في تقديم العديد من المطربين من خلال صالة العرض، التي كانت منفذا لتقديم الجديد والوصول للمستمعين، ويكاد يكون معظم الفنانين المعروفين عبروا من خلالها.
ساعة سمر
تميز بها الراحل عمر عثمان، حيث قدم نبض المدينة الفني، واستضاف الفنانين الشعبيين، وفي تلاقي جماهيري مباشر وحي، وبها مداخلات وحوارات وكلمات متبادلة, مما أضفى عليها الحيوية والتفاعلية.
قناديل العطاء
ما إن يأتي صوت الإذاعي عطية الفكي إلا ويعلم الناس أن برنامج قناديل العطاء المجتمعي قد حان، متناولا القضايا اللاجتماعية ومسلطا الضوء على مساهمات الأفراد في التعامل معها وتقديم المنفعة للمستمعين.
كان هذا غيضا من فيض لبرامج أثرت الوجدان وعطرت الدواخل ولا تزال, ونتمنى أن تعود إلى أمدرمان سيرتها الأولى, وأن يعود ألقها للبريق بعد خفوته بعض الشيء بسبب تخبط السياسات وضعف الإدارات وعدم ثباتها.. وألا ليت شبابها يعود يوما لنخبره بما فعل المشيب.

اليوم التالي