لماذا لم تكتمل الثورة إلى الآن (1-2)

مدخل:
رغم البساطة الظاهرة للسؤال الا انه من اعقد الأسئلة لعمق الازمة السودانية وتاريخيتها دون التوصل إلى حل مناسب إلى الآن، فالسودان الآن يمر بمرحلة ان يكون أو لا يكون وتحديدا بعد انفصال الجنوب مما اعطي اجزاء أخرى من الوطن طريق ثالث بين ان يطيعوا المركز ورؤيته أو ان يموتوا بنيران ذلك المركز وهو طريق تكوينهم لوطن خاص بهم أو التحاقهم بدولة الجنوب. هذا عن الحرب التي تدور اما عن الإنسان العادي فقد سبب القصور الفكري للنخب السياسية في عدم انشاء المزيد من المشاريع الاقتصادية لمعيشة افراده وقد اعتمدوا على المشاريع التي تركها المستعمر طوال الفترة التي اعقبت خروج المستعمر إلى وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة، اما الحركة الإسلامية فقد دمرت حتى التي تركها المستعمر وفقد الجميع مصادر الدخل ورجع الاقتصاد إلى مراحله البدائية مع جبايات متعاظمة للصرف على المؤتمر الوطني والياته العسكرية والامنية وجيشه الجرار من المنتمين والانتهازيين الذين ارهقوا المواطن كثيرا حتى أصبح عاجزا عن توفير ابسط الاحتياجات لنفسه في ظل تفنن السلطة الحاكمة في تعذيبه واراحة نفسها. فقد فشلت مسميات النفرة والنهضة الزراعية في تنمية الزراعة التي يعتمد عليها أكثر من 60% من الشعب السوداني، وخرج اغلب البترول بعد انفصال الجنوب ولم يبقي غير ان تعتاش الدولة على الشعب.
وحقيقة يستغرب الكل من جيش الدستوريين العاطلين عن العمل حقيقتا في ظل فشل كل الخطط السياسية والاقتصادية والزراعية والصناعية بالإضافة البرلمانات الكثيرة، فماذا يفعل هؤلاء غير مقاسمة المواطن لرزقه.

الأحزاب السياسية المعارضة والانقاذ:
لم تنشاء الأحزاب السياسية نتيجة لتحولات الواقع وحاجته إلى تنظيمات سياسية ولكن جاءت التجربة من الخارج محملة بكل قيمها ومفاهيمها وللاسف لم تلتقط النخب السياسية غير اسواء المفاهيم عند تلك التجارب وهي ان السياسية لعبة قذرة ولذلك يجب ان تقول ما لا تؤمن به وان تفعل ما لا تقول، أي نشات السياسية خالية من المبادئ (عدا الحركة الإسلامية ولكن مبادئها كانت لفكرتها وليست للوطن). وتقوم المبادئ التي يفترض وجودها عند أي شخص سياسي على توحيد نظرته إلى الوطن والى اسرته أو اهله فيتساوي عندها كل افراد الوطن في كل مناحيهم مع افراد اسرته لذلك يمكن ان يضحي بذاته من اجل أي فرد من الوطن باعتبار ان تلك التضحية للاسرة، لذلك الذين امتهنوا السياسية نجدهم مارسوا الانتهازية فهم ينتمون إلى الوطن عندما تكون السلطة لهم اما عندما تذهب إلى غيرهم فعلي الشعب ان يعيد تلك السلطة وليس عليهم سوى الانتظار، فلا نجد من ضحي بنفسه أو بواحد من افراد اسرته من اجل الوطن (عدا الحركة الإسلامية كما قلنا سابقا ولكن من اجل الفكرة وليس من اجل الوطن). لذلك يجد الناظر للفعل المعارض من قبل قيادات الأحزاب السياسية يجده فعل خجول يعجز حتى على الخروج مع الشعب ضد من سلبهم حقهم في الحكم.
اما المعارضة من قبل الشعب فقد بدأت ضعيفة تقوم على رد الفعل الشخصي ثم تعاظمت مع القهر الذي كان سمة لازمة لكل ممارسات الحركة الإسلامية مع غير المنتمين لها بالإضافة إلى فشل كل السياسيات الاقتصادية ليس لاحداث تنمية ولكن في ثبات تلبية حاجات الإنسان الأساسية، فوصلت معارضة الانقاذ إلى قمتها في ثورة سبتمبر الماضي مع زيادة الاسعار التي معها تمكن الشعب لاول مرة في الوقوف امام السلطة الاستبدادية بقوة وتفريغه لغضب السنوات الكثيرة السابقة، ورغم الخروج النوعي الكبير للشعب مما اضطر السلطة إلى استخدام السلاح الناري داخل المدن الكبيرة في نيالا ومدني والخرطوم وقتل المواطنين العزل، رغم كل تلك التضحيات لازالت الحركة الإسلامية أو الانقاذ أو المؤتمر الوطني في السلطة ولم تكتمل الثورة، فكان يجب ان نعيد التفكير مجددا ونحاول ايجاد مكامن القصور حتى لا تضيع كل تلك الارواح والسنين هدرا.

الثورة والشباب:
يدرك الجميع الآن ان الثورة القادمة تتوقف على الشباب تماما إذا كانت الثورة الفكرية أو التغيير على ارض الواقع، ولا يمكن للاجيال السابقة ان تساهم الا بتأييدها لما يذهب اليه الشباب فقد استهلكت تلك الاجيال كل بضاعتها منذ الاستقلال والى الآن دون ان تستطيع انتاج رؤية فكرية يجمع عليها كل السودان أو ان تحدث مجرد اختراق في الايدولوجيات التي اتت من الخارج. ذلك ضاعف الحمل الذي يحمله الشباب من اجل انجاز الثورة دون ان يكون هنالك تواصل للاجيال في المجال الفكري تحديدا، وسعي الشباب وتخبطوا كثيرا داخل الايدولوجيات الأخرى في سبيل معرفة مكامن القصور وفي نفس الوقت كان عليهم مجابهة سلطة الانقاذ التي سعت إلى الحد من التواصل بين الشباب أو النقاش في مجال من الحرية حتى تواصل في ترسيخ ايدولوجيتها الاحادية. ولم تفتر همة الشباب التي بدأت ترسيخ مفهوم الوطن كقيمة اعلي من كل المفاهيم الاحادية فالوطن اعلي من الحركة الإسلامية واعلي من كل المفاهيم الأخرى، فالتغيير القادم ليس تغيير في شكل الحكم ولكنه تغيير في البنية الفكرية المسيطرة على النظام منذ الاستقلال، فازاحة الحركة الإسلامية من السلطة هو جزء أساسي من تغيير النظام ولكنه ليس الكل، فالحركة الإسلامية ما هي الا وجه من اوجه النظام الذي نشا بعد الاستقلال وصنف السودان إلى ثقافات متعددة، واوقف حركة الاستيعاب الفكري في اتجاه الثقافة السودانية الواحدة والمتجاوزة والمستوعبة في نفس الوقت والحاضنة للتعدد العرقي، الذي انتج الشخصية السودانية ذات السمات المتفردة والتي يستطيع الكل رؤيتها عدا النخب السودانية من الاجيال السابقة.
ولا يعني ذلك العفو والمغفرة لجماعة الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني باي حال من الأحوال، فإذا نسينا لا يمكننا ان ننسي الذين ضحوا من اجل هذا الوطن وذهبوا شهداء بايدي الحركة الإسلامية في الجنوب أو دارفور أو جبال النوبة أو النيل الازرق أو بورتسودان أو كجبار أو نيالا أو مدنى والخرطوم وفي كل اجزاء الوطن هنالك من تم ازهاق روحه بايدي جماعة المؤتمر الوطني، وكذلك ان ننسا لا يمكننا نسيان صراخ اطفال جبال النوبة من الجوع داخل الكهوف أو المشردين في المنافي فلكل أولئك حق يجب ان نقتص لهم ولغيرهم من الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني، ولكن ندرك بان علينا واجب اخر تاخر سنين عددا وهو ايجاد رؤية للهوية السودانوية الجامعة بعيدا عن الايدولوجيات الوافدة من الخارج حتى يصبح الوطن للجميع.
ومعا من اجل وطن يسع الجميع

خالد يس
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. (حقيقة يستغرب الكل من جيش الدستوريين العاطلين عن العمل حقيقتا في ظل فشل كل الخطط السياسي
    والاقتصادية والزراعية والصناعية بالإضافة البرلمانات الكثيرة، فماذا يفعل هؤلاء غير مقاسمة المواطن لرزقه)

    (نجدهم مارسوا الانتهازية فهم ينتمون إلى الوطن عندما تكون السلطة لهم اما عندما تذهب إلى غيرهم فعلي الشعب ان يعيد تلك السلطة وليس عليهم سوى الانتظار، فلا نجد من ضحي بنفسه أو بواحد من افراد اسرته من اجل الوطن (عدا الحركة الإسلامية كما قلنا سابقا ولكن من اجل الفكرة وليس من اجل الوطن). لذلك يجد الناظر للفعل المعارض من قبل قيادات الأحزاب السياسية يجده فعل خجول يعجز حتى على الخروج مع الشعب ضد من سلبهم حقهم في الحكم).

    توصيف حقيقي للواقع المازوم!!!

    والامر لن يكون تكرار للثورات البيضاء وتكالب الفرص!!!فالامر يحتاج لاكثر مما عمل!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..