مصطفى سيد احمد: وعندك وقفت من المشي وغرقت في ضو النهار

الخرطوم – درية منير
عمل سكان ود سلفاب التي تبعد نحو (7) كيلومترات من الحصاحيصا في ولاية الجزيرة بالزراعة المطرية لبعدهم عن النيل ولوفرة الأمطار، هنا نشأ الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد في كنف والده الفلاح بالفطرة، واحتقنت دماؤه بعاطفة الأرض والزراعة، فكانت محصلة لها بمصطلحاتها النوبية القديمة التي أتى بها جده من الشمالية القائمة على الاعتقاد بارتباط الحياة في الأرض بالنجوم وحركاتها، كان يتمرد كثيراً على التعاليم الرسمية والجدولة الزمنية التي كان مفتشو الغيط يطلبون تطبيقها، إلا أنه صار معلما، وكان أوفر الناس حظا في التعليم والثقافة، تميز عن بقية أقرانه في هذا الجيل، هكذا كان الغيط يقول إن مصطفى سيد أحمد كبير منذ صرخته التي شقت سماء ود سلفاب في 1953م محباً للفن، أستاذا كبيرا وشاعرا مرهفا وملحنا مبدعا.
يا سلام عليك يا سلام
كان كبار أهله يرفضون الغناء وخصوصا عند الرجال، ولم يرض والده أن يكون فنانا رغم أن مهنته الأساسية هي التعليم، وفي يوم ما أعار عمه انتباهه للتلفاز وحينها كان يغني مصطفى أغنية “تحرمني منك”، وأخذ يصغي رويدا رويدا حتى تمعن في صوته وجهر قائلا: “علي الحرام غناء رجال”، كان شاعرا يختار كلمات تنم عن هذه الشاعرية، كان يحسن الاختيار للشعر وليس الشعراء، تغنى للعديد من الشعراء ممن لم يكونوا معروفين بعد واشتهر بعضهم بعد ذلك، فكان رسولا للدهشة في كل دار، الحزن عند مصطفى حميم وتراجيديا الحياة تكاد ترتحل إلى عوالم الفرح علّها المسؤولية الباكرة والكلى المعطوبة ورحلات العلاج الطويلة، استقر بقطر بعد أن أتعبه داء الفشل الكلوي، صمد في مواجهة الداء اللعين، إلا أن الروح أسلمت إلى بارئها في 17 يناير، ونامت بعد عناء عند غفور رحيم.
الأغاني عند مصطفى حدائق غنّاء، لافتات في المواكب، شعارات على المراكب، وآهات تفجر المكبوت من الألم، ترك الناس عند عمق التجربة في قلق عظيم ورغم الرغم ترك الجمهور يلوك علف الصبر وجفاف البعاد، والكل يسعى أن يعيش مصطفى في جلبابه وضيق العناء يشكل دواخلهم.
حفيد ود سلفاب
مصطفى “حفيد ود سلفاب” جاء ثريا رغم ضيق اليد، أميرا رغم تواضع الحي، جسورا حتى الكبرياء، يتنفس خريطة الوطن شبرا شبرا، اتهم مصطفى بالتطرف والشيوعية ونال نصيبة مثله مثل البقية من الفنانين، عرفت عنه لونية خاصة من الكلمات المعبرة ومواكبة للأحداث السياسية التي حدثت في تلك الفترة التي كانت تعني قضايا الفقراء والمحرومين خصوصا أنه كان مثقفا ومن بيئة بسيطة مثل قرية ودسلفاب. كانت أغنياته تضرب في وتر حساس يقهر السكوت بأغنياته المباشرة لقضايا البسطاء والمحرومين، في قالب لحني مميز يجمع بين الأغنية الشبابية والوقار في نفس الوقت، لذا كان مفضلا من قبل النخبة وشباب الجامعات، وبسطاء الناس، ولهذه الميول وجد مصطفى سيد أحمد نفسه محاصرا من قبل الحكومة، فبما أنه كان يميل للبسطاء والمحرومين فقد كسب عداء السلطة، وواجهته اتهامات ملفقة شأنه شأن العديد من الفنانين والمبدعين أمثال الأستاذ محمد وردي.
قمر الزمان
لا نقول ذاع صيته ولا نصفه بالنجم لأنه كان أكبر من ذلك قامة ومقاما، منذ قرابة العقدين من الزمان رحل أبو السيد لكن ظلت أغانيه في داخل كل سوداني جسدتها الأوضاع الاقتصادية الراهنة عندما يتغنى بـ(عم عبد الرحيم) تضج الدنيا ولا يقعد لها قاعد، وأغانيه يكشف عنها القناع في هذه الفترة التي تشبه واقعنا حاليا الذي يعمل كل أفراد المنزل من أجل إشباع واحد وفي زمانه يعمل واحد ويمسك كل المنزل هو فقط، يصف أبو السيد النقلتي والترزي القديم يرسم أوضاعنا في أغنياته يصف واقع ما يدور في منازلنا وما يحدث في الحي ويجسد كل السودان في شخصية عم عبد الرحيم الذي سعى أن يعبر عن قوم ووجد نفسه في دوامة خاسرة.
كان أخاً في الإنسانية
صمد وعاند المرض، ظل يقهره قرابة (15) عاما لم يشك رغم أنه كان يعاني من المرض اللعين، كابد كي يتعافى وأجرى عملية الكلى بروسيا في أواخر الثمانينيات، لكن اللعنة كانت أقوى منه وأصابته انتكاسة في البداية عام 1993م بقاهرة المعز ثم غادر بعدها إلى دوحة العرب يباشر عملية الغسل هناك. مصطفى عاند وكابد تحمل ثلاث غسلات في الأسبوع إلا أن الفشل كان حليفه، أذيع خبر وفاته في تعتيم إعلامي في 17 من يناير في العام 1996م وأيضا لم يسلم من محاصرة الحكومة، وصل جثمانه عبر مطار الخرطوم في موكب أمني مشدد منع الجماهير من الوصول إليه وبكاه السودان قاطبة وظلت جماهيره بعده في الأسى.
أغنياته
كان اللون الغالب على معظم أغنياته هو لون الحزن تحسه يعاتب وينادي كعصفور ذبيح، تجيش عواطفه ويبكي الحاضرين إذا تغنى باكيا (تحرمني منك رغم إنك إنت عارف إني منك) ولا يتركه (الشجن الأليم) حتى ينهمر الدمع مرة أخرى وينوح مع (بلابل الدوح) ويئن مع (صديقي الأول) ومع (البت الحديقة) يبعث (رسالة) (شقى الأيام) في (قمر الزمان) و(ليل الدنيا) الحالك، هذا هو (عذاب المغني) الذي اختار (الممشى العريض)، في (ضلنا) والشمس (وضاحة) في (نشوة ريد) يسافر أبو السيد مع (الطيور) يبحث عن (الأمان) ويطرح (أسئلة ليست للإجابة) تحملها (سحابات الهموم) كانت الدنيا (زهرة بخيلة)، (عدى فات) أبوالسيد تاركا وراءه (الحزن النبيل) وفي (الأسى ضاعت سنيني) ولم نجده إلا في (الزمن الفلاني

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. ستظل فينا حيآ لا تموت سنزكرك ما دمنا أحيا ها هي الارض تقطت بالتعب والبحار إتخزت شكل الفراغ وانت مقياس رسم للتواصل والرحيل وانا الان الترقب وإنتظار المستحيل أنجبتك مريم الاخري قطارآ وحقيبه أرضعتك مريم الاخري قوافي ثم أهدتنا المنافي ثم قالت لي ترجل أنت يا كل المحاور والدواير.

  2. ما قيمَةُ النَّاسِ إلَّا في مَبادِئهِمْ .. لا المالُ يَبْقى ولا الألقابُ والرُّتَبُ .

    مصطفي الله يرحمة ويغفر له انه لم يمت بل هم الاموات سوف تظل كلامتة والحانة باقية تدخل البهجة والسرور وتذكرنا باخذ حقوقنا فلذلك هم مرعبون الفرخة تقول كاك كاك والديك منهم يقول كوكو كوكو وعجبى على بلد تخرس اصوات ( تطلق ) حلاقيم فرفورومن لف لفة من ارزقية الاغنية إنه لمن سخرية الأقدار حقا فمن لا يحترم سنه و مكانته الإجتماعية ومبادئه إن كان يمتلك ذرة من كل ذلك ..فليس جديراً بالإحترام
    ولكن الترفّع عن الصغائر وعفّة النفس والكبرياء كانتا صفتين عند مصطفي ومهما حاولت الالة الاعلامية للمؤتمر الوطني ان تطمس تاريخة لن تفلح ف نظراتهم الخرقاء من عقولهم البالية لا تدل غير على المرض وقلة الفكر والانسانية بل انها تعكس مدي حجم و مخاوف الظلاميين التكفيرين الشموليين من ضوء الشمس ومن الأحرار ولذلك لا مكان للأحرار في دولتهم الفاشية و العنصرية،

    السؤال المطروح الآن، بل منذ زمن: أما آن لنظام البشير أن يرحل ويختفي وإذا كان له أن يبقى فمن أجل ماذا فالأنظمة تقاس بإنجازاتها لا بأفرادها فحسب، وبالتقدم والنمو والاستقرار لا بالشعارات الجوفاء

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..