اللاجئون السودانيون صداع سياسي وإنساني واقتصادي في مصر

زادت فداحة أزمة اللاجئين السودانيين في مصر مع إشارة تقارير حقوقية دولية إلى أوضاع مأساوية يواجهونها في رحلتهم لأجل عبور الحدود إلى الأراضي المصرية أو الخروج منها عنوة على أيدي أجهزة الأمن بحجة مخالفة قوانين الدولة.
واتخذت الأزمة أبعادا سياسية وإنسانية واقتصادية، وتحولت إلى صداع في رأس الحكومة المصرية المطالبة بمراعاة العلاقات التاريخية ومقتضيات الجوار والظروف الإنسانية التي حولت حياة العديد من المواطنين إلى جحيم في رحلة البحث عن ملاذ آمن، وتحمل ضريبة مادية باهظة عقب استقبال مئات الآلاف منهم.
وتراوحت المواقف حيال المسألة بين الصرامة التي تواجه بها القاهرة ملف اللاجئين من جهة، والليونة التي تدعو إليها المنظمات الحقوقية في التعامل معهم التزاما بالقوانين الدولية، من جهة أخرى.
300 ألف سوداني جرى تسجيلهم في مفوضية اللاجئين، من بين أكثر من أربعة ملايين يتواجدون في مصر
والأربعاء طالبت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية بوقف الاعتقالات التعسفية الجماعية والترحيل غير الشرعي للاجئين السودانيين الذين عبروا الحدود متجهين إلى أراضي مصر، توقّيا من الحرب الدائرة في السودان.
وأشارت المنظمة إلى اعتقال الآلاف من اللاجئين وترحيلهم بشكل غير قانوني، وأنها وثّقت 12 واقعة رحلت فيها السلطات المصرية ما يقدر بـ800 سوداني بين يناير ومارس الماضيين، ولم تمنحهم فرصة طلب اللجوء أو الطعن في قرارات الترحيل، كما وثّقت اعتقال 27 لاجئا بين أكتوبر ومارس الماضيين، وأن اللاجئين “يُحتجزون في ظروف قاسية وغير إنسانية قبل ترحيلهم”.
ونفى المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو بشأن ارتفاع عدد عمليات الاعتقال والترحيل للاجئين السودانيين، مؤكدا أن “السلطات المصرية تحترم القانون الدولي”.
وقال رئيس المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين (حقوقية) أحمد بدوي إن الدولة المصرية لديها الحق في التعامل مع مخالفي قوانين دخول أراضيها، وحالات الترحيل التي تحدثت عنها منظمة العفو الدولية بعيدة عن اللاجئين المقيدين في مفوضية اللاجئين التي بحاجة إلى معايير من الواجب الالتزام بها، من بينها ثبوت تهديد الأمن القومي والترحيل إلى دولة بعيدة عن تلك التي يشتعل فيها الصراع، وإن “الإجراءات التي تتخذها مصر على الحدود حق أصيل لها، وتتبعها كافة الدول في العالم”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “ما يقرب من 300 ألف سوداني جرى تسجيلهم في مفوضية اللاجئين، من بين أكثر من أربعة ملايين يتواجدون في مصر بشكل آمن دون ترويع، وأغلب هؤلاء لا يملكون أوراقا ثبوت قانونية”.
وطالب السلطات في مصر بالإعلان عن تفاصيل اللاجئين والمقيمين على أراضيها والتحدث بلغة الأرقام مثلما هو شأن المنظمات التي تنتقد القاهرة.
ولفت أحمد بدوي إلى أن الدولة المصرية لم تصدر تصريحا رسميا تنتقد فيه أوضاع اللاجئين السودانيين على أراضيها، وأن الجدل المتصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي اتخذ بعدا شعبيا، وأن إجراءات الحكومة حتى هذه اللحظة تقوم على تحديد أعداد الذين دخلوا مصر تمهيدا لتقنين أوضاعهم، مشيرا إلى أن وجود تجمعات للسودانيين بكثافة في مناطق معينة يجعل الانتقادات موجهة إليهم.
وناشد الحكومة المصرية إعداد تقرير عن حجم الخدمات التي تقدمها للسودانيين وغيرهم من أصحاب الجنسيات الأخرى، حيث تستقبل المستشفيات الحكومية من دخلوا الحدود دون أوراق ثبوتية، ويتم استجوابهم داخل هذه المستشفيات في محافظة أسوان قرْب الحدود مع السودان، بعد تعرضهم لضربات شمس.
وفي مصر مجتمع شبه متكامل في العديد من المناطق التي انتشرت فيها المحال السودانية، كما استقبلت وزارة التعليم المصرية أعدادا كبيرة من الطلاب السودانيين، وهو ما يشكك في مصداقية بعض التقارير الدولية التي تنتقد القاهرة بشكل مستمر.
ملايين أجنبي من نحو 133 دولة يتواجدون في مصر، معظمهم ممن اضطروا إلى مغادرة بلدانهم نتيجة الصراعات المسلحة
وأدت الحرب السودانية التي اندلعت في أبريل من العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى مغادرة أكثر من تسعة ملايين مواقعهم، بين نازح ومهاجر إلى دول مجاورة.
وأشارت السلطات المصرية بعد اندلاع الحرب بنحو شهرين إلى التزامها بإعفاء النساء والأطفال والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 49 عاما من الحصول على تأشيرة لدخول البلاد.
وحمّل البعض من المصريين اللاجئين السودانيين مسؤولية زيادة أسعار إيجارات العقارات والعديد من السلع الأساسية والعملات الأجنبية والخدمات، ما أوجد غصة لدى مواطنين حيال تدفق السودانيين بكثافة، ودفع الحكومة إلى تقنين إجراءات دخولهم.
وأكد الحقوقي المصري نجاد البرعي أن “ما يحدث من ترحيل لبعض السودانيين يستند إلى إجراءات قانونية مرتبطة بأن القاهرة وضعت قواعد تحْكم تواجد اللاجئين على أراضيها، من خلال توفيق الأوضاع وإلا الترحيل، ويحق للدولة ترحيل أي لاجئ ليست له صفة عند مفوضية شؤون اللاجئين أو لم يقم بتوفيق أوضاعه”.
ونوه في حديثه لـ”العرب” إلى “وجود منظمات تبالغ في توصيف الأزمة لإحراج السلطات المصرية، ويصعب على أي مؤسسة حصر الأرقام الفعلية لمن تم ترحيلهم، وما يمكن قوله هو إن القانون الدولي يسمح للقاهرة بالترحيل الفوري لمن يقيم بطريقة غير شرعية، وعدم توفيق الأوضاع قد يتسبب في أزمة سياسية لها تداعيات أمنية”.
وكشف أن “مصر تعاملت مع الأزمة السودانية بحس إنساني وفتحت أبوابها دون قيود أو شروط في البداية، ثم تضخمت الأزمة بما يفوق قدرتها على تحمل المزيد، ولذلك تحركت باتخاذ موقف حاسم”، مضيفا “بغض النظر عن طريقة الترحيل، وهل يتم الاعتداء عليهم أم لا، لا يوجد بلد في العالم يقبل بانتهاك قوانينه، أو يتواجد على أراضيه لاجئون كما فعلت مصر”.
واستقبلت مصر على مدى عقود ملايين من السودانيين الذين يدرسون في مراحل تعليمية مختلفة، أو يعملون أو يستثمرون أو يتلقون الرعاية الصحية فيها، وتُعفَى من شروط الدخول النساء والفتيات والفتيان دون سن الـ16 والرجال فوق سن الـ49.
واحتدت أزمة اللاجئين السودانيين عقب صدور قرار لرئيس الوزراء في أغسطس الماضي يلزم الأجانب المقيمين في مصر بتوفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم.
وفرضت الحكومة المصرية مؤخرا على جميع المواطنين السودانيين شرط الحصول على تأشيرة دخول قبل القدوم، ما اضطر الفارين من الصراع إلى الهروب عبر الحدود.
وفي المدة الأخيرة قامت السلطات المصرية بضبط 7 حافلات محملة بأعداد من اللاجئين السودانيين خلال دخولهم في هجرة غير شرعية من أطراف محافظة قنا بصعيد مصر.
وحسب تقديرات حكومية يوجد في مصر “أكثر من تسعة ملايين أجنبي من نحو 133 دولة”، معظمهم ممن اضطروا إلى مغادرة بلدانهم نتيجة الصراعات المسلحة.
العرب