أخبار السودان

ماهي حقيقة «العملات السودانية المزورة» المصنوعة في مصر؟؟

أسوة بالتضخم الذي يجتاح البلاد جراء سياسات السلطات الانقلابية، تجتاح منصات التواصل الاجتماعي، ومجالس المدينة بما فيها الخاصة بالنخبة، أحاديث متزايدة ومتنامية عن دخول عملات سودانية مزورة قادمة من مصر.

في هذا التقرير، «التغيير» تتحرى في هذه الدعاوي، من خلال تقصي أثر الحديث، وتعزيز ذلك بإفادات مسؤولين ومختصين من كلا البلدين.

المبالغ الكبيرة التي يخصصها بعض التجار لشراء الذهب من المعدنين التقليديين بمنطقتي (نوراية) و(العلاقي) في أقصى الحدود السودانية بالقرب من شلاتين، تبعد 200 كلم فقط من الحدود المصرية، أثارت ريبة (بشير) أحد المعدنين التقليديين في تلك المناطق.

فبوقتٍ يتم بيع جرام الذهب في سوق العبيدية (سوق رسمي لشراء الذهب من المعدنين تحت إشراف شركة الموارد المعدنية) بمبلغ 20-22 ألف جنيه سوداني، يقوم بعض التجار (من مكون اثني معين) بشراء الجرام من المعدنين بمبلغ 30 ألف جنيه، أي بزيادة قرابة 26% من السعر الرسمي.

وأكد (بشير) أن المعدنين المحليين يفضلون بيع ذهبهم لهؤلاء التجار بدلاً عن الذهاب لسوق العبيدية الذي يبعد مسافة يومين من مناطقهم، مع مراعاة اختلاف السعر.

وعلم بشير وآخرون أن هؤلاء التجار يقومون ببيع الذهب في السوق المصرية بسعر 70 ألف جنيه (سوداني) للجرام، بزيادة أكثر من 200% من سعره.

شراء بـ(بلاش)
تأكدت الريبة التي سرت في نفس (بشير) بعد أن اكتشف أحد أقربائه تلقيه أموالاً مزورة من هؤلاء التجار مقابل الذهب الذي يشترونه بأموال طائلة منهم.

وقال (بشير) لـ«التغيير» إن قريبه اكتشف قصة الأموال المزورة بمحض الصدفة؛ عندما حاول إيداع مبلغ (400) ألف جنيه في أحد البنوك بمدينة عطبرة، حاضرة ولاية نهر النيل.

اتخذ بشير وأبناء أهله العاملين في نوراية والعلاقي قراراً بعدم التعامل مع هؤلاء التجار مرة أخرى، إلا أنه أكد استمرارهم في عمليات شراء الذهب من آخرين، مرجحا مواصلتهم في استخدام الأموال المزورة.

“هناك شبكات خاصة بتزوير العملة السودانية تنشط داخل البلدين” هذا ما أسرَّ به أحد سائقي الشاحنات القادمة من مصر لـ«التغيير» بعد أن توقف في ترس الحامداب.

وأضاف السائق الذي فضل حجب هويته، أن معظم الأوراق المزورة من فئة الـ(500) جنيه، مشيراً إلى أنه يتم “غسلها خلال الطريق”.

في الأثناء نفى (علي حسين) عضو لجنة تروس الحامداب ما راج في وسائط التواصل الاجتماعي حول عثور (تروس الشمال) على مبالغ مزورة بكميات كبيرة واصلة من الجارة الشمالية مصر، مشيراً إلى أنهم لا يقومون بتفتيش الشاحنات العابرة لحدود البلدين.

مردفاً: “هذه شائعات تريد أن توصمنا بأننا نقوم بدور الأجهزة الأمنية وهذا لا يحدث”.

وكانت قد سرت في الوسائط الاجتماعية عدد كبير من الشائعات تتحدث عن عثور الثوار على أموال مزورة وبضائع مهربة في معية شاحنات واصلة للبلاد من مصر.

شائعات مغرضة
“الحديث عن بضائع مهربة وأموال مزورة هو محض شائعات مفبركة الغرض منها الإساءة للعلاقات بين البلدية”، هذا ما أكده الملحق التجاري بالسفارة المصرية، طارق عبد الحميد.

وأكد عبد الحميد لـ«التغيير» وجود ضوابط وسيطرة على كافة المنافذ في البلدين مشيراً إلى أن التجارة فيها منافع كثيرة للخرطوم والقاهرة على حد سواء.

وكشف عبد الحميد عن وجود لجنة تجارية سودانية مصرية تناقش كل تفاصيل التجارة بين البلدين وتسعى دائما للتطوير.

وأكد عبد الحميد أن التعامل التجاري السوداني مع بلاده يقلل من فاتورة الإيرادات السودانية وتبعاتها الاقتصادية، مشددا على وقوف بلاده مع الشعب السوداني “قلبا وقالباً”.

شارك مسؤول سوداني رفيع في إدارة الجمارك بالولاية الشمالية، الملحق التجاري وجهة نظره في أن قصة الأموال المزورة لا تعدو كونها شائعة.

وأكد عدم عثورهم طوال ثلاثة أعوام مضت على أية عملة مزورة قادمة من مصر، ولم ينفْ في الوقت نفسه وجود عمليات تهريب.

قائلاً: “الحدود واسعة، ولا ننكر وجود مساحة للتهريب”.

وزاد على حديث مسؤول الجمارك، عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير، والقيادي بحزب الأمة الصديق الصادق المهدي، مشيراً إلى ضعف إمكانات الدولة في مكافحة التهريب والرقابة، الأمر الذي وفق يهدر موارداً ضخمة على الخزينة العامة من جراء تهريب المنتجات لدول الجوار.

واتهم المهدي الحكومات السودانية بسنها لسياسات خاطئة فيما يخص قطاع الصادر، ما يهدد حصول المصدر على السعر المجزي.

ثم وضع الشركات الحكومية والنظامية العاملة في مجال الصادر في ذات خانة الاتهام، بالقول بعدم إتباعها للضوابط الخاصة بفتح اعتماد بمؤشر السعر العالمي للسلعة، يضمن انسياب عائد الصادر في النظام المصرفي إلى جانب أزمة التجنيب.

وتابع: “مطلوب إنشاء بورصة السلع والذهب لتنظم تسويق وبيع السلع المعنية من المنتج للمصدر بالسعر العالمي حتى لا يلجأ المنتج للتهريب”.

الصديق الصادق: نظام أمن البشير ربما تمكن من تهريب مطبعة أو مطابع للعملة خارج البلاد

قضية أمن دولة
من جانبه، قال الخبير القانوني نبيل أديب، لـ«التغيير»، إن الشائعات التي تطلق عبر الوسائط الاجتماعية لا يتم الاعتماد عليها في إثبات جريمة معينة.

مشدداً في الوقت ذاته على خطورة قضية تزوير العملة.

وزاد: حال تم الكشف عن عملة مزورة قادمة من دولة أجنبية لابد من تبليغ الشرطة الدولية (الإنتربول) لأن نقلها من دولة لأخرى يحولها لجريمة دولية.

وفي ذات المنحى، سار الخبير الاقتصادي عثمان برسي، بالإشارة إلى خطورة جرائم التزوير.

وقال لـ «التغيير»: “عملات الدول من القضايا الأمنية وهي مثل الحدود إذا تعرضت لعدوان”.

وأشار برسي إلى خطورة قضايا تزوير العملة خاصة إذا كانت من خارج البلاد.

وواصل قائلاً: “الحروب في العالم تطورت من حروب عسكرية لحروب اقتصادية”

مشددا على أن هذا النوع من الجرائم يدمر اقتصاد الدول.

وقال برسي لـ«التغيير» إن خطر التزوير في أحسن الأحوال يمكن أن يحدث تقلبات اقتصادية خطيرة، باعتبار أن التزوير عبارة عن كتلة نقدية جديدة لا توازي حجم الناتج الإجمالي مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وتضخم، ولاحقا عجز في ميزان الدولة.

الدولة تسببت بحدوث تجاوزات في الكتلة النقدية في عهد النظام المباد، وهناك احتمال وارد في أن يكون بعض القيادات في جهاز أمن البشير قد قاموا بتهريب مطبعة، أو مطابع للعملة إلى خارج البلاد، وفق ما قاله المهدي.

الملحق التجاري بالسفارة المصرية: قصة الأموال المزورة شائعة مفبركة

وقال المهدي لـ«التغيير» إن الأجهزة الأمنية ربما كانت تستخدم تلك المطابع أثناء عمر النظام لطباعة عملة بعيداً عن ولاية المالية والبنك المركزي، مرجحاً تهريبها بعد سقوط نظام البشير.

وتابع: “المواصلة في استخدام تلك المطابع المهربة يعد تزويراً بعد سقوط النظام السابق”.

الاتهام الخطير لجهاز أمن البشير الذي وجهه المهدي نفاه مصدر استخباراتي رفيع، مؤكداً عدم إمكانية جهاز الأمن السابق من طباعة عملات خارج النظام بسبب وجود الأرقام المتسلسلة في كل ورقة نقدية على حدة إلى جانب أسباب فنية أخرى.

إلا أن المصدر الاستخباراتي، الذي طالب بعدم ذكر اسمه، لم ينفْ وجود شبكات تنشط في تزوير العملة داخل أو خارج البلاد.

وقال لـ «التغيير»: “لا يمكن أن يتم الإدلاء عن أي معلومات حول الأمر، نسبة لأنها يمكن أن تفشل عمل الفرق الأمنية المتابعة لأنشطة تلك الشبكات أو تفصح عن مصدر مهم”.

تغيير العملة
الأزمة الاقتصادية التي تنذر في الوقت الراهن بانهيار كامل وشيك، خطوات علاجها تبدأ من تغيير العملة الحالية وفق الخبير الاقتصادي برسي. الذي أكد أن الأموال خارج النظام المصرفي ضررها على الاقتصاد أكبر من التزوير.

محذراً من “لوبيهات” مسيطرة على العملة والاقتصاد وتمنحها تلك السيطرة افضلية على النفوذ السياسي داخل وخارج البلاد.

خبير اقتصادي: جرائم تزوير العملة تهز أمن الدولة

تسمية اللوبيهات التي تحاشى برسي عدم الإشارة إليها؛ ذكرها المهدي علانيةً، وقال إنهم عناصر يتبعون للنظام السابق. مؤكدا إخراجهم لكميات كبيرة جدا من الأموال السودانية إلى خارج البلاد، وخاصة لمصر.

لكن برسي وجه أصابع اتهاماته في اتجاه مغاير تماما، ناحية صندوق النقد الدولي الذي من وجهة نظره لم يضع ضمن خططه الإصلاحية تغيير العملة.

وقال: “يريدون أن يفشل السودان في الإصلاح الاقتصادي حتى تسيطر الشركات الإقليمية الداعمة له على موارد البلاد ومشروعاتها الزراعية والاقتصادية والخدمية”.

ولم تتمكن «التغيير» من الحصول على إفادات من وزيري المالية السابقين، إبراهيم البدوي، وهبة محمد علي، حول تضمن خطط الإصلاح الاقتصادي وقتذاك لبند تغيير العملة أم لا.

نبيل أديب: يجب تبليغ الإنتربول حال تأكد وصول عملات مزورة من مصر

التزوير، ونمو الكتلة النقدية، وخروج الأموال من النظام المصرفي كلها أعراض لإصابة الاقتصاد السوداني بتشوهات كبيرة. ووفق مصدر مطلع أنذر مسؤول مالي الحكومة الانقلابية بعدم صمود الاقتصاد للستة أشهر القادمة.

وذّكر الخبير الاقتصادي برسي بأن الحروب العالمية تحولت من حروب عسكرية لاقتصادية، فمن يسيطر على الموارد والاقتصادات يحكم قبضته على العالم.

مطالباً الخبراء الاقتصاديين السودانيين بالانتباه لذلك الأمر ومحاولة صنع أدوات جديدة تجعل الفاقد الاقتصادي انجذابه للداخل، وتكوين بنية اقتصادية جديدة تدعم تشكيل بنية اجتماعية جديدة تتمكن من تشكيل النظام السياسي.

ونوه إلى أن نفي تروس الشمال لعثورهم على عملات مزورة عند نقاط المتاريس، لا يدحض حقيقة وصول عملات سودانية مزورة من الجارة مصر، بحسب ما أكدت تقارير تلفزيونية سابقة حوت على إفادات من مسؤولين حكوميين.

بدوره، طالب الخبير القانوني نبيل أديب بضرورة التصدي للشائعات التي تتحدث عن وصول عملات مزورة إلى البلاد، إجراء تحقيق جاد لجهة خطورة مثل هذه الجرائم على اقتصاد وأمن الدولة، خاصة وأن السيولة الأمنية الحالية وفق مسؤول حكومي حالي تفتح الباب واسعاً لنشاط شبكات التهريب والتزوير في دولة تمتد حدودها في مساحات شاسعة تجاور فيها سبعة دول.

‫4 تعليقات

  1. هنالك ماكينات تصوير عالية الجوده عند المصريين يستعملونها في طباعة العمله على أوراق خاصه تشبه لحد بعيد أوراق العمله السودانيه. ومعلوم ان المصاروه بارعين في عمليات الغش و التزوير… خاصة تزوير الفئات الكبيره من العمله أمثال ٥٠٠ و ٢٠٠ جنيه. ولأن المعدني وتجار البهائم ومزارعو المحاصيل في الإقاليم أناس بسطاء لا يكتشفون هذه العملات المزوره فيقبلونها ويتعاملون بها في نطاق مناطقهم… ويكون المصري قد ضحك عليهم واستولي على ثرواتهم بالمجان، ليصل بها إلى بلاده ثم يجهزها ويصدرها للخارج ليتحصل على العملات الصعبه… هذه العمليه ساهمت في تدمير الاقتصاد الوطني وزيادة التضخم في البلاد حتى صار المواطن الغلبان لا يستطيع العيش بكرامه … كل ذلك يحدث في الوقت الذي يرسل السيسي عباس كامل ليرسم للبرهان خطط استيلائه على السلطه، ليتمكنوا اكثر من نهب ثروات البلاد!!! يالها من عملية استكراد تفقع ألمراره…!!! لا حل امام اي حكومة وطنية غير عميلة قادمه، لابد لها من البدء فورا وقبل كل شيء بتغيير العمله لإيقاف هذا الابتزاز والانهيار الحاصل في اقتصاد البلاد… وثانيا إيقاف التجاره البينيه مع هؤلاء النصابين، وتوعية المواطن السوداني بالا يتعامل معهم الا بالعملات الصعبه فقط، أو عن طريق القنوات الرسميه كوزارة التجاره او بنك السودان… البلاد الان في كف عفريت ان لم نتحرك عاجلا… ونحي ثوار الإقليم ، الذين اكتشفوا كيف يتم استغلال ثرواتهم بالبلطجه والضحك على الذقون وقاموا بتتريس المعابر لحين وضع الأمور في نصابها الصحيح…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..