مصير مجهول ينتظر مواطني الحلة الجديدة

جولة: روضة الحلاوي – النذير دفع الله – أم بلة النور-
أثارت الهجرة المفاجئة التي تداولتها الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي لسكان منطقة الحلة الجديدة بغرب ام درمان لمنازل الإسكان الشعبي بمدينة الصفوة، بعد أن تمت إزالة منازلهم بواسطة السلطات دون تعويضهم وما تبع هذه الهجرة من لغط وتضخيم لها بأنها عملية احتلال قسرية من قبل هؤلاء المواطنين لهذه المنازل التي تم توزيعها مؤخراً لعدد من الفئات من بينهم نظاميين وصحافيين. ما أثير جعل الخوف والتوجس يدب في نفوس مالكي هذه المنازل خشية أن يستولي هؤلاء على بيوتهم دون وجه حق، او أن يدخلوا معهم في نزاع حول أحقيتهم في السكن، خاصة وانه قد اشيع عنهم الدخول لهذه المنازل بالقوة وانه قد وقعت العديد من المشاجرات والاشتباكات بالايدي واستخدام السلاح الابيض، ولكن ليس من رأى كمن سمع، حيث أننا وجدنا الوضع مختلف تماماً. وجدنا مواطنين مسالمين مغلوبين على أمرهم.. مسحة من الحزن تعلو وجوههم وحولهم أطفالهم ونسائهم اللاتي يحملن أطفالاً حديثي الولادة ولايعرفن الى أين يتجهن بهم، ليقود هؤلاء حر الهجير والرمضاء بعد أن فقدوا مأواهم بالإزالة التي قامت بها السلطات، فقد تم تكسير منازلهم دون أن يتم تعويضهم من الجهة التي أزالتهم. عدد هؤلاء المتضررين كبير قد يفوق الألف مواطن فهذه قضية تستحق الوقوف عندها ليتم حلها بصورة عاجلة لأنه من أبسط حقهم على الدولة توفير سكن يأويهم خاصة وأنهم فقدوا منازلهم التي تجاوزت فترة سكنهم فيها عشرات السنين، فما كان أمامهم خيار إلا التوجه والرحيل لهذه المنازل الخاوية في مدينة الصفوة بعد أن أصبحوا في العراء هم وأسرهم.
تجول تيم «الإنتباهة» بين هذه المنازل، واستطلعنا عدداً كبيراً من الوافدين، وكذلك سكان المدينة وأصحاب المنازل الأصليين للوقوف على حقيقة الأمر.
منتصف النهار
الساعة تشير الى الواحدة إلا ربعاً منتصف النهار، درجة الحرارة في أعلى مراحلها ونحن في وسط مدينة الصفوة، وجدنا الشاب (مدثر) وهو في العقد الثالث من العمر أمام أحد المنازل، سألناه اذا كان يعرف أحد القادمين من الحلة الجديدة، فقال أنا أحدهم وأتيت للتو من الحلة الجديدة. سألناه هل دخلت هذا المنزل لوحدك ام بواسطة صاحب المنزل؟ فقال: أتيت الى صاحب البقالة الموجود هنا وقلت له هل بإمكاني أن أجد منزلاً خالياً؟فأشار اليَّ لهذا المنزل، وقال إنه مسؤول عنه ويعرف صاحبه ووافق على ذلك فقمت بفتحه والدخول فيه.
ابتغاء للأجر
وبينما نحن في جولتنا، وجدنا إحدى النساء تشق الطريق وهي تعاني الهجير، فأوقفناها اذا كانت هي من سكان المدينة ام من الوافدين؟ فقالت إن لديها منزلاً هنا وأتت لتطمئن عليه. وسألناها ما هي ردة فعلك اذا وجدتِ فعلاً إن المنزل تم دخوله بدون علمك؟. فقالت سأسمح لهم بالإقامه فيه بما أن المنزل خالياً فالافضل أن يسكن هؤلاء المساكين. فأنا ابتغي الأجر على أن يتم بيني وبينهم اتفاق بواسطة اللجان الشعبية لاخلائه متى ما طلبت ذلك.
نخشى الانفلات
إحدى المواطنات كانت تقف أمام منزلها توجهنا إليها لتحدثنا عن المشكلات التي يمكن أن يسببها قدوم هؤلاء الوافدون من سكان الحلة الجديدة، فقالت لا توجد أية مشكلة، بل العكس نحن استفدنا منهم (الحي الآن عمران) ونحن لا نرفض قدومهم، بل نتعاون معهم ولكننا نخشى الانفلات لاحقاً. حتى الآن لم نرَ منهم شيء، فقط نحن نريد المحافظة على الشكل الجمالي للمنطقة وأن تكون آمنة دوماً. وأبدى سكان المدينة اعتراضهم على منظر الرواكيب الموجودة بالقرب من محطة الحافلات وأنها طريقة عشوائية ربما تؤدي الى الفوضى والظواهر السالبة لاحقاً.
في خانة السواقط
وفي حديثها لـ «الإنتباهة» قالت المواطنة رقية التي تسكن بالحلة الجديدة مربع 47 منذ ما يقارب العشر سنوات إن المحلية قامت بانذارهم بإخلاء المنازل توطئة لإزالتها دون أن يتحصلوا على قطع سكنية بديلة. وأضافت أن هناك مواطنون قامت محلية امبدة بعمل إجراءات سحب قرعة الاستحقاق لهم. إلا أن معظم سكان مربع 47 لم يتمكنوا من معرفة مصيرهم حتى الآن. وأضافت إنها وأسرتها اتجهت الى مدينة الصفوة لإيجاد مأوى لها ولصغارها بعد أن قامت باستشارة صاحب المنزل عن طريق اعضاء اللجنة الشعبية. فيما قالت رفيقتها إنها اتجهت للإسكان بعد إزالة منزلها بالرغم من أنها قامت بسحب قرعة الاستحقاق إلا أن المحلية لم تعمل على تسليمهم على أرض الواقع حتى يستطيعوا البناء والسكن فيها. مضيفة أنهم لم يتعدوا على منازل الغير، وإنما قاموا بالاستئذان من شقيق صاحب المنزل ويدعى عز الدين. وقالت لـ «الإنتباهة» إن لها ما يقارب الشهر بهذا المنزل. فيما استنكر خالد ووالدته تصرف المحلية في طريقة الإزالة. وقال خالد انه ووالدته يقطنون في الحلة الجديدة مربع 47 منذ العام 2008م، إلا أن أسماءهم لم تظهر ضمن المستحقين وتم إدراجهم ضمن السواقط، حيث كانت هناك وعود من قبل مصلحة الأراضي بوضع الحلول السريعة لهم لا سيما وأنهم يمتلكون رقماً خاصاً بهم إلا أن هذا لم يحدث حتي تاريخ إزالتهم قبل أسابيع مما جعلهم يتخوفون من عدم تعويضهم، فضلاً عن أنهم أصبحوا مغيبين مما يحدث داخل منطقة الحلة الجديدة ومما يحدث داخل المحلية ومصلحة الأراضي لأن العرف المتبع فيما يختص بالعشوائيات بأن يتم تسليمهم السكن البديل على أن يتم ترحليهم جماعياً للمكان الجديد. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم رغبة المحلية في تعويضنا قطعاً بديلة. فيما أكدت الحاجة مكة التي تسكن أيضاً بالحلة الجديدة محطة السلطان إنها وبالرغم من امتلاكها وتسديدها للرسوم المالية، إلا أنها أصبحت من ضمن الأسماء السواقط وبإزالة منزلها أصبحت في العراء، حيث لا ظل تستظل به من هجير الشمس، مما جعلها تتجه الى مدينة الصفوة. وأكدت أنها على استعداد تام للإخلاء متى ما طلب منها صاحب المنزل المغادرة.
ضاقت بنا السبل
وجدنا باباً مفتوحاً فاستأذن بالدخول تم الترحيب بنا من سيدة صوتها خافض كانت تعاني الحمى وتحمل على يدها طفلاً حديث الولادة يصرخ جوعاً كما أفادت أمه المريضة، حيث قالت (ماعندي لبن لأني ما أكلت شيء من الصباح). وكانت حولها امتعتها التي تناثرت في فناء المنزل والغرفة موضحة أنهم دخلوا لهذا المنزل بعد أن صرح لهم صاحبه بالدخول وبعد أن أغلقت كل السبل أمامهم بعد إزالة منزلهم، وأكدت أيضاً كسابقتها إنهم على استعداد لإخلاء المنزل متى ما طلب منهم ذلك. وأيضاً كانت هناك مجموعة من الشبان يقومون بإنزال أثاث من «دفار» فتوجهنا إليهم. وفور اقترابنا منهم بدأت عليهم بوادر الانزعاج والخوف من أن نمنعهم إلا أننا بددنا مخاوفهم سريعاً بأننا نريد معرفة أحوالهم ولا علاقة لنا بما يتوجسون منه.
ومن المشاهدات أيضاً شاهدنا دخول أعداد كبيرة من عربات الكارو محملة بأثاثات منزلية وبصحبتها أسر متجهة لداخل المدينة، والأمل يحدوهم أن يجدوا مكاناً يأويهم بعد أن ضاقت بهم السبل ولم تبدُ على راكبيها أية بوادر تدل على أنهم يكنون ما لا يتقبله سكان مدينة الصفوة الأصليين، بقدر ما تعلو وجوههم علامات التعب والإحباط والألم جراء ما لحق بهم من ضرر ارتكبته جهات في حقهم دونما تفكر حتى في الى أين سيذهب هؤلاء بعد أن فقدوا منازلهم او كما قال احدهم (كسروا بيوتنا وفكونا عكس الهواء).
لم نتضرر من وجودهم
وأفادت مجموعة كبيرة من المواطنين أصحاب المنازل الأصليين تحدثوا للصحيفة بأنهم غير متضررين من وجود هؤلاء الوافدين ولم يروا منهم أية مضايقات، بالعكس جميعهم أجمعوا على أنهم أحيوا المدينة (وعملوا ليها حركة وحس) وإحداهن قالت (كان أقاموا الصلاة ساي داخل البيوت المهجورة دي ما رحمة وأجر لأصحاب الملك)؟!.
ومن المشاهدات أيضاً وجود عدد كبير من الرواكيب المنشأة على جدار المنازل والتي صدق بها المدير الإداري للمحلية لكي تستغل كمحلات تجارية مؤقتة لبيع الخضار والخبز واللحوم، وبعضها لبيع الأطعمة الجاهزة أي شكل مطاعم.
المنزل محجوز
بينما كانت بعض الأبواب المغلقة والتي تلتصق على جنباتها انذارات لأصحابها من صندوق الإسكان بتسديد ما تبقى عليهم من متأخرات ومع هذا الانذار كانت هناك عبارات مكتوبة بشكل واضح (محجوز لأسرة …….) هذا يعني أن هذا المنزل قد تم حجزه لصالح الأسرة المعنية بواسطة من أتي قبلهم.
توفيق أوضاع
وفي حديثة لـ «الإنتباهة» قال رئيس اللجنة القانونية والحكم المحلي علي أبو الحسن، فيما يختص بإزالة السكن العشوائي، يفترض أن يتم التعويض عن طريق لجان متخصصة تقوم بدراسة الحالة ومن ثم تحديد المستحقين. واضاف أنه وفي حالة عدم استيفاء شروط الاستحقاق يتم الرجوع الى خلفية المواطن.. من أين أتى وماهي الظروف التي جاءت به حتى يتم توفيق أوضاعه على أساس هذه الخلفية.
نفي المحلية
محلية امبدة هي السبب الاساسي في تهجير هؤلاء المواطنين، ولذلك قامت الصحيفة بالاتصال بمعتمد المحلية عبد اللطيف عبدالله فضيلي، إلا أن هاتفه ظل مغلقاً طوال اليوم كما قامت بزيارة مكتبه إلا أنه كان مشغولاً بعدد من الاجتماعات ولم نتمكن من الجلوس معه لمعرفة كيفية إزالة المنازل قبل تحديد مصيرهم، وهل هناك خطط متبعة لحل إشكالهم وغيرها من الأسئلة التي تحتاج الى إجابات شافية، إلا أنه وفي تصريح سابق له نفى تصريح المحلية للوافدين بالدخول لهذه المدينة.
استقرار
حتى اللحظة لم ترد الى قسم شرطة الصفوة أية بلاغات تفيد بأن هناك اعتداءات على المنازل او المواطنين، غير حالة واحدة استخرج لها اورنيك 8 بينما قال مدير قسم شرطة الصفوة إن الأوضاع مستقرة وآمنة تماماً.
الانتباهة
انشاء الله ستسالون عن معاناتهم يا ولاة الامر و انت اولهم.!