المادة 4 الخصم والحكم

لم يكتفي نظام الإنقاذ بتشريد وإذلال الملايين وقتل ألألاف من المواطنين السودانيين بدم بارد نتيجة سياساته العنصرية المعادية لهم بل يسعى أيضا لإسكات أصواتهم باستخدام أكثر الأساليب قهرا و ذلك بتقديمهم لمحاكمات عسكرية لا يتوافر بها أي ضمانات أو حقوق دفاع. فقد أجاز البرلمان قانون القوات المسلحة لسنة 2007 تعديل لسنة 2013 يسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
و الصيغة الفضفاضة للمادة 4 المعدلة تنص على إخضاع كل من يرتكب جريمة تمس بأمن وسيادة الدولة للمحاكمة العسكرية , ويترك تحديد مدى هذا الجرم أو تعيينه لما يسمى بالقضاء العسكري نفسه الذي هو بالأصل خصم في أغلب القضايا, مما يفتح الباب واسعًا لظلم المدنيين أمام القوات المسلحة.
القضاء العسكري هو احد جهات القضاء الاستثنائي وهو مختص في الأساس بمحاكمة العسكريين أو مرتكبي الجرائم العسكرية مثل سرقة الأسلحة والذخائر وغيره و لا تتضمن المحاكم العسكرية الادعاء بالحقوق المدنية وتدار بواسطة هيئة تتشكل من ضباط جيش تعينهم وزارة الدفاع في خرق صارخ لمبدأ استقلال القضاء.
و يعد هذا التعديل مخالفا للدستور السوداني ولكل المواثيق الدولية, و انتهاك خطير للحقوق الأساسية للمواطن, حيث ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 10 على أن :-
لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه .
و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المادة14:-
الناس جميعا سواء أمام القضاء, ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون.
و خلافا لما تنص عليه المواثيق الدولية فان متهمي المحاكم العسكرية لا يحصلون على محامٍ، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، ولا يمكنهم استئناف الأحكام الصادرة بحقهم. إنها ليست محكمة بالمعنى الحقيقي، ولكن تستخدم هذه المحاكم كأدوات تعسفية لملاحقة المعارضين السياسين والناشطين ضمن سياسة تكميم الأفواه .
وتعارض منظمة العفو الدولية محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية لكون هذا النوع من المحاكمات جائر بالضرورة ويخالف العديد من الضمانات المعتمدة في مجال توفير المحاكمات العادلة من قبيل المعايير وخصوصاً الضمانات التالية :-
الحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة تشكلت بموجب أحكام القانون والحق في الحصول على وقت كافٍ لإعداد الدفوع وحق المرء في توكيل محامٍ للدفاع من اختياره والحق في التقدم باستئناف أمام محكمة أعلى درجة من تلك التي أصدرت قراري الإدانة والحكم.
في نهاية الأمر يبقى القضاء العسكري تابعا للسلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة الدفاع وشخص رئيس الجمهورية، وهو ما يجعله مأموراً من السلطة التنفيذية، فيحول له النظام خصومه السياسيين، وبهذا التعديل يكون النظام هو الخصم والحكم في آن واحد.
ريان جبريل
[email][email protected][/email]