تركيا – قطر – مصر: محنة الإخوان!

سلسة أحداث دراماتيكية جرت في الأسابيع الأخيرة أربكت الإسلام السياسي وقضت مضجعه، منذرة بأفول نجمهم إذا ما نجحت واشنطن في فرض خريطة طريق بيتية اقليمية دولية للتعامل معهم.
بقلم: محمد قواص
يستندُ الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، في دينامية نموه، على رعاية رسمية من قبل أنظمة سياسية تقف وراء حالة التسونامي التي طرأت على حراكة في موسم الربيع العربي. الأمر ليس وليد تراكم ايديولوجي عقائدي، وليس نتاج خبرة تنظيمية تاريخية، وليس استسلاما لمسلّمة تسليم العامة بالدين فقط، بل هو ثمرة كل ذلك، مُموّلاً ومسلحاً ومدعماً من قبل ارادات في الرياض والدوحة وطهران وأنقرة، مع التسليم بتفاوت مساهمات تلك العواصم في الكمّ والكيّف، وتباين الاهداف والاساليب وفق أجندات ثابتة ومتحركة.
وقفت السعودية وراء تيارات سلفية متنوعة راجت هنا وهناك، في اتساق مع جهود دولية، بُذلت في النصف الثاني من القرن الماضي، لمكافحة الشيوعية في العالم (وصولاً إلى المساهمة العلنية في دعم الإسلاميين الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي). ولئن خرج تنظيم القاعدة من عباءة الورشة الجهادية في أفغانستان، فإن تنظيم بن لادن مثّل العوارض الجانبية التي واكبت “العلاج” الأفغاني، والذي انقلب على السعودية والغرب عامة وبعد ذلك.
ولا ريب أن الرياض أصيبت بحرج كبير جراء مشاركة 15 سعودياً في اعتداءات 11 سبتمبر، بما عكس تناقضاً ما بين التحالف التاريخي السعودي – الأميركي من جهة، مع طبيعة مشاعر تيار سعودي ازاء الولايات المتحدة. على أن استهداف “القاعدة” للمملكة، معطوفاً على العمل الدبلوماسي الدؤوب وجهود العلاقات العامة، أعاد تقديم السعودية كدولة مكافحة للارهاب ومحبة للسلام (اطلاق العاهل السعودي لمؤتمرات دولية لحوار الأديان صبّت في هذا الجهد).
مقابل ذلك، وبسبب توتر وتناقض العلاقة بين السعودية وقطر في السنوات التي تلت تولي الشيخ حمد بن خليفة سدة الحكم في الدوحة، وبسبب أجندات قطرية خاصة (لا مجال لإثارتها)، عززت قطر من علاقاتها مع التيارات الإسلامية على نحو متقدم ومثير للجدل. وعملت الدوحة على رعاية تنظيم الإخوان المسلمين، فيما تولّت قناة الجزيرة الترويج للـ “إخوان في مصر و”النهضة” في تونس و”حماس” في فلسطين و”الانقاذ” في الجزائر…الخ (ناهيك عن اختصاصها في بث بيانات قادة “القاعدة”).
تختلف الآراء حول “السرّ” القطري ودوافعه. هل هو بحث عن شرعية دينية إخوانية مقابل الوهابية السعودية؟ أم هو اعتماد قطري على حراك إسلامي معارض يوازن علاقات مع الغرب والولايات المتحدة (وحتى اسرائيل)؟ أو هو مراهنة على الحصان الإخواني لتولي حكم ما بعد الربيع العربي؟ أم تعهد قطري للعالم بتولي تدجين كل الحراك الإسلامي الذي يقضّ مضجع العالم؟ الأسئلة كثيرة، لكن لا شك أن الدور القطري شكّل رافعة أساسية وحيوية تفسّر صعود الإخوان اللافت وقفزه “البهلواني” نحو الحكم بشكل لا يتسقُ مع ايقاعاتهم الحقيقية.
على أن النشاط السعودي – القطري جرى، في حقبة ما، على ايقاعات النشاط الإيراني في هذا الصدد. قدمت طهران ما بعد الثورة الإسلامية نفسها حجّة الإسلام السياسي ومحجته. وسّعت إيران علاقاتها مع كل الحركات الإسلامية في المنطقة معتمدة على الطائفة الشيعية، متحالفة مع بعض الإسلام السياسي السنّي (الإخوان اساساً).أرادت طهران من خلال الشيعة حفر نفوذ حيوي في كل المنطقة من أفغانستان إلى اليمن، مرورا بالخليح، انتهاء بالعراق وسوريا ولبنان. وأرادت طهران، من خلال الإسلام السنّي، اختراق فضاءات جديدة وارباك الكتلة المسلمة الغالبة، والتدليل في الوقت عينه على عدم طائفية مراميها.
لكن تطورات الأمور في المنطقة منذ الغزو الأميركي لافغانستان، وبعد ذلك في العراق، مروراً بمفاعيل الربيع العربي، وصولاً الى موقف طهران من أزمتي البحرين وسورية، حرّم إيران من “سواعدها” السنّية، وحشر نشاطها السياسي الإسلامي لدى الشيعة فقط.
على أن تجربة الإسلام السياسي التركي منذ وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، دغدغت آمال الإسلاميين العرب، لا سيما الإخوان منهم، في امكانية تسويق الإسلام السياسي كنموذج حكم مقبول داخلياً ودولياً. وقد أفرج الربيع العربي عن خطط اردوغان وصحبه في تصدير النموذج التركي واستخدامه جسر عبور لنفوذ “العثمانية” الجديدة في المنطقة. صحيح أن أردوغان سعى إلى تسويق العلمانية التركية أيضا، لكن حالة الرفض التي قابل بها الإسلاميون في مصر وتونس دروسه في العلمانية، اضطرت أردوغان للتراجع والانكفاء، حتى في تركيا، نحو ثقافة الإسلام السياسي عند العرب، والذي مقت العلمانية وحاربها ولم يتخيّل التعايش مع احتمالها.
منذ مقتل سفيرها في ليبيا، أفاقت الولايات المتحدة من وهم، وعادت للتنبه إلى الفيضان الإسلاموي الذي خلفه الربيع العربي. لا تهتم واشنطن كثيرا بالعبث الإيراني داخل الإسلام السياسي السنّي، وتعتبر أن ابحار الايرانيين في المياه الشيعية فقط وتخبطهم في المستنقع السوري، أفقد طهران نفوذهم السابق لدى الإخوان المسلمين. ولا تقلق واشنطن من النشاط السعودي في صفوف الإسلام السياسي السنّي، ذلك أن السعودية لم تكن مرتاحة للثورات التي اندلعت في المنطقة، بل واتُّهمت بالتحفظ (وأكثر من ذلك في الحالة المصرية)، كما لم تعمل السعودية على دعم إسلامييها للوصول الى حكمٍ أو مناكفة حكم.
تعتبر واشنطن أن الحالة الإسلامية الراهنة من المحيط الى الخليح، سواء في طبعاتها الحاكمة، أو تلك الجهادية المعارضة، تتغذى من سياسات تركيا وقطر. تنافست الدولتان وتكاملتا في عملية احتواء الإخوان المسلمين واستمالتهم، فيما اتُّهمت قطر، بأكثر من ذلك، بدعم جماعات الجهاد، لا سيما في المغرب العربي ومالي (لاحظ الاتهامات الفرنسية الواضحة في هذا الشأن).
ولا شك أن مقاربة الحالة السورية كشف خيارات البلدين لجهة الترويج للإخوان المسلمين في عمليات تأليف التشكيلات التمثيلية للثورة (المجلس الوطني، الائتلاف)، أو في حالات التسليح الميّداني للإسلاميين في الداخل (أوغلو وزير خارجية تركيا رفض في مؤتمر اصدقاء سورية في المغرب وضع واشنطن لتنظم النصرة على لائحة الارهاب). تصادمت خيارات الدوحة وأنقرة الإسلاموية مع الخيارات الغربية المرتابة من دور الإسلاميين، وغير المرتاحة لعملية تهميش منهجي للقوى المدنية والعلمانية.
سلسة أحداث دراماتيكية جرت في الأسابيع والساعات الأخيرة تربك الإسلام السياسي وتقضّ مضجعه. الحدث الأول يتمثّل في اندلاع مواجهات “غيزي بارك” في ساحة تقسيم، وما سببه ذلك من ارباك لتجربة العدالة والتنمية، ومن تشوّه لنموذج الإسلام التركي وامكاناته التصديرية.
بين ليلة وضحاها أصيب اردوغان بحالة ذعر لجهة تخليه عن خطاب عقلاني ميّز تجربته، لصالح شعبوية شبيهة بسلوكيات “الإخوان” العرب، من حشد جماهيري، واستعارة لمفردات تحشر الأزمة بين المؤمنين والكافرين، وخصوصاً غمز أردوغان من قناة الغرب (والتويتر!) في الوقوف وراء الاحداث (وليس سوريا أو ايران)، بما فهمته أنقرة امتعاضاً من قبل الغرب من سلوكيات أنقرة “العثمانية” وجنوحها الإسلاموي.
الحدث الثاني، تنازل الشيخ حمد بن خليفة عن الحكم في قطر لابنة الشيخ تميم. أسال الأمر حبراً كثيراً في صحافة العالم على مدى الاسابيع السابقة، فيما ترشح عن تلك السطور أسباب داخلية تروم ترتيب البيت القطري لصالح وليّ العهد، تكشف سطور أخرى عن دفع أميركي مباشر بهذا الإتجاه يوقف جنوحاً “تجاوز المسموح”، ويؤسس لسياسة جديدة تنهي الدور القطري السابق وإسلامية مزاجه.
ويأتي الحدث الثالث الذي تعيشه مصر هذه الأيام ضد حكم “الإخوان” لتتيح المجازفة بالتسليم بخارطة طريق بيتية اقليمية دولية يُعمل عليها للتعامل مع الإسلام السياسي في المنطقة. تفصح تلك الاحداث عن زلزال يُسقط الشرعية عن الجماعة الحاكمة في مصر (ما يضعف التيار الاخواني العربي عامة)، معطوفا على خسارة محتملة للرعاية القطرية وانسحاب منطقي للوصاية التركية. تأتي تلك الاحداث (بما فيها نقاش مسوّدة الدستور التونسي حالياً) بعد أن تناقضت طهران مع خيارات الإخوان (الإعلام المُموّل إيرانيا يحرض ضد الإخوان في مصر وتونس)، وأدارت الرياض (ومعها دول الخليج) ظهرها لهم منذ عقود.
محمد قواص
صحافي وكاتب سياسي
ميدل ايست أونلاين
all this play and play
استاذ محمد سلام من الله عليكم
وجهة نظر عن قراة الجماعات الاسلامية السياسية
الغرب عموما بما فيهم امريكا ام الديمقراطية لا تريد ديمقراطية تاتي بالاسلاميين
بدليل لم يتكلم واحد منهم بان ما حصل في مصر انقلاب علي الديمقراطية
وليكن معلوم لديك لو اعيدت الانتخابات في مصر سيعود الاخوان اكثر مقاعدا واكثر منعتا كما يقول حال الشارع المصري
المؤامرة لو رجعت لوجدتها علي اليو تيوب من اعضاء الكنغرس الذي يوالون لاسرئيل وقالوها بالفهم يجب ان يرحل الاخوان من الحكم وعلي تركيا ان تبعد نفسها عن اخوان مصر لانهم يشكلون خطرا علي اسرائيل