أخبار السودان

الأساتذة الجامعيون.. عقول تُهزم برتابة الأوضاع الاقتصادية

الخرطوم: علي وقيع الله

برزت إلى الأفق معاناة أساتذة التعليم العالي والتي تخللت في مستوى معاشهم الحالي مقارنة بماضيهم، في وقت تتكالب وتعتصر فيه أزمات اقتصادية حادة تعيشها البلاد، نتيجة للقصور وعدم الالتفات لقضايا جيش العلماء في التعليم العالي وتهميشهم والتقصير في حقهم وهم متأثرون من التدهور الاقتصادي والتضخم في الأسواق من وقت لآخر، وفريق من خبراء اقتصاديين ومهتمين يقولون إن الأجور هي مصدر معيشة العاملين بأية مؤسسة ومحفز لهم، ووفقاً لآخرين فإن أزمة الرواتب باتت كارثية لمعظم موظفي الدولة، وهي ليست خاصة فقط بأساتذة الجامعات لكنهم الأعلى صوتاً والأكثر هجرة للخارج مقارنة ببقية منسوبي الخدمة المدنية، إلا أنه من الأنسب أن تعمل الحكومة الانتقالية على إرضاء أساتذة الجامعات بإجازة زيادات كبيرة في الموازنة القادمة هذا بحسب ما اقتدته الضرورة.

في وقت كشفت فيه لجنة أساتذة الجامعات السودانية، عن إخلاء عدد من الأساتذة والباحثين لسكنهم جراء العجز عن سداد الإيجار، وتزايد حالات الطلاق فضلاً عن تجميد دراسة أبنائهم بالمدارس الخاصة تأثراً بالتدهور الاقتصادي والتضخم، وتوقعت في بيانها رقم 17 تقدم الأساتذة بطلبات لإجازات مفتوحة بدون أجر مطلع العام القادم بحثاً عن مصادر تغطي نفقات الحياة، وأعلنت اللجنة في بيانها عقب اجتماعها نهاية الأسبوع المنصرم، بمقر وزارة التعليم العالي بوكيلها بروفسور محمد زين موافقتها على المقترح للهيكل الراتبي المقدم من وزارة التعليم العالين لجهة كونه يمثل الحد الأعلى الذي تقدمه من تنازلات استمراراً للدراسة والذي يمثل 80% من مقترح اللجنة. وحذرت من أي مساس بالهيكل تعديلاً أو نقصاناً واصفة إياه بالخط الأحمر، وأكدت متابعتها لقضية الهيكل مهيبة بجميع الأساتذة بالاستعداد لأي تصعيد قادم.

حافز نفسي

يرى المحلل الاقتصادي الدكتور، وائل فهمي بدوي، أن مشكلة الأجور بالسودان هي في حقيقتها مشكلة عامة وليسن خاصة بأية وحدة إنتاجية أو خدمية بمفردها رغم ارتباط أولويات التعليم العالي من حيث أهميته القصوى في دعم النمو طويل المدى للاقتصاد السوداني والذي تستهدفه الخطط والبرامج والموازنات العامة، سواء التعليم بصفة عامة أو التعليم العالي بصفة خاصة وذلك إلى جانب القطاع الصحي. وزاد بالقول فالأجور هي مصدر معيشة العاملين بأية مؤسسة ومحفز لهم، أو كما يمكن أن يكون مثبطاً للإنتاج والإنتاجية وليس مجرد تكلفة إنتاج وفق موازنات محدودة بأسباب قيود أيديولوجية عليها. وهنا يشير  بخلاف كينز وجيي ار هيكس، إلى رأي قديم يشدد على أهمية تسعير مدخلات الإنتاج تسعيراً محفزاً على الإنتاج، ويضيف كان (دانيال دافو) هو الكاتب الوحيد تقريباً من بين العديد من منظري المدرسة الميركانتالية في القرن السادس عشر، الذي ركز على عدم وجود أي معنى أو منطق اقتصادي لأن تبيع المؤسسات (عام أو خاص) لسلعها او خدماتها، بإفقار أصحاب مدخلات إنتاج ذات تلك السلع والخدمات التي تبيعها لتلك الوحدة الإنتاجية لتعظيم أرباحها وربما لا تدفع منها ضرائب لتشجيع استثماراتها. وأكد قد مهدت هذه الرؤية للنظريات اللاحقة بدءاً بآدم سميث للنظر للأجور باعتبارها أداة استقرار لجتماعي واقتصادي وسياسي هامة للغاية. ويفسر المحلل الاقتصادي عبر تصريح لـ(اليوم التالي) ما تود أن تقوله هذه النظرية بأن الأجور كما بقية أسعار مدخلات الإنتاج، هي حافز نفسي لمختلف العاملين التي  توظفهم لزيادة الإنتاج والإنتاجية إلى جانب الحفاظ على ذلك المستوى المرتفع، من خلال ارتباطاتها بشبكة علاقات إجراءات الشراء والبيع المحفز مع المؤسسات الأخرى (عام أو خاص) التي توفر لهذه المؤسسة أو تلك بقية مدخلات الإنتاج وليست مجرد تكلفة إنتاج منخفضة تحددها موارد مالية محدودة غير كافية، وفق آيديولوجية المدرسة الحاكمة، بموازنات المؤسسات المختلفة إما لتعظيم الأرباح أو لتخفيض تكاليف الإنتاج، ونوه إلى أن عهد العصور الوسطى التي كانت تشجع على بل وتفرض التقشف قد عفت عليه حتى كتب تاريخ الفكر الاقتصادي، وذكر بأن التقشف ربما يؤدي دوما إما إلى ضعف الإنتاج والإنتاجية أو إلى هروب رأس المال البشري والمالي والمادي إلى حيث الدخل المحفز للعمل الذي تشجعه النفس البشرية الذاتية تحت الضغوط الأسرية والثقافة الاجتماعية.

معاناة الأساتذة

يؤكد د. وائل أن أساتذة جامعات السودان وحسب معرفتي بالعديد منهم فهم يعانون أشد المعاناة من ضعف الدخول في تنامي أسعار السلع المعيشية اليومية، وكذلك موظفو مختلف المؤسسات الأخرى يعانون من الضعف الشديد للغاية في الأجور. وعزا هذا الوضع نتيجة لسياسات صندوق النقد الدولي التضخمية والتي دفعت بها حكومة حمدوك ما قبل التغيير السياسي في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ إلى مستويات جامحة للغاية، وكاسحة للأجور الاسمية التي أصبحت لا تكفي أي أسرة بل أي فرد مدة تصل إلى ١٠ أيام إن لم يكن أقل من ذلك. وذكر مرة أخرى للصحيفة تأثير التضخم الجامح على العلاقات الاجتماعية والأسرية وعلى علاقات المؤسسات الإنتاجية ببعضها البعض، وحتى على مستوى العلاقات السياسية بين الكتل السياسية المختلفة بالسودان بما ينتهي إلى حتمية التغيير السياسي. ولفت إلى أن السبب في ذلك القوة العاملة هي دائماً التي يضحي بها لدفع فواتير أخطاء نظريات وسياسات القائمين على الحكم بالبلاد، خاصة التضخمية لتجنيب البلاد من مزيد من التدهور الاقتصادي الموروث من الحكم السابق وهلاك معيشة العباد السائد حالياً بالبلاد. وأكد تأييده لقرارات لجنة اساتذة الجامعات السودانية لغيقاف نزيف هجرة العقول واستفحال وضع التعليم العالي بالبلاد، كما الوضع الصحي حالياً وذلك بغض النظر عن تدهور العلاقات المالية الدولية التي تسبب فيها التغيير السياسي في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١.

علماء السودان

وحث الحكومة الجديدة بذات رئيس مجلس الوزراء أن تعمل بجد واجتهاد حقيقي على تغيير أسس إعداد الموازنات العامة المعتمدة على الخارج واستبدالها بأسس إستراتيجية الاعتماد على الذات، قائلاً (الذي أيضاً كنا نشدد عليه لتجنيب الحكومة من أي تقلبات سياسية في العلاقات الدولية متوقعة لأي أسباب كانت). وشدد على ذلك لضمان مباشرة دعم واستقرار ورفاهية أساتذة الجامعات ولكل بقية العاملين بالدولة وبقية الشعب السوداني، (المصنف بأنه الفقير بالإحصائيات العديدة) الذي يعيش على أرض زاخرة بوفرة الموارد الطبيعية والبشرية، وقال لا مناص من تأييد مطالب جيش علماء السودان في حربهم الشعواء على الجهل والأمية ببناء رأس المال البشري السوداني ليكون منافساً دولياً في كل المجالات.

أزمة الرواتب

يقول المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب، إن مشكلة تدهور القيمة الفعلية لأجور العاملين في القطاعين الخاص والعام ناتجة أساساً من تدهور سعر الصرف للجنيه السوداني الذي بدوره ناتج عن تدهور متواصل في الناتج القومي الإجمالي للبلاد والذي تناقص إلى خمس قيمته منذ ثلاث سنوات, ووصف في حديقه لـ(اليوم التالي) أن أزمة الرواتب باتت كارثية لمعظم موظفي الدولة وهي ليست خاصة فقط بأساتذة الجامعات، لكنهم الأعلى صوتاً والأكثر هجرة للخارج مقارنة ببقية منسوبي الخدمة المدنية، ويعتقد بأن هناك اهتماماً من قبل الحكومة الانتقالية بالعمل على إرضاء أساتذة الجامعات بإجازة زيادات كبيرة في الموازنة القادمة، ويرى أن مقترحات وزارة التعليم العالي بشأن الهيكل الراتبي الجديد للأساتذة الجامعيين تحتاج للتوافق حولها وتوفير موارد مالية لها، ويجب أن تمر عبر لجان الموازنة وأن تحصل على موافقة وزير المالية ثم مجلس الوزراء، وهذه أشياء رهينة بمدى توفر موارد مالية تكفي لتمويل الزيادة المقترحة على أجور الأساتذة الجامعيين بعد تقرير قضايا أساسية. وتساءل هل ستتم الزيادة لكل العاملين بذات النسبة أم سيتم استثناء الأساتذة الجامعيين؟، واستبعد في الوقت ذاته ألا تتم زيادة أجور الأساتذة الجامعيين بذات المبالغ المقترحة من وزارة التعليم العالي، بل بمبالغ أقل بكثير من ذلك نسبة لتوقف الدعم الدولي للحكومة الانتقالية وقلة الموارد المالية المحلية. ويشير إلى أن هذا يعني بتحسن طفيف سيحدث للأساتذة الجامعيين لكنه بالطبع لن سيكون كافياً، وهذا يعني أن على معظمهم البحث عن عمل إضافي لدعم الراتب لتلبية احتياجاتهم المعيشية.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. والله ما قلنا ما يدوهم ما يستر حالهم لكن يصبروا شوية يدبروها لحد الامور تستقر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..