فعلتها يا بوعزيزي ..فهل أحسنت التوقيت !

ماذا لو تأخرت يا محمد البوعزيزي في تحديد موعد تفجيرك للثورات ليس بتأجيل ميقات الموت طبعاً الذي هو أجلٌ محتوم ، وإنما بإعطاء عقلك عشراً من السنوات أو عشرين لينضج معه الشعور في الشارع العربي بقيمة الأوطان وتقديس وحدة شعوبها واحترام بعضُها لفكر بعضها وإن إختلفت الرؤى والمشارب حتى تكون النهايات هي نقاط الإلتقاء عند مصلحة الوطن وخير شعوب المنطقة مثل سائر البشر في العالم المتحضر !
هل كنت تدرك لحظة مغادرة روحك لرماد إحتراقك ، أنك تركت عالمنا المتخلف واقعاً بين عساكرصرف وطغاةٍ هم عسكر في لبوس مدنيين لا يقتنعون بأن الحلول
الأ منية لن تجعل العناد يركع لسيفها عند نطوع الهيمنة ، وبين جماعات سياسية على مختلف توجهاتها الثيوقراطية المتشددة ، والتحررية العلمانية أو المدنية وهي التي لم تهضم مجتمعة ً بعد ترياق الممارسة الديمقراطية بالقدر الذي يُعلي منها كقيمة حقيقية لا تمثيلية سيئة الإخراج لإنتاج نظم حكم على غيرإرادة الشعوب ، و بتسخير جهلها من طرف القيادات التي تقدم مصالحها كبيوتات وتنظيمات وايدلوجيات وأحزاب وجماعات على المصلحة العامة !
ماذا جنينا من موتك المُبكر غير التعجيل بموت الكثيرين إحتراقاً في نار التخلف عن فهم حقوقنا وعدم معرفتنا لكي نختار من يجلب لنا تلك الحقوق و أولها كرامتنا التي أهدرتها الديكتاتوريات ، فسلمناها بعد زوال الطغاة لمن لايحسنون القسمة العادلة بين صحنهم الضيق وقدح الشعوب الأكبر !
أما نحن في السودان فمصُيبتنا في رحيلك قبل أوان نضوج جسدك في نيران التجارب التي تزكي الروح وتقوي الفهم الصحيح للتغيير وتوقيتاته ، فهي مصيبة مزدوجة الأبعاد إذ وقعنا بين كماشة العسكر ، وجماعات الظلم في وقت واحد فأركبونا في مؤخرة قطارهم الذاهب بنا الى الهاوية وقالوا هذا هو الربيع السابق لنيران البوعزيزي بعقدين ونيف ، فأجبرونا لنغني لهم دون وعي بلهيب التصفيق الذي أحرق عمر وطننا وهم يرقصون على أطلاله ..
(دوّر بينا البلد داك )..
وهاهم يدورن بنا في دوامة لا هي ألقت بنا في حفرة الفناء لنستريح كلنا نحن وهم ، ولا أعادونا للمحطة الأولي لنرتاح منهم !
ليتك عشت قليلاً ، لتحيا من بعدك الشعوب طويلاً ، بعد أن تكمل دراستها في معاهد الديمقراطية وفهم الحقوق والواجبات ، وان تكون الجيوش حارسة لكل تلك المعطيات لا متغولة عليها ولا طامعة فيها حينما نفشل نحن كشعوب في إدارة شئوننا ، فتلتقط سنان البنادق حينها الرأية من بقايا عودها المفتت وهي تسقط تحت الأقدام المتدافعة لتمزيقها ودوسها وتعفيرها بغبار الغباء السياسي الذي لم نتجاوزه بعد الى مداخل الصدق الوطني ..مثلما كنت أنت أحمقاً فاحرقت جسدك قبل الأوان !
وليتك فعلتها .. واحسنت التوقيت يا محمد البوعزيزي.. وغفورك المولى..الرحيم بشعوب لاتعرف بعد ما هو الفرق بين صندوق الذخيرة وصندوق الختة التي يسيطر عليها من يقوم بجمعها ويوزعها بالأولوية حسب مزاجه لا وفقاً لما تختاره القرعة فتتدخل الشرطة حينها بدعوى تحريز الحق المشكوك في صحة توزيعه الى حين صدور الحكم في قضية عادة ما يطول الفصل فيها بواسطة قضاء الزمن الذي يكون أغلبه ممهولاً الى سنوات!
ومن يغالط فليتجه الى الخرطوم إن كان يزعجه منظر الدم الدافق .. في القاهرة ونواحي مصر ومن قبله صوت طلقات الصدام الليبي الذي أذهب حكم االجنون وجاء بسيطرة العصابات..أو جلسات القات اليمنية التي تنتهي عادة بتجريد الخناجر من أغمادها وقد جلس الشاويش على.. خلف الستار يلقن الممثلين ، أو فوضى العراق التي جعلت الحنين الي قبضة صدام تعيد شهوة التنميل الى الرقاب ، مثلما أصبح الأسد يرقص فرحاً على إيقاع دفوف جبهة النصرة التي تريد إسكات موسيقى الجيش الحر .. الحرام .. !
أما تونسك التي تركتها يمشي على خضرتها حذاء الحاكم الأوحد..فقد تقاسم حشيشها يابسه قبل أخضره من لا يعرفون الزراعة ولا يفهمون كيفية العزق.. وقد كرموك بنصب تذكاري من بضعة طوبات مشققة يمر به الناس ليتذكروك ، بعضهم يلعنك في سره والبعض الآخر يعاتبك على الإستعجال فيما هم القليلون من يطلبون لك الرحمة ويواسون أمك الثكلى التي غادرتها وأنت في ريعان الشباب وهي على عتبات الخريف إذ لم تستمتع هي الآخرى بربيعك المؤود مثل وطنك الجريح !
فليتك تمهلت كثيراً .. يابني لتكون شهيداً لحرية حقيقية ، ولكنك تركتها دون المجاز بفراسخ..يا سامحك الله ..!
ولا حول ولا قوة إلا به وهو اللطيف العظيم ..

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرًا أستاذ برقاوي على كتاباتك الرائعة وقلمك الأنيق ، ومشكلة شعوب الربيع العربي أنها أرادت أن تقفز سلم الديمقراطية في خطوة واحدة والنخب إسكرتها شهوة السلطة وبريقها الزائف ، يا ريت نحنا في السودان نستفيد من هذه الأخطاء بعد قيام ثورتنا قريييييييبا إنشاء الله

  2. بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها

    الدكتور محمد أحمد الزعبي
    مدخل
    عنوان هذه المقالة، هو العنوان الفرعي لكتاب الفيلسوف الفرنسي الكبير روجيه غارودي Rouge Garodi (حفارو القبور)، والذي صدر عام 1992 بمناسبة مرور 500 عام على احتلال الغرب/ اكتشاف الغرب للأمريكتين، والذي صدرت طبعته الأولى مترجمة إلى اللغة العربية عام 1999، عن دار الشروق في القاهرة
    إن اتفاقي مع المرحوم غارودي بمعظم آرائه الفكرية والسياسية، ولا سيما فيما يخص العلاقة الجدلية في عملية التطورالاجتماعي والتكنولوجي، بين أوروبا وأمريكا من جهة، والبلدان النامية (العالم الثالث) من جهة أخرى، هو ماحدى بي إلى وضع الأفكار الأساسية لهذا الكتاب الهام، بين يدي القارئ العربي، ولاسيما في بلدان مابات معروفاً بـ”الربيع العربي”، فلعل في أفكارهذا الفيلسوف الفرنسي (الغربي) الماركسي والمسلم، مايمثل ” الدومري” الذي يمكن أن يوقظنا من سباتنا الطويل، على قاعدة “وشهد شاهد من أهلها” على نفسه
    1. يرى غارودي – ولست متأكد هنا من مدى صحة وجهة نظره، ولا سيما بعد غزو بوش الإبن للعراق عام 2003 – أن صدام حسين قد ارتكب خطأً بالرد على الحرب الإقتصادية التي ارتكبت ضد بلاده، بالغزو العسكري للكويت، لأنه قد أعطى لأمريكا الذريعة التي كانت تنتظرها منذ نصف قرن (أي منذ محاولة مصدق تأميم البترول الإيراني)، حيث أصبح ممكناً إطلاق تعبير “الدفاع عن حقوق دولية” على ماحقيقته الحفاظ على الوضع الاستعماري الراهن، ويستطرد غارودي قائلاً، إن “الدفاع عن الحق لايمكن أن يكون انتقائياً، لايمكن تطبيقه بعناد في حالة ضم الكويت ونسيان ضم القدس، صحيح إن القدس ليست سوى مدينة
    مقدسة، لكن الكويت مقدسة ألف مرة بما أنها محاطة بآبار البترول” (ص15)
    ويرى غارودي أن عملية ” تحرير الكويت ” لم تكن سوى ذريعة، أصبحت جلية بعد إعادة الأسرة الحاكمة إلى العرش في الكويت، حيث أعلن الرئيس بوش بعدها بصراحة في الأمم المتحدة، ضرورة الإبقاء على الحظر حتى يترك صدام حسين السلطة، ويعتبر هذا الحظر (الحصار) بنظر غارودي، اعتراف واضح من إحدى الدول، أنها ستجوع شعباً حتى يأتي بحكومة توافق هي عليها!(ص 45)
    ويستشهد غارودي على ” جرائم الولايات المتحدة والغرب عامة “، باعتراف الأمم المتحدة، بان حرب 1991 قد أرجعت العراق إلى عصر ماقبل الصناعة، وأن أمريكا قد ألقت على بغداد حتى اليم الرابع من الحرب 60000 طن من المتفجرات، وهو مايعادل خمس مرات ماألقوه على هيروشيما (16)

    2. وفي رؤيته للإشكالية التنموية في بلدان العالم الثالث، يربط غارودي ربطاً جدلياً بين تخلف البلدان النامية وتطور/تقدم البلدان الرأسمالية الغربية (أوروبا وأمريكا)،من حيث أن خمسة قرون من الإستعمار، هي التي أدت إلى نهب ثروات ثلاث قارات (آسيا، أفريقيا، أمريكا اللاتينية)، وإلى تدمير اقتصادياتها، وتكبيلها بالديون. ويستشهد غارودي على صحة تلك الرؤية، بما كتبه السفير المقيم في مورشيد أباد (الهند) عام 1769، ” إن هذا البلد الجميل الذي كان مزدهراً في ظل أكثر الحكومات استبداداً وتعسفاً، أصبح على شفا الخراب منذ اشترك الإنجليز في إدارته “(ص19). وقد تمثل هذا الخراب – حسب غارودي – بالمجاعة
    التي ادت إلى وفاة مليون شخص فيما بين عامي 1800 و 1875، وإلى وفاة 15 مليون شخص فيما بين عامي 1875 و 1900 (ص 20)، وأيضاً بهيمنة رؤوس الأموال الأجنبية في المرحلة الإستقلالية (بعد 1947) على : 97% من البترول، 93% من الكاوتشوك، 62% من الفحم، 73% من مناجم الحديد…الخ
    (ص21).

    3. بالنسبة لمن يحاول أن يرى حقيقة العالم، ليس من خلال صورته في التلفزيون ووسائل الإعلام، نقول هناك حريقان مشتعلان
    3.1، التبادل غير المتكافئ بين الشمال والجنوب، بين اقتصاديات مدمرة كلّياً بفعل قرون من النهب
    والاستعمار، واقتصاديات مشبعة ومتخمة بما نهبته. إن حرية السوق هي حرية الأقوياء في افتراس الضعفاء
    ، والدليل الأكثر سطوعاً هو، التدهور الدائم في التبادل التجاري (ص31) : ففي عام 1954 كان يكفي لمواطن برازيلي أن يملك 14 كيساً من البن لكي يشتري سيارة جيب من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1962 كان يلزم نفس المواطن 39 كيساً، وفي عام 1964 كان يمكن لمواطن في جاميكا أن يشتري جراراً أمريكيّاً مقابل 680 طن سكر، وفي عام 1968 كان يلزمه 3500 طن. إن الدول الفقيرة مستمرة في مساعدة الدول الثرية!!، وإن فوائد الدين تمثل في كثير من الأحيان نفس قيمة أصل الدين، وتساوي مجمل الصادرات، مما يجعل أية “تنمية” في مثل هذه البلدان مستحيلة. (التوكيد هو مني م ز) (ص31)،

    3.2، دور كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي في تخريب نصف الكرة الأرضية الجنوبي، عبر
    مايسمى “برامج الإصلاح” والتي تتكون غالباً من العناصر التالية
    – خفض سعر العملة المحلية بحجة تشجيع الصادرات وخفض الواردات،
    – خفض اعتمادات التعليم والصحة والإسكان، وإلغاء ” الدعم الحكومي ” لبعض السلع الغذائية الحاجية،
    – خصخصة الشركات العامة، أو رفع أسعارها (الكهرباء، الماء، المواصلات…الخ)،
    – إلغاء التحكم بالأسعار،
    – زيادة الضرائب ومعدلات الفائدة،
    هذا مع العلم ان مثل هذه ” الليبرالية! ” هي أفيد للدول الراسمالية من الاحتلال العسكري، أو الديكتاتوريات العسكرية في ابتزاز ونهب البلدان النامية. (33)، وفي استئثارهذه الدول الرأسمالية بكل من الثروة والسلطة في البلدان النامية. ويشير غارودي، إلى أن العلاقة بين هذه ” اليبرالية المتوحشة ” (والتعبير لغارودي) والعالم الثالث، تذكره، بنظرية الثعلب الحر داخل حظيرة الدجاج الحر!! (57)

    4. وفي انتقال غارودي من العام (النظام الرأسمالي العالمي)، إلى الخاص (الولايات المتحدة الأمريكية)
    أعاد توكيده، على أن حرب الخليج، قد كرست هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم (36) حيث أصبحت الساحة بعد تدمير العراق خالية من أجل انتشار جديد دائم لـ ” المجموعة العسكرية الصناعية الأمريكية ” في الشرقين الأدنى والأوسط (السعودية، الكويت، الإمارات) (37)، وأصبحت صناعة السلاح في الولايات المتحدة تعيش عصرها الذهبي، وأصبح الحق الدولي الوحيد هو “حق الأقوى” (40)

    5. نشرت مجلة كيفونيم/اتجاهات (وهي مجلة المنظمة الصهيونية الدولية في القدس) في عددها رقم 14 فبراير 1982 مقالة عن “خطط إسرائيل الاستراتيجية في عقد الثمانينات”، وسنقتطف بعضاً مما أورده غارودي من هذه المقالة الخطيرة، والتي تفسر كثيراً مما يجري الآن في بعض الأقطار العربية
    – لقد غدت مصر باعتبارها كياناً مركزياً، مجرد جثة هامدة… وينبغي أن يكون تقسيم مصر إلى دويلات منفصلة جغرافياً هو هدفنا السياسي على الجبهة الغربية خلال سنوات التسعينات،
    – وبمجرد أن تتفكك مصر وتتلاشى سلطتها المركزية، فسوف تتفكك بالمثل بلدان أخرى، مثل ليبيا
    والسودان وغيرهما من البلدان الأبعد،
    – وتعد تجزئة لبنان إلى خمس دويلات… بمثابة نموذج لما سيحدث في العالم العربي بأسره، (ص 41)
    – وينبغي ان يكون تقسيم كل من العراق وسورية إلى مناطق منفصلة على أساس عرقي او ديني أحد الأهداف الأساسية لإسرائيل على المدى البعيد، والخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف هو تحطيم القدرة العسكرية لهذين البلدين.
    – فالبناء العرقي لسورية يجعلها عرضة للتفكك،مما قد يؤدي إلى، قيام دولة شيعية على طول الساحل، ودولة سنية في منطقة حلب، وأخرى في دمشق، بالإضافة إلى كيان درزي قد ينشا في الجولان الخاضعة لنا، وقد يطمع هو الآخر إلى تشكيل دولة خاصة، ولن يكون ذلك على أي حال إلاّ إذا انضمت إليه منطقتا حوران وشمال الأردن، ويمكن لمثل هذه الدولة على المدى البعيد أن تكون ضمانة للسلام والأمن في المنطقة، وتحقيق هذا الهدف في متناول يدنا،
    – أما العراق، ذلك البلد الغني بموارده النفطية… فهو يقع على خط المواجهة مع إسرائيل، ويعتبر تفكيكه أمراً مهماً بالنسبة لإسرائيل، بل إنه أكثر أهمية من تفكيك سورية، لأن العراق يمثل على المدى القريب أخطر تهديد لإسرائيل (ص 41/42).

  3. اتمنى من الكاتب برقاوي أن يكتب مقالا ولو مرة واحدة عن أنظمة الخليج ولماذا تأخر عنها ما
    يسمى الربيع العربي؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..