العنف ضد الطلاب عقوبة إلى حد الافراط

تحقيق: هويدا المكي:
لم يدر بخلد أسرة العم فائز التي استطاعت النجاة من نيران كتائب القذافي والثوار عقب اندلاع المواجهات المسلحة في الجاهيرية الليبية، ان شبح الموت الذي هربت من جحيمه سيواجه أحد افرادها بحضن الوطن الأصل، وللمفارقة الغريبة لم تفقد الأسرة طفلها محمد في حادث حركة او نتيجة لمرض يصيب من هم في عمره كما هو شائع في السودان، بل جاء نتيجة لعنف مورس ضد التلميذ الصغير الذي هرب من الارهاب والرعب في ليبيا ليأتي ويواجهه في السودان داخل مدرسته التي قصدها باحثا عن علم اسوة باقرانه واترابه، ولكن شاءت الاقدار ان يضع معلم يفترض فيه?ان يكون مربياً لمحمد حدا لحياة الصغير الذي فارق الحياة بعد ان دخل في غيبوبة لشهر كامل بداعي تلقيه «ضربة» على رأسه من معلمه، ليغادر محمد الدنيا وهو الذي لم ير فيها شيئاً بعد، تاركا اسرته تصارع ألم الفراق وتغالب الاحزان.
ليفتح موته المؤسف الباب على مصراعيه مجددا للحديث عن العنف ضد الطلاب.
وفى بحث قامت به منظمة رعاية الطفولة بالسودان، قدم التلاميذ وصفاً لاشكال العقوبات البدنية المستخدمة ضدهم، وكان أكثرها شيوعاً هو الجلد بالسوط. وروى الأطفال من الجنسين تجارب عقوبات مثل الصفع، القرص، الضرب او الركل، اما بواسطة المعلمين أو الابوين. وقال «78%» من الاطفال إن معلميهم وآباءهم استخدموا السوط عند معاقبتهم. وقالت «65%» من الفتيات إن المعلمين او الابوين استخدموا معهن وسائل اخرى مثل اللطم والقرص، فيما قال «3%» من الفتيات إنهن تعرضن للصفع، وكان الضرب بالعصا هو الوسيلة الثانية الأكثر شيوعاً بعد الضرب بالس?ط ضمن العقوبات البدنية فى المدرسة كما أوردها الاطفال.
الأمينة العامة للمجلس القومى لرعاية الطفولة قمر هبانى، قالت: على الرغم من أن قانون حماية الطفل يمنع توقيع أى من الجزاءات على الأطفال بالمدارس كالعقوبات القاسية والتوبيخ بالالفاظ المهينة للكرامة والحرمان من حضور الحصة والطرد من المدرسة اثناء سير الدراسة، لكن هذه القرارات لم تجد طريقها الى التنفيذ، حيث يتم التحايل عليها بدعوى أن الجلد لم يذكر شفاهة بالقانون.
وشهدت الأعوام الأخيرة أكثر من «15» قضية متعلقة بعقوبة الجلد، ادت الى اعاقات متفاوتة. وعلى الرغم من ان المادة «29» تنص على الجزاءات المحظورة التي من بينها الجلد، لكن مازال المعلمون يستخدمون اسلوب الجلد بطريقة صارمة ومؤذية، على الرغم من قرارات وزير التربية والتعليم، لذلك لا بد من وقفة لسد هذه الفجوات التى تولد مشكلات يصعب حلها حتى يكون التعليم مواكباً للعصر. وأشارت هبانى إلى ان التعامل مع اطفال اليوم يختلف كثيرا عن الماضى، لذلك لا بد من التعامل بوعي، لأن عقول الاطفال منفتحة بسبب التكنولوجيا التى باتت متوفرة.?وأوصت بأن نطور تعاملنا مع الاطفال، اضافة إلى الالتزام بالقرارات والقانون، تدريب المعلمين بمشاركة التلاميذ، إقامة شراكات مع ادارات التعليم خاصة منظمات المجتمع المدنى، اختيار نماذج من قانون الطفل لعام 2010م وتدريسه للطلاب، تدريب المعلمين ورفع مستواهم المعيشى، وضع قانون يجرم عقوبة الجلد لأن قانون الطفل لم تذكر فيه عقوبة الجلد، سن اللوائح لوزارة التربية والتعليم قبل قيام المؤتمر العام للتعليم، وممارسة البدائل التربوية بديلا للجلد.
ومن جانبه قال مدير معهد حقوق الطفل ياسر سليم، إنه بعد فترة طويلة من البحث فى القوانين صدر قانون 2010م، واصفاً القانون بأنه أفضل القوانين، اضافة الى وضوحه، وادخل القانون نقلات تفصيلية للمدارس هى حظر العنف وحماية الأطفال من جميع اشكال العنف، وان يجاهر الطفل بدينه، اضافة إلى ان التشرد لا يعتبر جريمة، وقال إن للقضاة لا بد أن يأخذوا كورسات فى حقوق الطفل. وأشار سليم إلى أن حصيلة اللقاء الذى تم مع وزارة التربية أكد أن الوزير حمد منع الجلد في مرحلة الاساس.
وأبان سليم أن المادة «29» حظرت جميع الاشياء إلا عقوبة المعلم، لذلك كان لا بد أن تضع وزارة التربية والتعليم جزاءات محددة للمعلم الذى يخطئ، وقال ان اغلبية المعلمين ليسوا على قناعة بإلغاء عقوبة الجلد، لأن منعها سيؤدى الى استعلاء الطلاب على المعلم، مناشدا المعلمين ان يقتنعوا انهم فى اطار دولة هدفها الاساسى التأهيل، ولا بد من ممارسة البدائل التربوية بديلا للجلد.
ومن وزارة التربية والتعليم أكدت الاستاذة اسماء حامد، أن ضرب الاطفال بالمدارس مشكلة حقيقية ومحتاجة الى وقفة لاصلاح نظام التعليم، بمعنى أنه لا بد من عمل مجلس ينظم مهنة التعليم كالمجلس الهندسى وغيره، لأن مهنة التعليم باتت مهنة من لا مهنة له، كما اشارت إلى ان اقل النسب التى تؤهل الطلاب للجامعة تدخلهم كلية التربية، وهذه مشكلة فى حد ذاتها لا بد من علاجها واصلاحها. واضافت اسماء ان السودان من أوائل الدول التى وقعت على قانون الطفل، لكن للأسف أن ميثاق قانون الطفل حبيس الادراج. وقالت إن المعلم لا بد ان يكون لصيقاً ب?لطالب لمعرفة نفسياته وكيفية التعامل معه، مبينة ان شخصية المعلم اختلفت كثيراً عن شخصية المعلم فى الماضى، واوصت بوضع خطة عمل تعمل على نشر اتفاقية حقوق الطفل على جميع المستويات، موضحة ان قانون التخطيط لعام 2001م لم يطور حتى الآن، وبالنسبة للوائح الداخلية لم يجدوا عقوبات تعاقب من يقوم بالعنف، فيما أكدت انهم لم يسعوا الى تجريم معلم، بل يقومون بنشر الوعى والسلوك القويم. وفى ختام حديثها قالت إنه لا بد من اجتثاث المشكلة من جذورها لنخرج الى بر الأمان.
ومن جانبها قالت الناشطة فى حقوق الطفل إقبال محمد عباس، إن نوعية المعلم اختلفت كثيراً عن الماضى، والآن المدارس تعتمد على الخدمة الالزامية، مطالبة بتوقيف الالزامية من المدارس. ومن المشكلات التعليم الذى تعانيها الاسر غير الجلد هنالك اشياء غير تربوية تتم داخل باحات المدارس، مبينة ان المعلم المؤهل لديه الخبرة فى معاملة الطفل، لذلك لا بد من التأهيل والحرص على التربية دون الضرب، مؤكدة أن عدم ضرب الاطفال له دور كبير فى سلوكياتهم، لأن الطفل الآن اوعى من الكبار، فيما اشادت بمعلمى كليات المعلمين ووصفتهم بالمؤهلين فى ?ملية التعليم.
وقالت الدكتورة فى مجال علم النفس ناهد محمد الحسن، إن العقوبة البدنية تشكل معوقا أساسياً للسلوك الانسانى عند الاطفال، اذ انها تضعف تقدير الذات لديهم، وتقدم نموذجاً عنيفاً لحل المشكلات، وتكرس لمشاعر الخوف، وسلوكيات تجنب العقوبة القائم على الكذب والهروب، وبالتالى فإن خطورة العقوبة من منظور حماية الطفل أنها تضعف شخصية الطفل وقدرته على ايقاف الاساءة، وتعوق استعانته بآخرين من أسرته لانعدام الحوار والثقة والأمن بينه وبينهم. وأضافت ناهد ان العقوبة من منظور الحماية هى الخطر الأكبر الذى يتهدد سلامة الطفل، كما انها ?ؤدى الى تدني الوعي وتؤثر على قبول الأقران، حيث يجد من تعرض للإساءة صعوبة فى إنشاء علاقات مع الآخرين، ودائماً يبحث عن الاهتمام ويجد صعوبة فى الاعتماد على الآخرين والثقة بهم، مع شعور سالب بالذات وإغراق فى مشاعر ذنب، ويظن أنه سيئ ويستحق ما حدث له. وقد حدثت حوادث كثيرة خارج وداخل السودان نتيجة للعقوبة البدنية انتهت بأذى جسيم.
قالت ناهد إن مهنة التعليم فى ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة فى السودان تعتبر احدى المهن التى تتزايد معها الضغوط. كما أن التعاطى اليومى المستمر مع الاطفال والمحاولة الدائمة لجعلهم يلتزمون جانب الصواب يعتبر أمراً مرهقاً وشاقاً على الكثيرين، لذلك كان من الضرورى ايضاح وشرح مفهوم وطبيعة الضغوط وكيفية الإفلات منها، كما أن الاطفال انفسهم يتعرضون للضغوط يومياً، إما لظروفهم المعيشية والبيئية والخاصة، أو لطبيعة المدرسة والعملية التعليمية، اذ تشكل المدرسة الجديدة او المرحلة التعليمية الجديدة تحدياً حقيقياً للطفل، كما ?ن البيئة التعليمية المعادية للطفل التى تمارس العقوبة البدنية، تشكل خطراً نفسياً وشيكاً يتهدد أمان الطفل وسلامته النفسية.
والشاهد أن العقاب فى التربية ليس أمراً مرفوضاً برمته، ولكن المرفوض وبشكل قطعي هو العنف الموجه ضد الأطفال باسم العقاب التربوي، فتلاميذ المدارس ليسوا مجرمين وما يرتكبونه من أخطاء هي محاولات لاكتشاف الحياة وفقاً لخبرتهم التى لا تتجاوز سنين أعمارهم اليافعة.

الصحافة

تعليق واحد

  1. أتسأل لماذا لا تقوم السلطات المختصة بمعاقبة هولاء المعلمين اذا صح اطلاق هذا الاسم عليهم ممن يقومون بمعاقبة الطلاب بهذه الطريقة الوحشية… من اعطاهم هذا الحق…؟
    فلتعلم هذه الاسر السودانية بأن ابنائها وبناتها لا يتعرضون فقط لعقوبة الجلد بل للتحرش والانتهاك الجنسى والجسدى واللفظى.

  2. المجتمعات المتخلفه و على رأس القائمه المجتمع في السودان…يبدو أنه سيعاني كثيرا…في معظم المجالات…اعانكم الله أطفال السودان…

  3. هى الحكومة جايبا خبر للتعليم ، لقد رفعت يدها تماما عن التعليم و عن الخدمات الصحية و أصبحت مهنة التدريس غير مرغوب فيها، و خصصت معظم الميزانية للأمن و الدفاع للحفاظ على بقائها فى كرسى الحكم على حساب التعليم و الصحة و أصبحت مدارسنا فى حال يرثى لها و المدرس فى الأقاليم أحيانا يظل 6 أشهر بدون راتب مما يجعله فى غاية السخط و الغضب مما يدفعه للتنفيس عن غضبه فى التلاميذ الصغار الأبرياء الذين لا ذنب لهم بدلا عن الحكومة التى هى سبب كل المصائب، و فى الوقت الذى يظل فيه المدرس بدون راتب لمدة 6 أشهر و أحيانا أكثر من ذلك فإن ما يسمى بأعضاء المجلس التشريعى الطفيليين الذين لا فائدة منهم يتقاضون رواتبهم الضخمة فى مواعيدها بالاضافة الى علاواتهم و امتيازاتهم، أما الملاليم التى يتقاضاها المدرس فلا يحصل عليها على قلتها الا متأخرة كثيرا و بعد مطالبات و تهديد بالاضراب وغيره، فكيف بالله عليكم يرتقى التعليم فى السودان و الحال كما ذكرت؟ الدول التى تدرك أهمية التعليم و أثره فى التطور تخصص له أضخم الميزانيات و تجعل مهنة التدريس جاذبة جدا و تصرف الكثير من الأموال لتأهيل المعلمين عن طريق الدورات التأهيلية و تفرض سلوكا منضبطا على جميع المعلمين و معايير صارمة يجب أن يحافظ عليها كل من يرغب فى الانخراط فى سلك التعليم.

  4. كما هو معروف من يسمون أنفسهم معلمين أو مربيين هم أبعد الناس من الأخلاق الحميده…ممارستهم الضرب والأهانه لأبنائنا التلاميذ ليس الغرض منه تأديبهم وتربيتهم وإنما الغرض منه إرهابهم للتحكم فيهم وذلك ليسهل لهم ممارسة الشذوذ الجنسى معهم….وأيضا كلامى موجه للآباء بأن يكونوا أكثر مرونه مع الأبناء وتعويدهم على الصراحه فى القول وذلك لكى يجد الطفل متنفسا بأن هناك من يستمع له حتى يستطيع أن يبنى الثقه بنفسه…ولذلك أقول للآباء الكلام الفارغ بتاع خذوا اللحم وأعطونى العظم ليس له أساس من الصحه للتربيه السليمه…..أرحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.

  5. المعلق : محمد خليل برافو عليك ..
    .
    فعلاً الدولة رفعت يدها تماماً عن اتعليم والصحة …. بالله ماذا نستفيد منها كشعب ؟؟؟؟

    وأقول لكم والله العظيم التلميذ من غير عقاب …. سوف لن يحل الواجب ولا يذاكر أو يجتهد …. نعم هنالك نسبة 3% من المعلمين ربما لحرصهم البالغ على التلميذ يقومون بضربه …وربما بطريقة مبرحة …والهدف ليزيد تحصيله …. ويأتي الهدف على رأس المعلم ….

    المعلم هو الأب وهو الأخ وهو الإنسان …فضلا أرجو أن لا نظلم المعلم …. فقط ممكن أن تضع وزارة التربية والتعليم إن كان هنالك فعلاً وزارة يهما المواطن والتلميذ …أن تقنن عملية العقاب وتعمل لها قليل من الضوابط …دون حجر حريةالمعلم في تقديره لعقاب تلميذه …

    وبدون عقاب سوف لن ولم ينجح التلميذ …….

    ويجب (1) إغلاق كل المدارس الخاصة …ودعم المدارس الحكومية .
    (2) يجب توقيف الحد عند 93 جامعة وكلية ومعهد ويكفي هذا العدد …وكفاية مهازل وتوسع أفقي …. وبلا فائدة أو مقرر أو تحصيل أو توظيف …
    (3) يجب إنصاف المعلم وتعديل راتبه .
    (4) مجانية الدروس المسائية فقط …
    (5) إيقاف الدروس الخصوصية ….. لما لها من مضار …واعني ما أعنيه !!!؟؟
    (6) ترقية معمار وأثاث المدارس الحكومية .
    (7) أهم شئ توفير الكتاب للتلميذ ووسيلة التنقل من وإلى المدرسة .
    (8) منع الإختلاط بالجامعات أو يجب تقنينه وبصورة قوية وحاسمة .
    (9)تجفيف الداخليات الخاصة نهائياً .
    (10) الرجوع للداخليات الحكومية والأكل الممتاز المجان والإعانات للتلاميذ والطلاب وتوفير فرص نقلهم إلى زويهم بالإجازات .

    وكتير ..كتير …بس ربنا يقلعع عنا ناس االإنقاذ …يارب ……آمين … آمين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..