في انتظار غودوك..!!

من الأشياء الملفتة للنظر والمثيرة للرغبة في البحث والتقصي والدراسة والتمحيص فيها، ظاهرة الانتظار والترقب والتي ضربت باطنابها في أنحاء التاريخ السوداني وارجاء الواقع المعاصر كذلك.
فقديماً كان الملك النوبي الأخير (تالوت امون) في انتظار المدد الى أن قضى على المملكة الاثيوبي عيزانا والذي (اذانا) بتدمير أجمل ما في تاريخنا، كما بقي حاكم عام السودان الاخير في عهد الاتراك والمصريين (شارلس غوردون) في انتظار الفرج والخلاص على يد الحملة المشتركة لانقاذه من حراب وسيوف الانصار والتي نالته وانتاشته وجزت راسه، حاملةً اياه الى الامام المهدي رحمه الله والذي غضب لكونه ايضاً في انتظار غوردون حياً لمقايضته بـ(عُرابيٌ) في مصر!
كما تمدد شبح الانتظار ليطال الحكومة الوطنية الاولى في الخمسينيات والتي وعدت ابناء الجنوب بالعدل والانصاف وعدالة توزيع الفرص والوظائف، ولكن ثبت تماما ان تلك الوعود مثل وعود عرقوب اخاه بيثرب، ومثل مواعيد المتنبئ واموالهُ المواعيدُ.
فمن جملة ثمانمائة وخمس من الوظائف تم منح ابناء الجنوب الغالي ثلاث وظائف فقط، نعم ثلاث وظائف وعلى مضض وتذمر من الانجليز الجدد والخواجات السود الذين تولوا الحكم حينها وليقود هذا الامر الى حدوث انفراط في عقد الثقة بين الجنوب والشمال ويؤدي بعد طول انتظار الى انفصال الجنوب وضياع ثلث ارض بلادنا سدىً، وليسجل التاريخ بمداد من دم ان مليون ميل مربع لم تكفي اربعين مليون سوداني فقط ليعيشوا فيها معاً!
اما في احداث الثورة التصحيحية يوليو ۱۹۷۱ م، فقد ظل الجميع في انتظار وصول الطائرة التي تحمل قادة الحراك الثوري ليقودوا الامر ولكنها لم تأت وليتم سحق الثورة واعدام ومحق من قاموا بها، والذين قادهم الانتظار الى فقدان ارواحهم الطاهرة.
وفي الحركة الوطنية يوليو ۱۹۷٦ م ظل المناضلون في الاذاعة بعد ان سيطروا عليها، ظلوا في انتظار من يأتي لتشغليها وإعلان الامر للشعب وكالعادة لم يأت أي احدْ، كما ظل باقي المقاتلين في الصحراء في انتظار من يأتي ليدلهم على الطريق ويصلح لهم مركباتهم المعطوبة ولكن خاب ظنهم وباء انتظارهم بالفشل، وادى ذلك الى فشل الحركة واعتقال واعدام قائدها بعد ان تعرض لابشع الاعتداءات والتعذيب وهو مقيد بالسلاسل وتم اسماعه سيلاً ووابلاً من الالفاظ العنصرية والمنافية للكرامة والانسانية والاهانة القاسية على أيدي سُكارى ومسطولي النظام وقتها!
كما أن الأحزاب الطائفية والعائلة والاصدقاء ظلت دوماً في انتظار اصحابها ومالكيها من آل البيت، في انتظار ان يسافروا وانتظار ان يعودوا، في انتظار ان يعينوا وان يقيلوا، في انتظار ان ينضموا ويصالحوا ويعارضوا، وظلوا يحملون راياتهم في انتظار عودة مولاهم، وليردوا المطار بالشوق ويعودوا بالغبار.
وظل الباقون في انتظار اشارة امام القوم لعقد المؤتمر وتتوالى السنون والايام وهم في الانتظار والوعود، كما ظلوا في انتظار التنظيرات والتهويمات والتي لا تسمن ولا تغني من مسغبة أو جوع، سوى الهتاف والصراخ وادعاء البطولات من البنات ونيل البطولات الرياضية من البنين، بينما يواصل الناس الانتظار والصبر وإن الله لمع الصابرين والمنتظرين!
الجريدة
في اخبار حجبت لاادري ماالسبب