رحل الواثق فحياه الغمام .

انتهى مجد اللغة عند المُحبين الهائمين لدى قوائم الحرف ، والمنهاج والقلم . كنتَ بسطة رقّة تنظم الدُرر اللغوية في بُساط أحمر ، فخمٍ يزيّن ديوان العربية . هكذا أنت . كنتَ رفيق الصُحبة ، جليل المقام ، تهُز سيرتك أضرحة الوجد اللغوي ، وتنير الشِعر بموسيقى قلبت ظهر المُجَنِّ على كل منظومة تثِبُ .

(2)

تكدّر الصبح ، وغلّفت شمسه الصادحة أدمُعٍ سكبت عصير الزهر حبراً أسوداً، حلبَت الملح ، وعمّنا البؤس من حيث لم نحتسب . كنتَ تلملمُ آجال الخرز المجبول على العِشق ، وتأتينا الرياح بما يشتهي الحُزن . تحمل الرواحل الخبر على زكائب ، وتنزع الخيام ريح تُزلزل الأرواح . البستان النضير ، انطوت الأغصان على نفسها من وقع ما حدث وسقطت الثمار دون موعد نُضجها .

(3)

هذا أوان المراعي بلا عُشب . هذا موعد اللقاء بلا عُشاق . هذه مراثي بلا مقبورين . هذا موعد السماء أن تنشق ، والجبال أن ترتجف من رهبة البرهة الشقيّة .رحل الشاعر ، نضّاح . بئره لا تنضب ، وسيله ذاهب من أعلى الوادي إلى المصائر الباكية عند لقاء النُهير في الوادي العظيم . كنتَ سيدي تهجو وتفرد جناحك للمدائن ، تُخلدها بشِعرك ، وتتركها باكية على رُبى التاريخ .

(4)

اليوم تساوت البرهة بالساعة الثقيلة على الميزان . هنا تقرأ على الورّاقين كتبهم حيرى ، وتصرخ الأوراق قد ضلّت السبيل بعد رحيلك.
أتذكر حين كتبت سيدي :

سألتك الله ربَ العـرشِ في حُرَقٍ إنِّي ابتأستُ وإنِّي مـسَّنى الضـرَرُ
هـل تُبْلِغَنِّي حقولَ الرونِ ناجيةٌ تطـوي الفـضاء ولا يُلْفَى لها أثر
قربَ الجبالِ جبالِ الألبِ دَسْكَرةٌ قد خصَّها الرِّيفُ، لا همٌ ولا كَدَرُ
تلقاكَ مـونيك في أفْيَائِها عَرَضا غـضُّ الإهـابِ ووجهُ باغِمُ نَضِرُ

(5)

ما أبهى طَلعُكَ ، وما أخضر فرعكَ ، وما ألذ فاكهتُك بما تبوح به . ريّان قبرُك ، تُباهي ملوك الفراعنة بما استصحبت من كنزٍ معك ، ونسجتَ حرير اللغة ، تُخيط لها فستان زفافها .وفي قمم الأحزان جعلت اللغة ضاحكة وهي تزُم المدائن . باسمة وهي تُخلد المكان والزمان ، وبسرعة هززت جزعك وتساقط عنك الثمارٌ ، تَروي وتُشبِع .

عبد الله الشقليني
20 أكتوبر 2014

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. له الرحمة والمغفرة الدكتور الواثق وبكتك الخرطوم والجيلي والنية وكذلك أمدرمان بل بكاك كل السودان يا صحاب أمدرمان تحتضر

  2. رحمه الله رحمة واسعة والهم السودان باسره واسرته الصبر والسلوان . احب السودان حبا عظيما مشي به الي اخر الشوط فكان هجاؤه له واخر الشرق غرب كما يقولون ! كانت محبتنا دائما من ذلك الستخ ليس عندنا ام بقول لابنها : يا حبيبي وانما يا سجم الرماد يا فقر وتقول عصابة محجوب ل (لزين) يا مسنوح ويا مقطوع الطاري مشيت بملا كرشك الكبيرة دي فينبطح علي الارض علي بطنه بضحكة تشبه نهيق الحمار محركا رجليه . هجا جرير الفرزدق اقذع هجاء :
    زعم الفرزدق ان سيقتل مربعا ——- و
    قومٌ اذا استنبح الضيفان كلبهمُ
    قالوا لامهم بولي علي النار !
    ولما بلغه نعي الفرزدق بكي :
    بكينناك حدثان الفراق وانما
    بكيناك شجوا للامورِ العظائم
    قدم الشاعر الضخم فروض حبه لمدنه بطريقته وعلي طريقة اهله :
    من صحن مسجدها حتي مشارفها
    حط الخمول بها واستحكم الضجرُ
    ولا احب بلادا لاظلال لها
    يظلها النيمُ والهجليجُ والعشرُ
    تماما مثل العاشق القديم قبل الزركشة والزحرفة البروتوكولية في الحب وقد شغف حتي حاكي نسوة يوسف لا ينسي الهجاء بهار الحميمية :
    الجمال القطع اصبعي
    هيّ سجم امك كان تنفعي ______ ياله من فقد ويالنا من مساكين بفقد تمثال هؤلاء

  3. الاستاذ الشقلين احسن االه عزاءك في الفقيد… اللهم اغفر له وارحمه وابدله داراً خيراً من داره واجعله مع الكرام البررة…انا لله وانا اليه راجعون…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..