من الأكثر احتراماً «ثاني أوكسيد الكربون» أم المسلمون؟

من الأكثر احتراماً «ثاني أوكسيد الكربون» أم المسلمون؟

سحر ناصر

«حرق نسخ من القرآن الكريم سيخالف قواعد السلامة من الحرائق».. هذا ما تقلق بشأنه سلطات مدينة «جينسفيل» في تعليق لها على دعوة كنيسة «مركز الحمائم للتواصل العالمي» لحرق نسخ من المصحف الشريف في ذكرى أحداث 11 سبتمبر 2010. وهذا ما سيدفع العرب والمسلمين للتساؤل عن ماهية قواعد السلامة من الحرائق في هذه المدينة، وعن مدى التزام سلطات «جينسفيل» في تطبيقيها، حيث يلوح من نافذة هذا «القلق» بصيص أمل لدى المسلمين، لأنهم لا يعتمدون اليوم على أي تحرّك جدّي على المستوى الدبلوماسي والسياسي في هذا المجال بقدر ما يعوّلون على «قواعد السلامة من الحرائق» التي قد تضع حداً لمخططات «الحمائم» خوفاً من الحرائق.. وبالطبع لا يُقصد بتلك الحرائق ما سينجم عن إشعال العلم الأميركي في الجامعات العربية، فأبواب هذه الأخيرة موصدة ومرصوصة بعتاد وعتيد جهز خوذاته وعصاه وبنادقه لمكافحة الشغب، والطرقات المؤدية إلى السفارات الأميركية في الدول العربية معبّدة بقوات حفظ الأمن العربي التي لولا مهمتها هذه لكانوا من بين ملايين العاطلين على العمل منذ عشرات السنين.
«قواعد السلامة من الحرائق» نزلت برداً وسلاماً على قلوب بعض العرب فهم قد يجدون فيها ضرباً من ضروب «البروباغندا» السياسية، ومدخلاً قانونياً للتجرؤ على مقاضاة حارقي القرآن الكريم في المحاكم الأميركية، وفي هذه الحالة سيكون لسان حال كبار المحامين أمام المحاكم الأميركية: «يا سيّدي القاضي.. دعك من حرق المصحف الشريف.. فنحن لم نقبض ملايين الريالات والدنانير والدراهم لمناقشتكم في ذلك.. فهذه حرية شخصية يكفلها الدستور الأميركي ويضمنها خنوع المسلمين.. لا علينا يا سيدي القاضي من التهديدات التي أطلقها حارقو نسخ من الكتاب المقدّس لدى المسلمين وبأنهم عاجلاً أم آجلاً سيقفون في وجه الإسلام وإن لم يفعلوا فلن يزول الشيطان على حدّ قولهم.. فهذه آراء ديمقراطية بات المسلمون يقتنعون بموضوعيتها.. ولكن القضية الأهم يا سيدي القاضي تكمن في أن هذه الحرائق تتسبب في زيادة نسبة التلوث في مدينتي.. وهذا التلوث قد يطيح بالحلم الأميركي ببيئة نظيفة.. كما أن هذا التلوث يخالف قواعد السلامة من الحرائق المنصوص عليه في قوانين ولايتي وفي اللوائح التنفيذية لمدينتي.. يا سيدي القاضي هذه الحرائق تهدد صحة وسلامة أطفال أميركا العباقرة.. ما سينسف أحلام شعوب العالم بوجود من يحفظ الأمن والسلم الدوليين في المستقبل».
ومن هول هذا المشهد، سيغضب القاضي الأميركي النزيه على صحة أحفاده وستساوره الشكوك حول «السلم والأمن الدولي» الذي تحميه الإمبراطورية الأميركية حول العالم كما لقنته وسائل الإعلام المحلية.. وسيتخذ موقفاً وطنياً أميركياً بامتياز.. وسيصدر قراره بوقف حرق نسخ من القرآن الكريم في الهواء الطلق «outdoor»، وسيشرّع إمكانية حرق
النسخ المقدسة مستقبلاً في معامل وأماكن مجهزة ومخصصة لذلك.. كي لا يتسبب الحريق بخدش مواطن أميركي.. عندها سترتاح قلوب الحكام المسلمين بأن الحرق سيتم في المستقبل «indoor» وليس أمام مرأى الشعوب المسلمة وأتباع الديانات السماوية.
وبعد الاحتفاء بهذا النصر في المحاكم الأميركية، ستنطلق الاحتفالات في الشوارع العربية، وستُحرق الأعلام الأميركية والإسرائيلية بالغاز المستورد، وسندوس عليها بـ «جينز» من صنع أميركا وحذاء عتيق كهل تجاوز الستين عاماً.. وسيخطط منظمو الاحتجاجات «العفوية» لإعادة أمجاد العرب على رائحة الإطارات المشتعلة والمصنعة دولياً.. كل ذلك سيكون على وقع أنغام «وين الملايين.. الشعب العربي وين.. الدم العربي وين.. الشرف العربي وين»، وستصدح خلف أسوار الجامعات أنغام أوبريت الحلم العربي معلنة الاستمرار في النضال «أجيال ورا أجيال حتعيش على حلمنا.. واللي حنقولوا اليوم محسوب على عمرنا.. ومعانا غنّوا وقولوا الفنّ ده طوق ونجاة» وعلى رنين كلمات «لن نّهزم.. ولن نركع إلا لله».. وفي ظلّ نشوة النصر هذه، سيقتنص «الإرهابيون» الممولون من حارقي المصحف الشريف سكرة «المجد» هذه، وسينكبون مجدداً وأبداً على تشويه صورة الإسلام والمسلمين وسيتجنبون في المستقبل مواجهة أنصار البيئة ومخالفة قواعد السلامة من الحرائق!

العرب القطرية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..