لم يعد سراً يا شكسبير

(1)
> عندما يعود لأمسيات الخرطوم أدبها ومسرحها ، وتخرج الأسر من قبضة مواقع التواصل الاجتماعي وسمر شارع النيل للمسارح، تشعر أن الخرطوم عاد إليها ألقها (المفقود) ، ورجع للعاصمة المثلثة ما كان يميزها عن كل العواصم العربية والإفريقية ، عندما كانت تنفرد وحدها بفضيلة (القراءة) ، دون غيرها من العواصم.

> ما أصعب أن لا تنتج مسارح الخرطوم ومواقع التواصل الاجتماعي غير هوس (البندول) وصخب (لوشي).
> في الأيام الماضية أحدثت مسرحية (تالتن ومخالتن) حراكا مسرحيا وثقافيا جميلا في ليالي الخرطوم, وهي تعرض على خشبة المسرح القومي بأم درمان.
> وجاءت بعدها على خشبة نفس المسرح مسرحية (كتمت) والتي تعرض الآن بنجاحات مقدرة ، رغم شح الإنتاج وضعف القدرات المالية التي تجعل من الصعب أن تصمد (مسرحية) في ظل هذه الظروف الصعبة التي لم تعد فيها مسارح القاهرة قادرة على استقبال مسرحية إن لم يكن يسبقها الفشل.
> على خشبة مسرح قاعة الصداقة تعرض الآن مسرحية (ملف سري) التي ألفها عوض شكسبير وأنتجها جمال عبدالرحمن وأخرجها محمد نعيم سعد وجسد شخصياتها عوض شكسبير وجمال عبدالرحمن وأمير عبدالله وسامية عبدالله ومحمد عبدالله كابو ومحمد عبدالمعنم جلواك.
> سوف أكتب بعض الملاحظات عن قصة المسرحية ومؤلفها ومخرجها والأداء المسرحي.
> يجبرني على ذلك نجاح المسرحية وقدرتها على إعادة (الصفوف) من جديد، بعد أن اعتدنا عليها فقط أمام المخابز وطلمبات البنزين ومحلات الغاز وتأشيرات الخروج!!.
(2)
> عوض شكسبير استطاع ان يكون (شكسبيراً) فعلاً في ذلك النص وهو ينجح في أن يحقق لقبه من خلال (ملف سري).
> النص كتب برمزية عالية دون إسفاف وقدم نقدا هادفا للسلطة والمجتمع في قالب كوميدي رائع بعيدا عن النقد من أجل النقد ، او (المصادمة) من أجل النجاح.
> المسرحية قدمت (نقدها) في شكل أدبي عالي الجودة.
> (ملف سري) قدم بها عوض شكسبير (رسالة) هادفة وهو يتطرق للعجزة والمسنين وما يمكن أن يجدوه من (الأبناء) وما يقع عليهم من (السلطة).
> عوض شكسبير في الفترة الأخيرة اتجه الى الدراما (الرسالية) …فهو بعد أن كتب مسلسلا تلفزيونيا ألقى الضوء به على مرضى السرطان، يقدم الآن مسرحية معنية بالعجزة والمسنين.
> ما يفعله شكسبير في هذا الجانب ..يستحق ان نقف عنده …وان ندفع الى دعمه ومساندته وهو يهتم بقطاعات حقوقها مهضومة من السلطة والمجتمع.
> بل إنها لا تجد حتى حظها من (الإعلام).
(3)
> أحد أهم حلقات القوة في مسرحية (ملف سري) الإخراج المسرحي المدهش الذي صاحب المسرحية برؤية إخراجية ذكية لمحمد نعيم سعد الذي نجح في تقديم نص يبدو (اجتماعياً) وصعب التعامل معه بتلك الخفة والكوميديا الساخرة والعالية.
> محمد نعيم سعد ربما هو من القلائل في المنطقة العربية كلها الذي نجح في الخلط بين الإخراج السينمائي والتلفزيوني من خلال نص (مسرحي) يقدم على خشبة المسرح.
> محمد نعيم سعد يفعل ذلك دون ان يفقد للنص المسرحي ركائزه (المسرحية) العميقة …ودون ان يجعله في (تبرج) العمل السينمائي أو في (سهولة) العمل التلفزيوني.
> كما يبدع محمد نعيم سعد في الجانب (الاستعراضي) ، مع الاحتفاظ بالقوام المسرحي (الكوميدي) للمسرحية.
> غير ذلك فإن محمد نعيم يهتم بالمضمون رغم أنه يقدم مسرحية (استعراضية) ..لذا تأتي أعماله المسرحية بذلك (العمق) الذي يجعل العمل الذي يخرجه قابلاً لكل التفسيرات.
> نعيم من مدرسة تقديم أعمال (مفتوحة) تجعل المتلقي أو المشاهد لأعماله جزءا أصيلاً من العمل ومن الحل ايضاً.
(4)
> طفرة أخرى أحدثتها مسرحية (ملف سري)…وهو الأداء المسرحي العالي لكل أعضاء المسرحية بمن في ذلك (العسكري) الذي ظهر في مشاهد محدودة.
> المسرحية قدمت محمد عبدالمنعم جلواك بصورة (عبقرية) ، وأظن ان خشبة المسرح أكدت ان نجاحات جلواك عليها أعلى كثيرا من نجاحاته في التلفزيون، فهو يبدو (مسرحياً) حتى النخاع.
> جلواك نجح في تقديم شخصية (الطيب) بكل صراعاتها وبداوتها وعمقها (النقدي) للسطة من خلال (دروبه) المتعددة.
> كذلك ربط جلواك بين الأداء التعبيري نصاً وحركته، ونجح في تحريك كل أجزاء جسمه لخدمة (النص) ، ليجمع بين السيناريو والحوار من خلال الأداء الشخصي.
> ايضاً من نجوم المسرحية ..سامية عبدالله ..فقد قدمت دوراً لخص (الأزمة) كلها …ولو أن المسرحية اكتفت بـ (سامية عبدالله) لكفاها ذلك.
> كل عناصر المسرحية كانوا في قمة الأداء …وليس ذلك غريباً على أمير عبدالله وجمال عبدالرحمن ومحمد عبدالله كابو وعوض شكسبير.
(5)
> الديكور والمؤثرات الصوتية والنظرية جاءت لخدمة النص دون أن يكون هناك (إفراط) فيها كما يحدث في الكثير من المسرحيات.
> كذلك نقدم التحية لجمال عبدالرحمن منتج المسرحية الذي يبدو واضحاً أنه لم يبخل على العمل ? كفى أنه قدمه على مسرح قاعة الصداقة في هذا التوقيت الذي يبدو (ساكناً).
> ان كان هناك ثمة ملاحظة …نقولها لعوض شكسبير ، فهو أن ما يحدث من (فساد) ومن (تجاوزات) في تلك الملفات لم يعد سراً.
> لكن ربما للضرورة المسرحية ..تناولها عوض شكسبير كـ (ملف سرّي).

الإنتباهة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..