مشروع السودان الجديد..هل كان صالحاً للسودان الموحد فقط ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

مشروع السودان الجديد..هل كان صالحاً للسودان الموحد فقط ؟

1
على مرتين ..كانت هنالك شهادات من مفاوضين مع قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان..عن مستوى وعي قياداتها .. ودرجة إدراكهم لقضيتهم .. وكيفية إعداد أنفسهم للعب دورهم .. وفقاً لما اختاروه من فكر..واجترحوه من طرح جديد على الساحة السياسية في السودان .. يدير ظهره للصورة النمطية الموسومة بالعنصرية الفجة لدى مناوئيهم من التيارات السياسية.. أهمها على الإطلاق..شهادة الراحل محمد إبراهيم نقد..سكرتير الحزب الشيوعي السابق ..بكل حجمه السياسي والفكري..بعد زيارته لهم في أديس..بعد الانتفاضة ..لتلمس موقف الحركة ..ومحاولة صب تيار مياههم ..في نهر الانتفاضة وحصاد ما بعدها.. بعد فشل محاولات بقية الأحزاب السياسية ..حتى رئيس الوزراء المنتخب وقتها السيد الصادق المهدي . فقد نبه الراحل إلى ضرورة تحسب من يفكر في محاورتهم ..لما قد يواجهه من مفاوضين مختلفين عما ألفوه قبلاً.
الشهادة الثانية..كانت خاصة ..من قريب لأحد قيادات نظام الانقاذ في سنينه الأولى.. عن مفاوض لم يكن من التيار الاسلاموي ..حيث لفتته كيفية إبعاد هؤلاء القادة ..أنفسهم من مواقع الشبهات في إطار إعداد أنفسهم كقادة لمستقبل البلاد وقتذاك.
2
ما جد وقتها على الساحة السياسية في السودان ..رؤية سياسية مختلفة تماماً عن البضاعة المتداولة لدى بقية الأحزاب السياسية ..منذ ما بعد الاستقلال .. تسفه ما راج عن المتمردين وحملة السلاح..في ماضي التمرد على سلطة الدولة من الجنوبيين..حيث تجاوزت حتى أهم إفادات الترابي في أكتوبر من أن أمر التمرد..هو أمر حريات تعاني منه كل الدولة في نير الحكم الديكتاتوري..لتطرح بقوة رؤيتها في جدلية الهامش والمركز .. وتلقي الأضواء الكاشفة على اختلال في ميزان العدالة في السلطة والثروة وفرص التعبير عن مكنونات الثقافات المختلفة مقابل الثقافة العربية السائدة..علاوة على قمع حريات التعبد والتدين ..وعدم احترام تباين الآخر ..وأن التعامل مع مشكلات السودان والحروب..ينبغي ان يأخذ أول ما يأخذ..كل ذلك في الحسبان..وقد سمى المشروع بمشروع السودان الجديد..كان الراحل القائد جون قرنق..صاحب الرؤية الجديدة ..التي عرفت منذ طرحها بمشروع السودان الجديد..وانتقلت والتقت معها آراء حركات دارفورية ..وإن لم تنضو معها في تنظيم سياسي واحد.. ف (تحرير السودان) ..أصبح مصطلحاً يظهر في اسماء وادبيات حركات عدة.. بل وتمددت الرؤية ..لتشمل رموزاً فكرية من المعروف اصطلاحاً بشمال السودان ..أمثال الدكتور منصور خالد والدكتور الواثق كمير والأستاذ ياسر عرمان..بل وانتظمت دور الحزب الذي يحمل اسم الحركة الشعبية ..في كل السودان بعد توقيع اتفاقية السلام والاستعداد للإنتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أعقبت سنوات الاختبار في الفترة الانتقالية المنصوص عنها في اتفاقية السلام.
3
في أتون صراع الرؤى ..لم يكن لمشروع السودان الجديد أن يسلم من تصويب سهام التشكيك .. وقوالب الوصم بالعنصرية المتخفية خلف الشعارات البراقة .. من التيارات السياسية التي يتهددها المشروع الجديد ..والتي وجدت مبررات لها ..في سلوك تيارات داخل الحركة نفسها .. من حملة الأجندة الانفصالية .. واختلفت مع صاحب المشروع وقاتلته ..وللمفارقة ..صالحت النظام في ما عرف لدى النظام بالسلام من الداخل ..في ظل الصراع مع التيار الأساسي ..تمثل ذلك فيما عرفت بمجموعة الناصر ..قبل أن تعود إلى الاتحاد مع الحركة مجدداً. هذا يشير بوضوح لا لبس فيه.. إلى وجود التيار الانفصالي حتى قبل اختبار مصداقية نظام الانقاذ في الفترة الانتقالية.. وبرر به المنبر العنصري من الجهة المقابلة وجوده فيما عرف بمنبر السلام العادل..
لكن ..وبغض النظر عن الاتفاق مع المشروع أو الاختلاف معه.. فإن الحركة الشعبية نفسها في تقديري ..كانت أول من سدد الطعنة النجلاء للمشروع..بانحيازها وفق ترتيبات إقليمية ودولية..لخيار الانفصال وتكوين دولة جنوب السودان ..وهي بذلك ..وبغض النظر عن مصداقية مبرراتها أو عدمها .. ودون غمط لحق شعب جنوب السودان في تقرير مصيره …لم تخصم كل الثقل الجنوب سوداني من قوى الهامش فحسب..بل أدى سحب مرشحها لرئاسة الجمهورية الاستاذ ياسر عرمان..إلى استحالة قياس مستوى مقدرة الفكرة على استقطاب مؤيدين في شمال ووسط السودان.. علاوة على ترك ما سمي بقطاع الشمال في وضع لا تحسد عليه.. تنتاشه سهام الاتهام بالتبعية لجنوب السودان ..أو على الأقل ..تلقي كامل الدعم اللوجيستي وحتى رواتب الجنود.. في حربها للنظام من دولة أجنبية.
4
لكن السؤال الأهم في تقديري هو: هل كانت هزيمة المشروع في الانفصال وتكوين حملة مشاعله دولة أخرى ..أم فيما آلت إليه الدولة الجديدة .. التي انحدرت إلى مستوى لم يتوقعه أكثر المتشائمين ..فالقيادات التي سوقت نفسها ونالت شهادات بعض المنصفين من محاوريهم.. وكانت تشتكي من الفرز القبلي والإثني وانعدام هامش الحرية في الشمال..واعتبرته العامل الأساسي في استعار حروب الهامش وتكرار دورات التمرد.. ولغت في دم شعب جنوب السودان بنفس المفاهيم القميئة التي كانت تقاومها…لتهزم في ذهن من لفته المشروع الجديد .. قناعاته ..وتشكك بقوة..في المبررات المساقة لحمل السلاح تحت أفكاره.. وتحول الدولة الغنية بالموارد..إلى دولة فاشلة .. جعلت القوى الدولية التي ساندتها ..تعض بنان الندم على خيبة آمالهم فيها…بعد مئات الآلاف من الضحايا الذين صنفوا إما قتلى أبرياء ..أو نازحين من بلداتهم ومدنهم ..أو مقيمين في معسكرات اللجوء.
لكن الأدهى والأمر في هذا السياق.. هو عدم اقتصار المشكلة على الدولة الوليدة..بل امتداد المرض ذاته إلى الجزء المبتور من الحركة في قطاع الشمال ..حيث استيقظت نفس الأشكالات المتمثلة في الجهوية والقبلية والاقتتال الداخلي مستمدة غذائها القيح ..من نفس الموائد القميئة.. ليصل الأمر حد كتابة نائب رئيس الحركة في خطاب استقالته ضمن ما كتب وظهر في التسريبات..إلى ترشيح غيره من كاملي الانتماء العرقي لمنطقة جبال النوبة بديلاً عنه ..حتى لا يعيق عدم نقائه العرقي ..تطور القضية والمنطقة.!!!؟.علاوة على تلاقي أصوات منسوبي النظام من جبال النوبة..مع أصوات بعض أعضاء الحركة منها ..لتتحد في وجه عرمان وعقار .. كونهما لا يمثلان شعب جبال النوبة ..ما قاد كما ظهر في التسريات إلى بعض الصحف والمواقع الإليكترونية ..إلى عرض عقار التنازل ورفيقه عرمان عن قيادة الحركة..بعد أن امتدت نار الاقتتال الداخلي إلى النيل الأزرق..وليست حركات دارفور تناغمت معها..بمعزل أو منأىً من المشكلة .. فدعوات تقرير المصير من ضمن المنضوين تحتها ..لا تفسر إلا فشلاً للمشروع نفسه فيما تفسر.
ختاماً يقودنا السياق إلى السؤال الذي عنونّا به هذا المقال ..هل كان مشروع السودان الجديد ..صالحاً للسودان الموحد فقط ؟أم طرحاً مختلفاً عليه حتى داخل الحركات التي تبنته؟

معمر حسن محمد نور
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقالك لايرتقي لمستوى الحدث لماذا لأن فهمك وافقك ضيق لايستوعب ماحدث وماسيحدث
    وان شئت أم أبيت ثورة الهامش سيصل لمبتغاه

  2. مقالك لايرتقي لمستوى الحدث لماذا لأن فهمك وافقك ضيق لايستوعب ماحدث وماسيحدث
    وان شئت أم أبيت ثورة الهامش سيصل لمبتغاه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..