“وا حسرة شبابي” المشاهير والعائلة.. تكريس الحياة للإبداع بدلاً عن الزواج 1-2

الخرطوم ? عثمان الأسباط
أجاب الفيلسوف الألماني الشهير (إيمانويل كانت) عن سؤال طرح عليه أكثر من مرة يتعلق بعدم زواجه، فرد ساخراً “عندما كنت في حاجة إلى زوجة لم أكن قادراً على إطعامها، وعندما أصبحت قادراً على إطعام زوجة لم أعد في حاجة إليها”، بهذه العبارة وضع (كانت) مسلكاً سار عليه من بعده مبدعون في ضروب عديدة في حقب زمنية مختلفة، إذ تشابهت حياتهم على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومجتمعاتهم.
الأمثلة تتجاوز حدود الحصر والسبب يكاد يكون واحداً، فعدم زواج المشاهير ليس نشازاً في المجتمعات كلها كما أسلفنا، والسودان واحد من المجموعات التي أصيبت بهذا العرض – لو جازت وصفه بهذه التوصيف – وهنا نلقي لمحة على حكاية مبدعين لم يقترنوا بزواجات حتى رحيلهم.
تنازع جمع المال والاهتمام بالإبداع
للدقة، فإن هناك بعض من المبدعين لم يرثوا المال في مسيرتهم الفنية، بل ورثوا حب الناس، وعندما وصلوا مرحلة الشهرة تقدم بهم العمر، الأمر الذي جعلهم يصرفون النظر عن فكرة الزواج وآخرين لم يبلغوا الشهرة، وبالمقابل اكتنزوا الاموال الطائلة وبقوا متنازعين ما بين الاهتمام الأكبر بالإبداع والنجومية، وما بين تحصيل قدر كبير من الأموال، وما بين (اللافتتين) ضاع حلم الزواج. وكما هو معروف فإن السياسة تسرق العمر بفعل العمل المتواصل والرغبة في احتلال المناصب، الأمر الذي يجعل السياسي ومع المشغوليات الكثيرة، يجد نفسه قد تقدم به العمر وهو لم يتزوج بعد، وبالمقابل فإن الرياضة بمشاركاتها الداخلية والخارجية التي لا تنتهي تساهم في تحويل النجوم إلى (عزابة).
شواكيش ومواقف
ولأن النجومية تجعل من المبدع محور اهتمام الإعلام والمعجبين فإن زواج مبدع بلغ به العمر مرحلة متقدمة سيكون بكل تأكيد حدثاً في حد ذاته من واقع أن معجبي النجم المتزوج، وفي أي مجال كان يعدون ذلك الحدث من أهم الأحداث في العام، وتتفاوت الأسباب التي تقود المبدعين في مختلف المجالات إلى العزوف عن الزواج، فمنهم من سرقه إبداعه ونجاحه المتكرر في تكريس وقته لإبداعه، وآخرون تعرضوا لصدمات عاطفية (شواكيش) من محبوباتهم، ما جعلهم يدخلون في حالات نفسية ويخرجون قصة العشق من حياتهم، وبالتالي ينصب اهتمامهم في تجويد إبداعهم، ومن أشهر الفنانين الذين تلقوا صدمات عاطفية الشاعر حسين بازرعة الذي ظل يكتب أشعاراً من قلب محترق دون أن يداويه حب جديد، وتعددت الروايات عن علاقة الشاعر بفتاة من إحدى الولايات انتهت بزواجها بآخر وسفره للعمل خارج السودان، ولعل رائعته (قصتنا) التي تغنى بها الراحل عثمان حسين هي من تجسد حقيقة ذلك الزعم،ولم يكن بازرعة وحيداً في هذا المضمار، فقد مُني الراحل إدريس جماع بهزيمة عاطفية من محبوبته بعد قصة حب عميقة جعلته يزهد في الزواج.
كرومة يتجاهل اهتمام الفتيات
وفي السياق، يعد عبد الكريم عبد الله مختار الشهير بـ (كرومة) من راهبي الفن، فهو لم يتزوج وكرس كل عمره ووقته للفن، ورفع مستوى الفنان إلى أعلى مكانة. ورغم أن كرومة – بحسب الفنان عبد الرحمن حامد يونس الذي كشف لـ (اليوم التالي) – كان أنيقاً جداً في الأزياء التي يرتديها وعندما تتعرض ملابسه لأدنى قدر من هجوم التراب عليها، يرجع إلى المنزل لكي يقوم بتغييرها. ويضيف: يمسك عصا لأجل تكملة الأناقة، وكان شجاعا وكريماً ومهذباً ودوداً طيب المعشر محبوب من كل أصدقائه. من جهته قال الباحث في التراث الموسيقي محمد يونس للصحيفة: اشتهر كل من كرومة وسرور بالأناقة المفرطة من ارتداء البدل الاسموكن والطرابيش أو الجلابيب والعمم والشالات الكشميرية الحريرية. ويضيف: كثيراً ما توضع صورة كرومة على قنينة العطر الشهيرة التي ينتجها الشبراويشي في مصر وافتتن به أهل أمدرمان بل كل أنحاء السودان. وأردف: كرومة صوته جميل وألحانه شجية، وهو محبوب لدى الكافة، ورغم أن فتيات أم درمان كن يسرعن إلى بيوت الأعراس التي يغني فيها كرومة وهن في أبهى زينتهن، إلا أنه لم يلقِ بالاً لذلك، واهتم بفنه أكثر من التفكير في الزواج، وأشار محمد يونس: اللافت للنظر أن الشباب كانوا يحصرون على حضور حفلاته، وكانت حفلات الأعراس فرصة لكي يختار الشاب شريكة حياته تحت قيود وتحفظات ذلك الزمن. وأفاد يونس: كان كرومة محبوباً من الجميع حتى الفتيات اللواتي يعشن بجوار منزله في الحي كن يتبارين في غسل ملابسه.
اليوم التالي
لماذا لا يذكر السيد الباحث الموسيقي ” محمد يونس أنَّ مصدر معلوماته هو الاستاذالرائد حسن نجيلة وتحديداً كتابه : ملامح من المجتمع السوداني