ريثما يتعلم (البعير)..!!

• فرح و د تكتوك ، جورج أورويل ، و علاء الأُسواني ..
• الثلاثة أعلاه سبق أن قدموا تشخيصاً دقيقاً لما يمر به السودان اليوم ..
• حكيم سنّار، الشيخ فرح ود تكتوك ، في ما روى الرّواة ، وجد نفسه مضطرّاً إلى تعاطي السياسة ، حين رأى أن رفضه تعليم (بعير) السلطان الكتابة و القراءة ، يمكن أن يكلِّفه حياته .. فقرَّر قبول العرض المجنون ، بعد أن حدّد مدّة عشر سنين لمنح بعير السلطان “الشهادة السودانيّة” ، على ألاّ يسأله السلطان إلاّ بعد انقضاء المدّة .. ثم شرح للمشفقين عليه سبب قبوله التكليف بقولته التي سارت مثلاً : (عشر سنين ، يا مات الأمير “السلطان” ، يا مات البعير، يا مات الفقير”يعني نفسه”)..
• ثمّ اقتضت حكمة الله الخبير العليم ، أن يستخدم ذات حكمة الشيخ الزاهد فرح ود تكتوك ، أُناسٌ هُم أبعد الناس عن الحكمة ، و أكثرهم تهالكاً على الدنيا ، فانقلب المسرح رأساً على عقب ، حين مثّل الشعب السوداني الثائر دور السلطان ، و مثّلت “لجنة البشير الأمنيّة” دور الشيخ فرح ، و حلَّ “القصاص لشهداء الثورة و مجزرة القيادة” محلّ تعليم البعير .. الراسخون في الحكمة يعلمون علم اليقين أنّه لن يتم القصاص للشهداء قبل أن يتعلم البعير الكتابة و القراءة ..
• (الجنرال أوبراين) في رواية جورج أورويل ، المعنونة “1984” هو ذات الجنرال صلاح قوش ، بلحمه و دمه ، أما المسكين “ونستون” فهو هذا الشعب المسكين .. و المسأله ، يا مولاي، أنّ ونستون ، الموظف الصغير في دولة “الأخ الأكبر” و الذي يعلم أن عيني الأخ الأكبر تريان كل ما يفعله حتى داخل الحمّام ، و أذناه تسمعان حتى وجيب قلبه و حفيف خواطره ، كان يحاول أن يكون “مواطناً صالحاً” (من البيت للمكتب و من المكتب للبيت) و ألاّ يشغل نفسه بالمسائل الكونية .. و لكنه ، رغماً عنه ، كان يتذكر أحياناً طعم الحُرِّية التي فقدها يوماً ، و لهذا ، حين استوقفه الجنرال المهيب أوبراين، الساعد الأيمن لـ”الأخ الأكبر” و دعاه بتهذيب شديد إلى زيارته بمكتبه ، عانى خليطاً من الرهبة ، الفرح ، و الخوف..و حين زاره في مكتبه في الموعد، وجد نفسه جزءاً من “خليَّة ” من “الثُّوّار” بقيادة الجنرال أوبراين نفسه !!.. لم يصدِّق عينيه و لا إذنيه ، و لكن ذلك ما حدث .. ظل يوافي، صحبة عدد من الثوار أمثاله ، إجتماعات الجنرال التي تخطِّط لإسقاط نظام “الأخ الأكبر” .. كان الجنرال لا يفتأ يحذرهم من عيون الأخ الأكبر ، و ينذرهم أن من يقع منهم في يدي الأخ الأكبر عليه ألاّ يفشي سرّ المجموعة ..
• و لكن ونستون يقع في أيدي زبانية “الأمن” ، ليفاجأ بأن من يمارس تعذيبه و إلقاء المحاضرات عليه هو (الجنرال أوبراين) شخصياً .. قال لونستون في إحدى محاضراته التي ألقاها عليه أثناء التعذيب:
• (لقد بلغ النازيون الألمان ، و الشيوعيون الروس حدَّاً جعلهم جِدَّ قريبين منّا في مناهجهم ، لكنهم لم يمتلكوا من الشجاعة ما يكفي للاعتراف بدوافعهم . لقد كانوا ادَّعَوا ، بل ربما اعتقدوا ، أنّهم بلغوا السُّلطة و هُم لها كارهون ، و أنهم لن يمكثوا فيها إلا لأجل محدود، و أنه لم يعد يفصلهم شيء عن الفردوس الموعود الذي يحيا فيه الناس أحراراً متساوين. إننا لا نُشبه هؤلاء. إننا ندرك أنه ما من أحد يُمسك بزمام السلطة وهو ينتوي التخلي عنها . إن السلطة ليست وسيلة بل غاية ، فالمرءُ لا يُقيم حُكماً استبدادياً لحماية الثورة، و إنما يُشعِلُ الثورة لإقامة حُكم استبدادي. إن الهدف من الاضطهاد هُو الاضطهاد ، و الهدف من التعذيب هو التعذيب، و غاية السلطة هي السلطة.. هل بدأت تفهم ما أقول الآن؟)..
• و لكن الروائي المبدع ، الدكتور علاء الأسواني قرأ (بروتوكول) سرقة الثورات على أرض واقع الثورة المصرية .. و للذين يحترمون “ذاكرتهم” فقد قام بعض فلول البشير ، عقب ثورة ديسمبر، بعدد من الزيارات للجنرال المصري الحاكم “السيسي” و أدّوا له التّحيّة ، و أخذوا منه بعض النصائح المهمّة في التعامل مع ثورات الشعوب المشاغبة .. لعل مجزرة القيادة كانت ثمرة إحدى تلك النصائح ، أمّا أهم النصائح على الإطلاق فهي ما نراه اليوم عياناً بياناً ، و هو بعض ما سجّله الدكتور علاء الأسواني، حين رآه يجري في مصر ، بعينيه، عقب الثورة المصرية:
1- احتفل بالثورة والعن الديكتاتور المخلوع.
2- احتفظ بالنظام القديم كاملا.
3- اترك أحوال البلد تتدهور حتى تصل إلى الحضيض..
4- اضرب وحدة الثوريين وفرق بينهم.
5- حاصر الثوريين (شباب المقاومة) وشوِّه سمعتهم..
6- وجه ضربتك القاضية..
• خمس من خطوات سرقة الثورة تم تنفيذها بالكامل ، و نحن الآن في انتظار (الضربة القاضية)..
علي يس
[email protected]