زريبة الأطفال

عندما نقول إن السودان أصبح لا دولة فالأمر لم يأت من فراغ، فمؤسسات الدولة غابت تماماً عن أرض الواقع لا أثر لأي مؤسسة، أي نعم هناك وزراء ومسؤولين ولكن بلا وجود حقيقي وبلا مسؤولية، التقرير الذي أجرته الزميلة أسماء ميكائيل يوم الجمعة الماضي عن معسكر الرشاد للأطفال المشردين يعكس ذلك تماماً، كما يعكس بوضوح أن هذه البلد لا يوجد بها قانون ولا دين ولا أخلاق فعندما تعامل الدولة نفسها الأطفال كالحيوانات فلابد أنها وصلت قمة السقوط والتردئ.
الأطفال لم يعد وجودهم في الشوارع بسبب التشرد وحده فهناك كثير من الأمهات العاملات في الشوارع يصطحبن معهن أطفالهن، وبما أن الطفل كثير الحركة فلابد له أن يبتعد عن أمه ليكتشف ما حوله، فكم من هؤلاء أمه كانت على بعد مسافة قريبة منه تم (كشه) وهي لا تعلم والآن ما زالت تبحث عنه، ويبدو أن بعضهم ليس متشرداً فهم على قدر من الوعي والإدراك، بدليل أنهم يحفظون بعض الأرقام لأسرهم ونادوا أسماء بيا أستاذة وأحدهم شكى من الحمى، وأحدهم أخبرها أن أمه لا تعلم عنه شيئاً فهو كان يعمل في الأورنيش.
ما عكسه ذلك التقرير الذي لا أشك في مصداقيته شيء فظيع لا يمكن أن يوجد في أي دولة في عالم اليوم، يمكننا أن نفهم ونستوعب أن هناك أطفال قست عليهم الظروف بسبب سياسات الحكومة وتشردوا وأصبحوا يعيشون في الشوارع كما الحيوانات الضالة، ولكننا لا يمكن أن نستوعب أن هؤلاء الأطفال تجمعهم الحكومة في زريبة وتعتبرهم بالفعل حيوانات ضالة لا يستحقون منها الرحمة ولا الشفقة، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا يتم جمع هؤلاء الأطفال إذ لا يبدو أن الهدف خلفه حسن نية بدليل أن الزريبة التي سميت رشاد وهي في منتهى الضلال ليس بها أدنى المقومات .إن مات أحد هؤلاء الأطفال وبعضهم مريض فعلاً فماذا سيفعلون بجثته سيتخلصون منها كما النفايات أم تدفن كما يدفن البشر؟ .
معسكر الرشاد المسمى كذباً كذلك لا يبدو أنه جهة مجهولة للحكومة ولا لوزارة الرعاية الاجتماعية، وربما وزيرة الرعاية الاجتماعية (قاشرة بيه) أمام الوزراء والبرلمان وكتبت عنه تقرير خيالي يصوِّر تلك الزريبة بشكل مختلف صفق له مجلس الوزراء والبرلمان.
التحقيق هو وصمة عار في جبين الحكومة ورغم أنه ليس العار الوحيد ولكنه الأفظع لأن زريبة الرشاد توجد في الخرطوم وأمام عينها، أن كان هؤلاء الأطفال فعلاً مشردون فمن باب الرحمة والإنسانية أن لا يجمعوا بهذه الطريقة إلا إنسانية، وما دام هناك مكاناً موجوداً ماذا يكلف الحكومة أن أهلته ووظفت فيه متخصصون في مختلف أنواع الرعاية ووفرت لهم وسائل اتصال بذويهم وإعادتهم إليهم وقدمت لهم النصح والإرشاد والدعم اللازم.
لسنا ضد إبعاد الأطفال عن الشوارع ولكن ليس بما هو أسوأ، فتجربة معسكر الرشاد هذا أقسى من تجربة التشرد في الشارع، ففي الشارع يجد الطفل الماء والعراء ومن يقاسمه اللقمة، أما تلك الزريبة فلا شك أنها ستؤثر عليه بما هو أسوأ من أثر الشارع.
الوضع الذي يوجد فيه هؤلاء الأطفال في زريبة الرشاد يؤكد أن ليس هناك جهات تحمي الأطفال، فكل تلك المؤسسات التي نسمع عنها هي مجرد شعارات.
حسبي الله ونعم الوكيل.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..