و للحرية الحمراء باب ..

و للحرية الحمراء باب …
بقلم: د. عمر بادي
عمود : محور اللقيا

تحية إجلال و تقدير أبثها للشعب المصري في ثورته الخالدة التي جسدت المعنى الإيجابي للغضب و قد جمعت كل طوائف و فئات المجتمع المصري نحو هدف واحد الا و هو إسقاط النظام , و كل شيء يهون من أجل ذلك , فاستخفوا بالموت الذي جعلوه مرتبة سامية يسعون لنيلها في سبيل الوطن … هؤلاء الشباب الذين عاهدوا الله و أنفسهم على الإلتصاق بقضايا شعبهم و على الفعل بإرادة التغيير , الذي رآه البعض بعيدا و صعب المنال و رأوه هم قريبا و أيضا صعب المنال , فأعدوا عدتهم و شرعوا في الدعوة أن حيي على الخروج في التظاهرات , ففعلوها و توافدت خلفهم الجموع الذين رأوا فيهم ما بأنفسهم من توق للحرية و للعدالة و للعيش الكريم … خرجوا و هم يحملون حناجرهم و لا شيء معها غير الصمود و الإصرار و قوة الإرادة , و النصر أو الشهادة , و تربعوا على عرش ميدان التحرير و تشبثوا بأرضه المحررة و لا يهمهم ما يلاقونه من الطغاة و القساة قلوبهم , و ها هم يستمرون في إعتصاماتهم حتى تكمل الثورة أهدافها.

إن نجاح ثورة الشباب يتمثل في الإعداد الجيد لها , و في تمثيلها لكل تطلعات الشعب المسحوق , و في إختيارها لساعة الصفر المناسبة , و في تقدم الشباب كقيادة لها … قيل أن الإعداد لهذه الثورة قد إستغرق عدة أعوام , و أنا أؤيد ذلك , فقد زرت مصر في صيف عام 2008 و شاهدت تحركات الشباب المنضبطة , مثلا في سينما روكسي و كنت أسكن قربها و بعد أن شاهدت مع أسرتي فيلم ( حسن و مرقص ) للمثلين عادل إمام و عمر الشريف , كانت مجموعات من الشباب من الجنسين تقف خارج دار السينما و يستطلعون الجمهور بعد مشاهدة الفيلم عن آرائهم في ما قد طرحه الفيلم عن التسامح الديني و التعايش بين المسلمين و المسيحيين , و يدخلون مع المشاهدين في حوارات إن كانت آراؤهم سلبية , و عندما سألونا عن رأينا و تحدثنا معهم بروح إيجابية رأيت الفرح على أساريرهم , و سألتهم إن كانوا ينتمون إلى منظمة ما فأجابوني بأنهم شباب يعملون لتغيير الأفكار الخاطئة عند الناس !
في تلك الزيارة كنت قريبا من الناس العاديين و كانوا يحكون لي عن الضائقة المعيشية و زيادة الأسعار التي أعقبت زيادة سعر الوقود , وفي مرة حكى لي سائق سيارة أجرة أنه خريج جامعي و يعاني من البطالة منذ ثمان سنوات و أخيرا إقتنع أن يعمل كسائق سيارة أجرة بنظام التغطيات , و في طريقنا أشار إلى عدة مبانٍ تكون مربعا سكنيا كاملا و قال لي إن هذا هو بيت ( الريس ) و رأيت الحراس يطوقونه!

مصر هي أخت بلادي الشقيقة , و حين يقول السودانيون ذلك و يكررونه فإنهم يعون ما يقولون , و يعرفون جيدا أنه على إمتداد سبعة آلاف سنة كان النيل يجمعنا بتداخل حضاراته , و كانت ( كوش ) هي القاسم المشترك بين قاطني النيل شمالا و جنوبا , و كأنها قد آلت على نفسها أن تجمع أطراف النيل في مصر و السودان على هداها و على ذكراها , و ها هي تجمع أيضا السودان الجنوبي إلى شملها , و كما جمعتنا في الماضي , فإن ( كوش ) سوف تجمعنا في المستقبل القريب بإذن الله , و لن تفرقنا الحدود المصطنعة و لا جوازات السفر !
من الملفت للنظر أن أمريكا أوباما تقف مع تظاهرات الشباب الداعية للتغيير ضد الحكام الذين يعتبرون عملاء لها , و ليس في هذا تناقض إذا عرفنا أن شعار حملة أوباما الإنتخابية كان ( التغيير ) و الممارسة الديموقراطية , و هذا ما يفعله شباب التظاهرات , و أن أوباما سوف يكسب الكثير داخل أمريكا و خارجها بسياسته الداعمة للتغيير و للتحول الديموقراطي , و هذا ما سوف ينفعه في تقوية موقفه في الإنتخابات الرئاسية القادمة.

في تونس و في مصر كان للشعر و للأدب دور في تأجيج الثورتين , فكان لشاعر تونس أبو القاسم الشابي وجود بقصيدته ( إرادة الحياة ) التي أقتطع منها هذه الأبيات :
إذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
و لا بد لليل أن ينجلي و لا بد للقيد أن ينكسر
إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى و نسيت الحذر
و من لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
أبارك في الناس أهل الطموح و من يستلذ ركوب الخطر
و كان لشاعر مصر أحمد شوقي وجود بقصيدته ( نكبة دمشق ) التي اقتطع منها هذه الأبيات :
نصحت و نحن مختلفون دارا و لكن كلنا في الهم شرق
و يجمعنا إذا إختلفت بلاد بيان غير مختلف و نطق
و للأوطان في دم كل حر يد سلفت و دين مستحق
ففي القتلى لأجيالٍ حياة و في الأسرى فدى لهمو و عتق
و للحرية الحمراء باب بكل يدٍ مضرّجة يُدق
إن كرة الثلج التي بدأت تدحرجها من قمة الإستبداد و التسلط و الفساد قد تضخم حجمها و هي تتواصل في تدحرجها و تمحو الأنظمة الديكتاتورية المتشابهة التي بدأت تتساقط واحدة تلو أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..