مقالات سياسية

عيد الطبقة العاملة .. بأي حال عدت؟

أول وصولي لهولندا وانخراطي في العمل المأجور (العمل بمرتب في الحقيقة ولكن اختيار المفردة يجئ لتأكيد السياق) وقفت أمام الكثير من المفارقات التي كنت أجهل بخصوص النظام الرأسمالي وفكرة العدالة الاجتماعية. أذكر في أول انتخابات عامة عقب حصولي على الجنسية وكنت أعمل وقتها مفتشا بالسكة حديد، أشار علي زميلي بالتصويت للحزب الليبرالي، كان يتكلم بصيغة الجمع قائلا “نحن كطبقة وسطى يجب أن نصوت لليبراليين”.

اصابتني الغبطة لبرهة حين علمت أنني القادم أول أمس، بعد أن فاتتني القسمة، أصبحت من ضمن أفراد الطبقة الوسطى الهولندية، وما أدراك ماهي..

كان مرتب جاري الأسطى العامل في مجال البناء يساوي ضعف مرتبي، طبعا ليس من التهذيب سؤال الناس عما يكسبون ولكنه كان كثير التحدث بما يصيبه من نعم وهذا هو سبب معرفتي بمقدار ما يكسب، .. فما الذي يجعل مني طبقة وسطى وهو طبقة عاملة؟

قد يحتوي الأمر على الكثير من المغالطات باعتبار أن دخل الفرد هو الذي يحدد موقعه اللوحة الطبقية وليس نوع العمل الذي يؤديه، وتكون المسألة قد جاطت بالنسبة لي نظريا.

ما جعل شعرة جلدي تلين بعض الشيء في تأمل الأمر الرأسمالي هو درجة العدالة الاجتماعية المتوفرة في هولندا ودولة العناية والرعاية التي أخذت في التآكل مؤخرا.. أهوال الرأسمالية ووجها القبيح يعتمدان في ظهورهما على النموذج المطبق منها. اسكندنافيا وغرب أوربا يختلفان كثيرا عن أمريكا مثلا.

فيما يخص الطبقة العاملة يحاول بعض المنظرين من أهل اليسار، الحاق العاطلين عن العمل والمتسكعين والرافضين للتماهي مع المجتمع الغربي بشكله الرأسمالي الحالي، يحاولون الحاقهم بوضعية المنتجين. باعتبار ان الإنتاج لا يقتصر على البضائع والمنتجات المادية ولكن الرموز والثقافات أيضا أصبحت تدخل في مجال المنتجات، رغم حالة كونها ثقافات مناوئة ورافضة، ويعاد عرضها وتدويرها كسلع سواء باستخدامها في الغناء أو الفنون التشكيلية أو حركة الفنون عموما.

شيء آخر جدير بالذكر أن الطبقة العاملة فقدت تماسكها وحضورها الفعلي في مواجهة المخدمين وأصحاب رؤوس الأموال الذين أصبحوا يوزعون مكونات المنتج الواحد مثل السيارات أو الهواتف على جهات جغرافية عديدة وبيئات انتاج ذات قوانين مختلفة الأمر الذي يحد من توحد العاملين في سبيل النضال من أجل شروط تخديم وأجور أفضل.

كما أن الوجه الامبريالي القبيح للرأسمالية يعاود الظهور مرة أخرى دون أي انتقادات، فها هو الرئيس الأمريكي ترمب يضغط السعودية ودول الخليج من أجل الحصوص على أموال وعقود تسلح باهظة تضمن دوران مصانع الأسلحة وتدفق الأموال على المستثمرين في هذا المجال، إضافة لتهديداته بالحجز على دولارات النفط المودعة بطرفه دون اجتهاد في تبرير الدوافع.

رغم حالة السلام النسبية السائدة إلا أن الرأسمالية وسوقها لا ينتظران آليات عمل السوق كعرض وطلب يحقق مصالح الأطراف كلها، ولكنها تمارس البلطجة أحيانا كثيرة كلما لزم الأمر، ويجب ألا نتوقع أي تحسينات نهائية في هذا النموذج.

الضوء الذي يلوح بالأفق دعوة بعض المفكرين هنا في الغرب لتوفير دخل أساسي للجميع عاملين وعاطلين، لأن الأتمتة الحاصلة أفقدت الكثيرين وظائفهم، واذا استمر التطور في هذا المجال على وتيرته الحالية ستتحول قطاعات كبيرة من الشرائح العاملة إلى فائض لا حاجة للسوق وعملية الإنتاج به. ولكن في المحصلة النهائية فإن اجمالي الناتج القومي للدول الصناعية سوف لن يتأثر، ولا معدلات النمو كذلك.. فهنالك أموال تكفي الجميع اذا أحسن توزيعها.

إبراهيم حمودة
الأول من مايو 2018

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..