السلام المستحيل

تأبى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا إلا وأن تشغل السودانيين بعمليات بحث مضن وشاق من اجل سلام مستحيل.. كم من السنوات قضيناها ووفودنا المفاوضة تائهة بين العواصم والمنتجعات والفنادق؟ وكم من الدولارات المحمولة جواً اهدرناها في الصرف على متاع الوفود وسفرياتم وفنادقهم؟ وكم من الجهد والاحبار والاوراق والوثائق سكبت على طاولات التفاوض.. والنهايات دائماًَ حزينة والوساطة «تهرول» بين طرف واخر .. توقع الاتفاقيات بليل ثم تجهض قبل الفجر ..وحصادنا اسفاً وسراباً.. وجماعة عرمان يدخلون القاعة ثم يطرحون على طاولة «الوسيط الاممي» اعلى السقوفات من المطالب والرجاءات والامال العراض، وجماعة غندور يحدقون في «الوثيقة» بعيون جاحظة يقرأون في سطورها فيجدون بين ثناياها ما هو أدهى وامر وما يتثير غضبهم فينتفضون ثم يقذفون بالوثيقة في وجه الوسيط، حيث اطلت دارفور من جديد بكل احزانها واوجاعها، فوثيقة الدوحة لم تشف الجراحات اوهكذا تعتقد جماعة عرمان لان حركات دارفور وقياداتها هناك في اديس تحاصر «الطاولة» ولا ندري نتفاءل ام نتشاءم لكننا ننتظر.
الكرة في «ملعب المناقل»
ربما لا شيء يريده أهل المناقل يا سعادة النائب سوى أن يطل الطريق الضائع هناك في غرب الجزيرة على واقع الحياة، ويريدون حياة جديدة لمستشفى مهجور ماء صالحة للشرب تذهب الظمأ عن العطشى لعموم اهل القرى بالمناقل، وقبل كل هذا وذاك فان رئاسة الجمهورية التي تعهدت على لسان الاخ حسبو محمد عبد الرحمن مطالبة هي اولاً باعترافات جهيرة وموثقة بان المناقل ظلت هكذا طيلة سنوات الانقاذ، كماً مهملاً تحت «الظلال» وعلى هوامش السلطة بلا ادنى اعترافات لكنها ضائعة الحق مهدرة الموارد.. ولكن ان تتعهد الرئاسة بالتنمية والتعمير فتلك هي احدى مؤشرات العودة للحق والعقل واحياء الضمير.. وحتى لا نتفاءل كثيراً فان ثمة هروب من المسؤوليات الرسمية ونلتمس حقيقة هذا الهروب في طبيعة التوجهات الرئاسية التي اكتفت فقط بالاعلان عن تكوين «ماعون شعبي» يتولى مسؤولية الاعمار والتنمية والتطوير، كنا نحلم ونظن ان رئاسة الجمهورية ستجود على اهل المناقل ببعض مشروعات تنموية وتدفع بقوة في اتجاه تسريع خطى انفاذ طريق «المناقل- القرشي-ابوحبيرة»، لكن يبدو ان الحكومة ارادت ان تبقى الكرة في ملعب اهالي المناقل لاطول فترة ولن تتدخل الرئاسة الا في مواسم الحصاد الانتخابي. ورغم كل هذا العناء والفقر التنموي والخدمي الذي تعانيه غرب الجزيرة الا ان هناك مؤشرات ربما جيدة وهي ان السيد المعتمد الجديد للمناقل انس عمر، افلح في ان يعبر تماماً وبكل جرأة وشفافية عن الواقع والمشكلات الحقيقية التي تواجه مواطنيه هناك، قبل ان يقدم رؤية اصلاحية متكاملة ذات برامج استراتيجية وتنموية وهذا ما ظلت تفتقده هذه المحلية منذ ان اطل فجر 30 يونيو 1989.
«الجماعة» في منابر السياسة
تخطو جماعة انصار السنة المحمدية بخطى واثقة في اتجاه المسرح السياسي الحزبي في محاولة تعزز كثيراً من توجهات الجماعة للاقتراب من كونها حزب سياسي لا يتعاطى مع الشأن الدعوي بقدر تعاطيه مع الشأن السياسي، وتلك هي القضية التي اوقعت الجماعة في فتنة الانشقاق قبل حوالي اكثر من عشر سنوات، فخرج الشيخ ابوزيد محمد حمزة برهط من الجماعة وابقت على فكرة الدعوة الاسلامية بعيداً عن المنابر السياسية، فيما استجابت جماعة الشيخ محمد هاشم الهدية «لاستقطابات الحكومة لتكن ضمن منظومة» احزاب البرنامج الوطني.
والجماعة تدخل الان المسرح السياسي باوسع ابوابه وبكامل ارادتها وتربط احزمتها مبكراً استعداداً للسباق الانتخابي القادم، وتتمسك بالبشير مرشحاً لرئاسة الجمهورية واعتبرته خياراً لا بديل له واميناً على البلاد في امنها ووحدتها.. فالقضية اذن ليست في دخول جماعة انصار السنة المحمدية في هذا المضمار او خروجها منه، وانما السؤال الذي يطرح نفسه هنا بالحاح.. هو ماذا قدمت هذه الجماعة للحكومة ولدعوتها الاسلامية عبر شراكتها السياسية؟ هل سخرت منابرها الدعوية لمناصحة الحكومة حتى تعالج مفاسدها؟ وهل كانت هذه الجماعة فعلاً امينة او حارسة لامر الدعوة الاسلامية أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر؟ يا ليت الشيخ اسماعيل عثمان رئيس الجماعة نسخة «المركز العام» يبين لنا.. كيف شاركوا في السلطة وما هي فكرة المشاركة من اصلها؟ ثم كيف يقيمون تجاربهم السابقة وما الذي ينتظرونه ويبتغونه لوجه الله من الانتخابات القادمة التي قرروا خوضها حال قيامها؟ وليت صوت الجماعة يعلو في بلاد تعج بالقضايا والمشكلات الفكرية والمذهبية والتراجعات الكبيرة في الاصول والمفاهيم الاسلامية حتى لا تكون هذه المشاركة السياسية بلا طعم ولا لون ولارائحة فان كان ذلك كذلك، فان جماعة الشيخ اسماعيل عثمان ربما تفكر في مناصب سياسية ودستورية بعيداً عن المنابر الدعوية التي انطلقت من اجلها جماعة انصار السنة المحمدية في السودان منذ عقود.
القبيلة تحت «القبة»
هل يفلح البرلمان في محاصرة القبلية التي استشرت واستوطنت مؤسسات الدولة بكل مكوناتها؟ ثم ما الذي دفع البرلمان الان لهذا التدارك والانتباه لكل هذه المخاطر التي افرزتها ظاهرة تمدد القبيلة في شرايين هذه الدولة؟ .. صحيح ان البرلمان يجتهد الان ويحاول استجماع قواه وسلطانه على الجهاز التنفيذي لاسقاط هذه القبلية من القاموس السياسي والتنفيذي.. ولان الخطر الداهم اكبر والفتنة القبلية قائمة فمن الاجدى للبرلمان وقبل ان يطالب بحذف القبيلة من كافة الوثائق والمكاتبات الرسمية، يجب على الدولة أولاً أن تبادر بإسقاط كافة المفاهيم والمعتقدات التي تعلي من شأن القبيلة على اي شيء آخر، لان هذه القبيلة تعلي وتسقط بالمفاهيم وليس بالقوانين.. نتمنى ان تكون «الورشة» التي يتأهب البرلمان لتنظيمها في بحر اليومين القادمين هي احدى المحاولات الجادة لقفل الطريق تماماً امام طوفان القبيلة وطغيانها، فالحقيقة تبدو قاسية ومريرة على واقع الدولة السودانية فليس هناك خطر على النسيج الاجتماعي في بلادنا اكبر من خطر القبلية، خصوصاً اذا كانت القبيلة وفي ظل غياب الحكومة تمتلك سلاحها وقواتها الخاصة وقيادتها العسكرية وربما مجلسها «الثوري» وبهذا التشكيل باتت العديد من القبائل في المناطق الطرفية تاخذ طابع «المليشيات العسكرية»، فكيف نتخيل واقع الحال لو اتسعت قاعدة النزاعات القبلية فكم من الجهد نحتاجه لعقد الاتفاقيات والتسويات والمعاهدات «والوساطات» ولقوات حفظ الامن؟ ..وكم من الاموال ستدفعها الحكومة كديات لاسر الضحايا؟ ثم كم من المشروعات الخدمية سوف تتبدد تحت اقدام المتصارعين ؟ ولكن للاسف الشديد كل ما عانته الحكومة ونعانيه نحن كشعب من فقر وجوع ورهق، كانت فيه القبيلة الجاني الاول والمنتهك الاكبر لقوميتنا السودانية فليمضي البرلمان الى نهاية الشوط باصدار التشريعات التي تحد من حالة الجنوح القبلي حتى تسقط القبيلة من مسرح السياسة السودانية، وبالتالي يمكن تجريد قياداتها «المصنوعة» من اي سلطان او نفوذ لترتد القبيلة الى حدود مجتمعاتها ولا تتجاوز سقوفات الاهل والعشيرة والقرية
[email][email protected][/email]